منذ انبثاق الحراك الأهلي السلمي في السويداء في 17 آب/أغسطس 2023، وهو بمثابة دينامو لكل من عشق العمل السياسي والمدني، ولا نغفل أنه كان أيضًا بمثابة العمل بمعناه الحرفي للبعض -ولسنا بصدد الخوض في هذا البعض - لكن هو جزء موجود، وكان المحرك الأول للتجاذبات ورمي التهم والنقطة الفاعلة التي ارتكز عليها النظام البائد لشق صف الحراك في تلك الأيام.
بدأ الحِراك يفرز تيارات سياسية منها القديم، ومنها الذي نبت داخل الحراك، ومنها الأحزاب الأيديولوجية التي عفا عليها الزمن وتحاول إعادة الحياة لنفسها عبر منفسة الحراك، وأيضًا بدت الساحة المكان الأمثل، بل والأهم والأوسع لمنظمات العمل المدني والفرق المستحدثة للخوض في غمار البناء.
وهنا نقطة أولى للارتكاز على الوهم. بدأ العمل المدني للمنظمات أولًا يأخذ مكان السلطة المنزوعة القدرة والمهترئة والمنسوفة البنى التحتية، فأصبحت هذه المنظمات تقوم بالمساعدات الإنسانية الطبية والغذائية والتشجير وتمديد الكهرباء للآبار، بل حتى وصيانة هذه الآبار، فكانت نقطة الوهم الأولى: إسقاط النظام تحصيل حاصل دون التفكير بلحظة السقوط الحقيقية؛ طيب حبيبي ماذا بعدها؟
بدأ الحِراك يفرز تيارات سياسية منها القديم، ومنها الذي نبت داخل الحراك، ومنها الأحزاب الأيديولوجية التي أكل عليها الزمن وتحاول إعادة الحياة لها عبر منفسة الحراك
هذا الخطأ الأول لمنظمات المجتمع المدني استلزم ذات الخطأ من المجتمع الأهلي، حيث دمج المصطلحان وأصبحت الفِرق والمجموعات البشرية التي تحاول القيام بعمل ما ضمن المدينة تسمي نفسها "عمل مدني"، وتعتبر أنها تمثل المجموعة التي تعمل معها، وبالتالي مؤسس الفريق أو الجماعة هو بالضرورة يحظى بتمثيل جماعته.
وهم التمثيل الأول
في سياق العمل السياسي، انخرطت الأحزاب والتيارات في التظاهر السلمي والعمل المدني، ونسيت مرغمة، نتيجة الإغراق في تفاصيل اليوميات، سؤالها الأهم ماذا بعد؟وهنا كان دائمًا الجواب تطبيق القرار 2254، لكن دون جواب لآليات التطبيق كيف تكون؟ وماذا لو سقط النظام فجأة؟
لقد غاب دورها التوعوي السياسي، وحتى دورها التعبوي، وأصبح الحزب أو التيار عبارة عن جماعة من الأشخاص يعتبر أمينهم العام أو أمين منظمتهم في المدينة ممثلًا عنهم، وفخامة اسم الحزب أو التيار تخلق النمط الوهمي للتمثيل: "فقد اجتمع ثلاث ممثلين عن ثلاث تيارات في السويداء وأعلن اتحاد الأهداف، وكان مجموع تياراتهم يساوي 22 شخصًا يزيد أو ينقص"، فالوهم بلغ هذا المستوى.
أما عن الأعداد فالواضح أن عدد سكان السويداء المسجل في النفوس داخل المدينة في عام 2014 هو 500 ألف نسمة، أما حقيقة الموجود في السويداء فقد فاق العدد المليون مع وجود وافدين من المناطق التي هدمها النظام البائد، وهنا يأتي السؤال الذي يبنى عليه الوهم الأساسي في التمثيل: كم تيارًا ومنظمة في السويداء تحوي أشخاصًا من أهلنا الوافدين؟
ولم ينته الأمر هنا، فقد ارتبط كل تيار غالبًا بصفحة إعلامية على السوشيال ميديا، بدأت بنقل الأخبار حتى أصبح عدد الإعلاميين في الساحة الذين يصورون الأخبار يساوي تقريبًا ثلث الحضور اليومي، ونسبة قد تتجاوز الخُمس في أيام الجمعة. وبحساب بسيط لعدد الناس الذين يسجلون اللايكات للصفحات إذا قلنا 200 ألف لايك أو 400 ألف لايك وبين التفاعل مع المنشورات، نجد المنشور 2000 لايك أو 3000 لايك. وهنا تتأكد من الوهم حيث إن تمثيل هذه الصفحات للناس أو متابعة الناس لها لا يتجاوز 1 بالمئة مع افتراض أن كل المشتركين هم من المحافظة.
هذا الوهم ازداد بعد سقوط النظام وتضخُّم أعداد الفرق والمنظمات والناشطين في الساحة، وأصبح الرعيل الأول للساحة يشعر أنه يمثل الجميع والسيد للجميع فينبري للحديث باسم الساحة أو باسم السويداء.
ارتبط كل تيار غالبًا بصفحة إعلامية على السوشيال ميديا، بدأت بنقل الأخبار حتى أصبح عدد الإعلاميين في الساحة الذين يصورون الأخبار يساوي تقريبًا ثلث الحضور اليومي
هذا ناهيك عن الفصائل وتعدادها الفعلي، وأنه في الحقيقة حين نقول قائد فصيل فهو يمثل رقمًا وقوة حقيقية فعلية على الأرض.
في ظل هذا الضياع تُحضِّر السويداء لاختيار ممثليها للمؤتمر الوطني المزمع عقده قريبًا. كل هذا في غياب واضح لآليات التمثيل أو آليات اختيار الممثلين، والذي يعود سببه الأول لغياب الآليات الحقيقية للجنة التحضيرية للمؤتمر في دمشق، والتي عُرف منها وبمحض الصدفة السيد محمد قنطار، وأيضًا في ظل اجتماعات كثيرة تعقّد ضمن السويداء للتحضير لانتخاب ممثلين ضمن ذات الوهم الذي يقول إننا نمثل السويداء.
ويبقى السؤال هنا متى وكيف سنعقد مؤتمرا للحوار الوطني؟ إذا اعتبرنا أن السويداء بوضعها مثالًا لباقي المحافظات.