10-سبتمبر-2018

سعت الإمارات إلى تجنيد السيسي وأفورقي لتطبيق مصالحها في القرن الإفريقي (Getty)

خُتمت نهاية الأسبوع الماضي، قمة ثلاثية جمعت الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والصومالي محمد عبد الله فرماجو، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في العاصمة الإريترية أسمرا، لتتمخض عنها اتفاقية تعاون مشترك، ترفد بصورة ما مصالح أبوظبي، فيما لم تعد جهود أفورقي خافية لتجيير مواقف الصومال وجيبوتي لذات الهدف. وعلى الضفة الأخرى، بدأت مصر تلعب دورًا موازيًا، ما أظهر أن السيسي وأفورقي يقومان بنفس الدور، كوكلاء للإمارات من أجل السيطرة على دول وموانئ البحر الأحمر.

يقوم كل من السيسي وأفورقي بنفس الدور، كوكلاء للإمارات من أجل السيطرة على دول وموانئ البحر الأحمر

ومن المعلوم أن الإمارات سعت وبقوة لتحقيق المصالحة بين إثيوبيا وإرتريا بعد قطيعة دامت لنحو ثلاثة عقود، وعبرت العلاقة مؤخرًا فوق مثلث "بادمي" المتنازع عليه بين أديس أبابا وأسمرا، وكانت المصالحة نفسها هدفًا لغاية أخرى، كما بدا للكثيرين، مرتبطة بتأمين نقاط الملاحة البحرية للإمارات، وحماية دورها في المنطقة. وظهر لاحقًا من تحركات أسياس أفورقي في منطقة القرن الإفريقي، ما يؤكد ذلك، حيث بات يمثل رأس الرمح الإماراتي في المنطقة، وقام بعدة زيارات مفاجئة لطي الخلافات بينه وبين جيبوتي من جهة والصومال من جهة أخرى، على نحوٍ لا يتسق مع سياساته العدائية.

السيسي وأفورقي.. إماراتيون بالوكالة

رغم الصفعات المتتالية التي تلقتها الإمارات وخساراتها لعدد من موانئ البحر الأحمر، إلا أن ولعها بالسيطرة وبناء إمبراطورية هائلة على البحر يزداد شراهة كل يوم، لدرجة أنها عملت مؤخرًا على تجنيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الإرتري أسياس أفورقي  للقيام بالمهمة، مقابل دعم بلادهما اقتصاديًا، وهى عادة أبوظبي في شراء كل ما يمكن دفع ثمنه.

اقرأ/ي أيضًا: بعد تل أبيب أفورقي في أحضان أبوظبي.. ثمن لعبة الإمارات في البحر الأحمر

ولعل انسحاب الإمارات من المواجهة المباشرة في القرن الإفريقي والاكتفاء بوكلاء لإدارة مصالحها سببه فشل سياساتها الخارجية، ومحاولة ترميم صورتها التي تضعضعت غالبًا، بسبب تدخلاتها السالبة في شؤون الدول الأخرى، كما يرى البعض. وكان طرد البرلمان الصومالي شركة موانئ دبي العالمية من "ميناء بربرة" في آذار/مارس الماضي نتيجة لذلك التدخل، بسبب ما قالت الصومال إنه انتهاك للسيادة الوطنية، وعلى التوالي خسرت موانئ دبي أيضًا امتياز العمل في ميناء جيبوتي، وتمثلت الصفعة الكبرى في اتفاق الحكومة القطرية والسودانية على بناء أكبر ميناء في البحر الأحمر بتكلفة مقدارها 4 مليار دولار، ما يعني أن الدور الإماراتي في السودان أصبح مهددًا أيضًا، وهو ما تطلب على ما يبدو تحركًا جديدًا.

الاقتصاد في خدمة السياسة

وكانت صحيفة "العربي الجديد" قد كشفت من خلال مصادر مصرية، موافقة الخرطوم على منْح مصر مليونَي متر مربع من الأراضي تحت مسمى إنشاء منطقة صناعية، على النيل، بالقرب من العاصمة الخرطوم، وتأتي الخطوة ضمن مجموعة خطوات أخرى تشمل استثمارات اقتصادية لها أبعاد سياسية في منطقة البحر الأحمر. وقالت مصادر الصحيفة إن التحرك المصري نحو منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي في الوقت الراهن يأخذ طابع "الوكالة" للإمارات، التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع النظام المصري حاليًا، إذ تمول أبوظبي كثيرًا من الأنشطة التي تهدف إلى تقوية نفوذها في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، لافتة في الوقت ذاته إلى أن مصر تقوم في الوقت الراهن بدور رأس الحربة في التوجه الإماراتي نحو السودان، إلى حين استدراجه تدريجيًا، لإنهاء النفوذ التركي والقطري في تلك المنطقة. فيما شهدت القاهرة، الأسبوع الماضي، اجتماعات اللجنة الوزارية السودانية المصرية المشتركة، للتحضير للقمة الرئاسية بين عمر البشير والسيسي، وعكف المجتمعون على الإعداد لنحو 20 اتفاقية تعاون بين الخرطوم والقاهرة، تمهيدًا للقمة التي ستنعقد في الخرطوم خلال تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، والتي سوف تحظى بدعم ومباركة الإمارات غالبًا.

شكلت محاولة السيطرة على ميناء الحديدة من قبل التحالف السعودي الإماراتي والعبور فوق الشريط الممتد من قناة السويس وجيبوتي وميناء عصب الإرتري، إلى جميع معابر باب المندب، حلقة جديدة من حلقات التناوب لدفع المنطقة كلها لتسقط تحت مطامع شركة موانئ دبي العالمية، وهو ما بدا واضحًا في دعوة وزير الخارجية الجيبوتي، الصومال وإرتريا وجيبوتي وإثيوبيا بالتواصل والشراكة الأمنية مع دول الجزيرة العربية، وترتبط هذه الدعوة بالتصور الكامل لتحركات أبوظبي في المنطقة التي أشار لها موقع "إرم نيوز" الإماراتي، معترفًا أن وساطة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تأتي من أجل إعادة هيكلة أو ترتيب منطقة القرن الإفريقي، وهو عمل يلامس أهداف وطموحات سياسية أكثر من كونها اقتصادية، كما ييدو.

تقوم مصر في الوقت الراهن بدور رأس الحربة في التوجه الإماراتي نحو السودان، إلى حين استدراجه تدريجيًا،بهدف إنهاء الحضور التركي والقطري في تلك المنطقة

دبلوماسية شراء الذمم

وقد اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عباس محمد صالح، أن الطموحات المحركة لأبوظبي اليوم لا تراعي الأوضاع القائمة في المنطقة، سيما إرث الماضي الذي يرهق كاهل دول المنطقة وعدم الاستقرار السياسي المزمن هناك. وقال عباس لـ"ألترا صوت" إن مدخل الإمارات لهذه المنطقة يأتي في إطار دبلوماسية شراء الذمم، في جغرافيا تكرست فيها الممارسات الزبائنية على مدار عقود، والمستندة إلى "شراء الولاءات سريعة التبدل"، وتوقع بالتالي أن تخسر أبوظبي حلفاءها هناك بسرعة على المديين القريب والمتوسط.

اقرأ/ي أيضًا: سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر

وحول غزوات شركة موانئ دبي في منطقة القرن الإفريقي، قال صالح إن السلوك السياسي للإمارات غدا مهددًا لسمعة موانئ دبي، ومعرقلًا لحصولها على صفقات مستقبلًا، مضيفًا أنه "في عالم الأعمال والنفوذ السياسي إذا لم تكن راشدًا، فستكون عواقب ذلك وخيمة على الأنشطة الاستثمارية للشركات"، وبالتالي حتى في حال حصول موانئ دبي على موانئ أخرى في المنطقة، فستظل هذه الصفقات مجرد صفقات سياسية تحوم حولها الشكوك بشكل مستمر، نظرًا لطبيعة السلوك الإماراتي المريب.

ووصف صالح دبلوماسبة قادة الخليج الجدد، في إشارة لابن زايد وابن سلمان، بأنها درجت على شراء الهزائم، أكثر من تحقيق النجاحات، لأنها "سياسات إقليمية غير متماسكة ولا تقوم على أسس موضوعية ومستقلة، يمكن أن تحظى بالاحترام من قبل الآخرين". وهناك أيضًا الشكوك العميقة تجاه تحركات أبوظبي، سواء السياسية أو الدبلوماسية، والتي تجد مقاومة من أكثر من جهة، وبالتالي سوف تصبح في مواجهة شعوب المنطقة الإفريقية التي تتأهب لخوض ربيعها على غرار الربيع العربي، ولن تنسى هذه الشعوب وقواها الحية أدوار أبوظبي في إجهاض ثورات الربيع العربي و دعم قوى الثورة المضادة .

 وأشار إلى أن أبوظبي أيضًا أصبحت "طرفًا في النزاعات كما في الصومال، وطرفًا مشكوكًا فيه كما في إثيوبيا، وطرفًا مغضوبًا عليه في إريتريا، وغير مرغوب  فيه كما حدث في جيبوتي، وأخيرًا طرفًا مخادعًا لدى قطاعات واسعة في السودان"، لافتًا إلى أن أزمة الخليج العربي، في سياق التحرك والتحرك المضاد والاستباقي، سوف تلقي بظلالها على الأوضاع في القرن الإفريقي بأشكال عديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"مصافحة" إريتريا وأثيوبيا.. آخر أوراق ابن زايد في البحر الأحمر

الصين التي تحبنا بقسوة