28-نوفمبر-2018

تعد السيارات المفخخة واحدة من الأسلحة الأكثر استهدافًا للمدنيين (Getty)

السيارات المفخخة هي واحدة من الأسلحة المرعبة شائعة الاستخدام اليوم لدى المجموعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وكثيرًا ما تحصد حياة المدنيين الأبرياء، إذ سُجّل، فقط ما بين عامي 2011- 2016، مقتل وإصابة أكثر من 21 ألف شخص جراء تفجيرات انتحارية بسيارات مفخخة، %73 منهم من المدنيين.

يُعتقد أن أول سيارة مفخخة هي التي استخدمت لمحاولة اغتيال السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في عام 1905 في إسطنبول، من قبل الانفصاليين الأرمن

يمكن النظر في تاريخ استعمال السيارات المفخخة على أنها منحدرة من السفن المحملة بالمواد القابلة للاشتعال أو الانفجار، والتي كانت تستخدمها بعض الجيوش التاريخية للفتك بأعدائها من السفن الأخرى، كما فعلت القوات الهولندية المحاصرة في أنتويرب ضد الإسبان المحاصرين، في القرن السادس عشر. على الرغم من بدائية تلك الطريقة، إلا أن لها نفس المبدأ الأساسي لمفهوم السيارة المفخخة.

وفي القرن التاسع عشر، استخدمت كذلك القنابل المزروعة في عربات الخيول في مؤامرات الاغتيال، مثل محاولة "الخيل المفخخ" غير الناجحة لقتل نابليون عام 1800.

اقرأ/ي أيضًا: هل تتحول داعش إلى نسخةٍ أخرى من القاعدة؟

ويُعتقد أن أول سيارة مفخخة هي التي استخدمت لمحاولة اغتيال السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في عام 1905 في إسطنبول، من قبل الانفصاليين الأرمن. واستخدم أيضًا الجيش الجمهوري الإيرلندي هذا التكتيك ضمن عملياته، من خلال تفجير السيارات المفخخة غير الآهلة في المباني والفضاءات العامة، لإجبار الحكومة البريطانية على منحهم الاستقلال، في الفترة ما بين (1914-1921).

ولعل أول تفجير انتحاري تم بسيارة مفخخة، كان هجوم مدرسة باث سنة 1927، الذي قُتل فيه 45 شخصًا، بينهم الانتحاري المنفذ للهجوم، وتم تفجير نصف المدرسة، في ولاية ميشيغان الأمريكية.

ومع بداية الثلاثينات من القرن الماضي، دخل لأول مرة سلاح السيارات المفخخة منطقة الشرق الأوسط، عندما وظفته العصابات الصهيونية وكذلك المقاومة الفلسطينية، سواء في الصراع بينهما أو ضد الانتداب البريطاني. ومنذ ذلك الحين بات هذا التكتيك علامة أصلية مميزة لحروب الشرق الأوسط.

في الحرب الأهلية اللبنانية، تم تفجير ما يقدر بـ 3641 سيارة مفخخة، واستخدمته آنذاك الجماعات المتصارعة بكثرة. وكان تفجير ثكنات بيروت عام 1983، أضخم تفجير انتحاري لوحظ، حيث قتل هجومان متزامنان 241 من مشاة البحرية الأمريكية و58 من العسكريين الفرنسيين، عندما هاجمت شاحنتان ملغومتان مقرات لقوات حفظ السلام متعددة الجنسيات في لبنان (MNF).

بعد ذلك، سرعان ما أصبحت السيارات المفخخة السلاح المفضل لدى الجماعات الأصولية الدينية بمختلف أشكالها وأنواعها ومناطق نشاطها في أنحاء العالم، حيث استخدمته في الجزائر والعراق وأفغانستان وباكستان والهند والعديد من البلدان الأخرى، بالإضافة إلى توظيفها هذا السلاح في الاعتداء على الهجوم الأجنبية، التي كان أبرزها تفجيرات القاعدة لسفارة الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، والتي أودت بحياة حوالي 200 شخص معظمهم من السكان المحليين.

لكن العراق، بالتحديد، صار اسمه مرادفًا لتفجيرات السيارات المفخخة على وسائل الإعلام الدولية والعربية، وذلك منذ 2003، ولا يزال هذا البلد إلى اليوم بؤرةً لهذا التكتيك، في عجز تام للحكومة العراقية على السيطرة على الوضع. وخلال الست سنوات الأخيرة، كان حوالي %40 من الضحايا والإصابات المدنية المسجلة عالميًا جراء تفجيرات السيارات المفخخة، قد وقع في العراق، بينما وقعت نسبة %21 في سوريا.

ويعد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الأسوأ سمعة في استخدام هذا السلاح على نطاق واسع، إذ نفّذ، فقط خلال 2016 وحدها، قرابة 815 هجومًا بالسيارة المفخخة، مخصصًا كتائب انتحارية خاصة بهذه المَهمَّة.

وتلجأ التنظيمات الإرهابية مؤخرًا لهذا التكتيك، نظرًا لكونه يناسب حروب العصابات، التي تعتمد بطبيعتها على الغدر واللامبالاة بالمدنيين. لكنه أيضًا سلاح استراتيجي، تسعى من خلاله الجماعات الأصولية الدينية إلى زرع الرعب في نفوس الناس وإرباك الحكومة المركزية، مما يشيع قدرًا كبيرًا من الخراب والفوضى ويقوض قدرة الحكومة على التعامل مع الأوضاع بفعالية. وهذا ما تعاني منه عدة دول مثل العراق إلى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا يؤدي قتل قادة الإرهابيين إلى القضاء على منظماتهم؟

بالرغم من أن تكتيك السيارات المفخخة بات اليوم مقتصرًا تقريبًا على الجماعات الأصولية وحدها، إلا أنه عُرف أيضًا ياستخدامه فيما مضى عند بعض الميليشيات السياسية المتمردة بالإضافة إلى حركات المقاومة، كالشأن مع مجموعة إيتا الانفصالية من إقليم الباسك، التي نفذت عملية تفجير سيارة مفخخة ضخمة خارج ثكنة تابعة للحرس المدني شبه العسكري، سنة 2009 في مدينة بورغوس بشمال إسبانيا، وبأعجوبة لم يُقتل أحد، وما هذه إلا إحدة مئات العمليات التي اشتهر بها التنظيم الباسكي خلال أكثر من 3 عقود.

يمكن النظر في تاريخ استعمال السيارات المفخخة على أنها منحدرة من السفن المحملة بالمواد القابلة للاشتعال أو الانفجار، والتي كانت تستخدمها بعض الجيوش التاريخية

وكذلك فإن المافيا كانت تلجأ إلى هذا الأسلوب، ففي عام 1992 فجّرت مافيا صقلية/كوزا نوسترا سيارة مفخخة بمحاذاة مبنى، كان القاضي الإيطالي المعروف باولو بورسيلينو يهم بدخوله، مما أدى إلى مقتله مع حراسه وعشرات المدنيين. وعندما أبرمت الحكومة الكولومبية اتفاقًا مع الولايات المتحدة الأمريكية لتسليم كبار مجرمي المخدرات، قام إمبراطور عصابات المخدرات بابلو إسكوبار بشن هجمة معروفة بواسطة السيارات المفخخة ضد المدنيين للانتقام من الحكومة، مما خلّف مقتل مئات الأبرياء من السكان، وكان إسكوبار قد لجأ لتطوير هذا التكتيك إلى خبراء من منظمة إيتا مقابل دعم مالي قدمه للمنظمة.

مع ذلك، فإلى اليوم يُستخدم أسلوب تفخيخ السيارات في عمليات الاغتيال للناشطين والصحفيين، كما حدث العام الماضي مع الصحافية المالطية، كاروانا غاليزيا، التي تم دس قنبلة تحت مقعد سيارتها، وهي صحافية معروفة بتحقيقاتها الجريئة ضد الفساد. وهو ما قامت إسرائيل بالعمل عليه لاغتيال عشرات المناضلين الفلسطينيين أيضًا، ربما يكون أشهرهم الاديب الفلسطيني غسان كنفاني وابنة خته الطفلة لميس، كذلك عديد من نشاطء انتفاضة الأقصى من أبناء الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقابر اليمن.. خفف الوطء

حين أصبح أطفال اليمن جنودًا