24-ديسمبر-2015

عبدالفتاح السيسي (Getty)

بين الوعظ والإرشاد، والتحذير من الوصول إلى مصير دول مجاورة، والتساؤل عن أسباب الدعوة إلى ثورة جديدة في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير 2011، جاءت كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في ذكرى المولد النبوي. تلك الكلمة -التي حملت في طياتها العديد من الرسائل-، كشفت عن وجود تخوف حقيقي لدى رأس السلطة المصرية من إمكانية قيام ثورة للإطاحة به، وفسر هذا التخوف العديد من الإجراءات التي اتخذتها السلطات في الأيام الأخيرة للتخفيف من احتقان الشارع المصري.

تساؤل "ثورة جديدة ليه؟" الذي طرحه السيسي، في كلمته، أظهر تخوفًا لدى رأس السلطة المصرية من قيام ثورة ضده

السيسي "يعِظ"

لم تخل كلمة الرئيس السيسي، من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحايث النبوية، ودعوات الحفاظ على الدين بعيدًا عن الغلو والتطرف، ودعوة رجال الدين إلى تصويب الخطاب الدينى، وتفنيد "الأفكار الخبيثة والتفاسير الملتوية"، والحث على العمل والأمانة.

غير أن هذه الكلمة نفسها كشفت عن التناقض بين الخطاب الرسمي الذي تتبناه السلطة المصرية، والممارسة الفعلية لأجهزتها. فالسيسي الذي طالب في كلمته بأن يتم استيعاب "التنوع والثراء في الأديان والمذاهب والأعراق في ربوع الوطن العربي، وعدم فرض الدين على أحد بالقوة"، وأكد على "حرية الإيمان والاعتقاد والفكر"، يُضطهد الملحدون ويحبسون في الدولة التي يرأسها، ويُهجر المسيحيون من قراهم تحت رعاية السلطات الأمنية، وتغلق المساجد والمزارات في وجه معتنقي المذهب الشيعي، لكي لا يحيوا ذكرى يوم عاشوراء.

والسيسي الذي يعرب عن قناعته بأنه "سيحاسَب إذا تسبب في قتل الآخرين سواء في مصر أو خارجها، وأنه سيسأل أمام الله عن الـ90 مليون مصري"، قُتِل بموافقته -عندما كان وزيرًا للدفاع- ما يربو على ألف شخص، خلال فض اعتصامات ومظاهرات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، ويواجه المعتقلون السياسيون في سجون الدولة التي يرأسها القتل البطيء.

أنا أو الفوضى

منذ أن قال الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك كلمته الشهيرة "إما أنا أو الفوضى"، والسلطات المصرية، المتعاقبة على الحكم منذ ثورة 25 يناير 2011، لا تتوانى عن ترديد هذه الكلمة بشكل أو بآخر. الرئيس السيسي حرص، على السير على خطى سابقيه، فالرجل حذر من القضاء على الدولة الوطنية، كما حدث في دول مجاورة، وأكد أن "الدولة التي تهدم لا تعود مرة أخرى".

ووجه السيسي رسالة (تخويف) إلى المصريين، متسائلًا عن "الثمن الذي يمكن أن يدفعوه في حال ضياع 90 مليون مصري، وتحويل جزء كبير منهم إلى مشردين ولاجئين"، كما وجه اتهامًا مبطنًا إلى المعارضة بأنها "تضع أهدافًا تؤدي إلى هدم البلاد وتدمير العباد".

رسائل الترهيب، التي حملتها كلمة السيسي، لم تأت بجديد، فالرجل يواصل توظيف الأحداث المأساوية في سوريا والعراق وغيرهما من دول المنطقة، للدفاع عن وجوده في سدة الحكم، والتخويف من دعوات التغيير، وتسويق نفسه كحامٍ لوحدة الدولة الوطنية المصرية بما يمتلكه من خلفية عسكرية. لكن قالب "حاكم الضرورة وراعي الأمن" الذي يضع السيسي نفسه فيه، يفرض عليه القضاء على تنظيم "داعش" في سيناء ونشر الأمن في ربوع مصر، وهو ما يبدو أنه لم ينجح فيه إلى الآن بدليل حادث سقوط الطائرة الروسية.

ثورة تاني ليه؟

"أسمع أحيانًا دعوات إلى عمل ثورة جديدة، ليه؟"، "أتيت بإرادتكم وباختياركم، وليس غصبًا عنكم. وبالمناسبة، الكرامة الوطنية والأخلاقية والإنسانية، لا تجعلني أبقى ثانية واحدة ضد هذه الإرادة، والله والله والله لن أبقى ثانية واحدة ضد إرادة الناس. لقد أتيت من أجلكم ومن أجل بلادي ولأجل الناس، ولكن لو كانت هذه الدعوات (دعوات الثورة) هي إرادة المصريين، فبدون أن تنزلوا (تتظاهروا)" بشرط أن تكون هذه "إرادة أمة وليست إرادة مجموعة، وأنا أستطيع أن أميز بين الإرادتين جيدًا".

الرجل، الذي يعتبره العلمانيون منقذًا لهوية مصر العلمانية من براثن الإخوان، يرى أن الحكم منحة إلهية، وليس صناديق اقتراع وحرية اختيار

تساؤل "ثورة جديدة ليه؟" الذي طرحه الرئيس السيسي، في كلمته، شكل صدمة في الأوساط السياسية المصرية، وأوساط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بما أظهره من تخوف لدى رأس السلطة المصرية من قيام ثورة ضده. فالشارع المصري لم يتوقع أن يخرج مثل هذا التصريح الصريح من السيسي، خاصة في ظل القبضة الحديدية للدولة، وتواضع دعوات التظاهر في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير 2011، وتشرذم المعارضة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي تعاني من أزمة داخلية طاحنة تشي بقرب حدوث انشقاق كبير داخلها.

وبرر التخوف -الذي كشفت كلمة السيسي عنه- من إمكانية قيام ثورة جديدة، ما قامت به السلطات المصرية منذ أيام حين أفرجت عما يقرب من ثمانين مختفيًا قسريًا في سجن العازولي العسكري، وكذلك فتح الزيارة في سجن العقرب شديد الحراسة، بعد إغلاق استمر لأشهر، كما سمحت السلطات المصرية بنقل بعض السجناء ذوي الحالة الصحية المتدهورة إلى المستشفى وعلى رأسهم رئيس مجلس الشعب السابق، القيادي الإخواني سعد الكتاتني.

السيسي يواصل تبديد أوهام العلمانيين

"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء"، بهذه الآية برر السيسي جلوسه على سدة الحكم في مصر مؤكدًا، في الوقت ذاته، أنه "طيع في نزع الملك، فإذا أراد الله أن ينزع مني الملك فإني طيع. وأنا لا أحب الملك، ولن أضيع الناس من أجلي. وهذه رسالة إلى الجميع بأني ليس لدي شيئًا لأخفيه، ولا لدي شيئًا لأخاف منه، وليس لدي ما أخاف عليه غيركم أنتم".

لا يفوت السيسي مناسبة دون اللعب على وتر العاطفة الدينية، ومغازلة مشاعر أصحاب "الإسلام الشعبي"، وتبديد أوهام مؤيدي السلطة من العلمانيين. فالرجل، الذي يعتبره العلمانيون منقذًا لهوية مصر العلمانية من براثن جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تسعى لتحويلها إلى إمارة إسلامية، يرى أن الحكم منحة إلهية، وليس صناديق اقتراع وحرية اختيار، ويرى أن الحكم لا ينزع إلا بأمر الله.

اقرأ/ي أيضًا: 

الإعدام سجنًا في مصر..ما خفي كان أعظم

سجن العقرب..ماذا يحدث في جوانتانامو مصر؟