12-أبريل-2018

لعبت الأخبار الكاذبة على السوشيال ميديا دورًا محوريًا في العديد من الأحداث الهامة خلال السنوات الأخيرة (Getty)

استطاعت السوشيال ميديا أن تجعلنا نتجاوز الهيستيريا إلى اختراع الهستيريا، وجعلتنا في زمن الهتاف بالإيحاء والفورات الإلكترونية، والإدمان الرقمي. 

بسبب انتشار الأخبار الكاذبة عليها، باتت السوشيال ميديا مصدرًا لتشويه الوعي الجمعي المؤثر في اختيارات الناس ودوافعهم

لقد جعلت مواقع التواصل الاجتماعي، شبكة الإنترنت مصدر إزعاج من جهة وإلهام من جهة أخرى. فقد مثلت مصدر إزعاج للساسة والمسؤولين في العديد من أنحاء العالم. وللناس أيضًا، الذين مثلت لهم من جهة أخرى مصدر إلهام بالقدرة على الضغط والحشد بشكل من الأشكال.

اقرأ/ي أيضًا: عبث السوشيال ميديا 

لكنها أيضًا من خلال انتشار "الأخبار الكاذبة" عبرها، باتت مصدر تشويه للوعي الجمعي، الذي يؤثر على اختيارات الناس ودوافعهم، حتى أصبحت الحقيقة أكثر نسبية مما كانت عليه، وأصبحت الرواية الصحيحة أحيانًا جزءًا من خدعة ما.

"الأخبار الكاذبة".. كلمة عام 2017

أصبح مصطلح "الأخبار الكاذبة" من أكثر المصطلحات شعبية على الإنترنت، وفقًا لقاموس "كولينز" الذي أعلنها كلمة عام 2017. واتخذ المصطلح شعبيته حين اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أول مؤتمر صحفي له بعد انتخابه في 2016، الصحفيين بـ"نشر الأخبار الكاذبة". حينها منع ترامب بعض الصحفيين من توجيه الأسئلة له في المؤتمر الصحفي، قائلًا لهم: "مؤسساتكم مريعة". وبعد إصرار صحفي "سي إن إن" توجيه سؤال له، صرخ ترامب في وجهه: "أنتم تنشرون الأخبار الكاذبة".

لكن هناك أسبابًا أخرى على أي حال، جعلت الأخبار الكاذبة بطلة العام المنصرم بلا منازع، ذلك أن الدور السياسي الذي لعبته الأخبار الكاذبة من خلال السوشيال ميديا، كان محوريًا، وكبيرًا في العالم كله.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية، لعبت الأخبار الكاذبة على السوشيال ميديا دورًا لا يُستهان به في توجيه التصويت لترامب. وقد بات الأمر اعترافًا رسميًا من مؤسس فيسبوك والرئيس التنفيذي لها، مارك زوكربيرغ، الذي قال أمام لجنة الاستماع في مجلس الشيوخ الأربعاء الماضي: "بات واضحًا أننا لم نفعل ما يلزم من أجل أن نمنع سوء استخدام هذه الأدوات، ولا ما يكفي لمنع نشر الأخبار الكاذبة، والتدخل الأجنبي في الانتخابات، وخطابات الكراهية".

وفيما يبدو اعتراف زوكربيرغ، واعتذاره، محاولة للسيطرة على مشاعر الغضب تجاه شبكته الأكبر والأكثر تأثيرًا في العالم على ما يبدو، فإنه أيضًا اعتراف ضمني بأنه لم يعد ممكنًا بشكل كبير، السيطرة على هذا الطوفان من الكذب والتلاعب بالوعي، والذي من المؤكد أن فيسبوك ساهم فيه.

بدا اعتذار زوكربيرغ أمام الكونغرس، اعترافًا بعدم القدرة على السيطرة على طوفان الكذب والتلاعب الذي ساهم فيسبوك فيه (Getty)
بدا اعتذار زوكربيرغ أمام الكونغرس اعترافًا بتعذر السيطرة على طوفان الكذب والتلاعب الذي ساهم فيسبوك فيه (Getty)

ومن الحقائق المثيرة للاهتمام التي نشرها موقع الإذاعة الوطنية الأمريكية عن الأخبار الكاذبة، أن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي غذت المواقع الإخبارية الكاذبة بشعبيتها، حيت تبين من خلال الدراسات التي أجرتها جامعة نيويورك وجامعة ستانفورد عام 2017، أن أكثر من 40% من الزيارات إلى 65 موقعًا إخباريًا مزيفًا أو من مواقع الأخبار الكاذبة، تأتي من وسائل التواصل الاجتماعية، مقارنة بنحو 10% من الزيارات إلى 690 موقعًا إخباريًا أمريكيًا.

تبين أن أن 40% من زيارات 65 موقعًا إخباريًا كاذبًا، تأتي من السوشيال ميديا، مقابل 10% فقط لـ690 موقعًا إخباريًا مهنيًا

ويشير تحليل بازفيد الأمريكي للمحتوى الإخباري على مواقع التواصل الاجتماعي، أن أكثر 20 قصة إخبارية تفاعلًا، مزيفة، حيث حصلت على نحو ثمانية ملايين تعليق وردود فعل ومشاركة، خاصة خلال الانتخابات الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تؤثر "السوشيال ميديا" على الحقائق؟

وأهم ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد، في السياق الأمريكي، أن روسيا بالفعل تشن حرب معلومات على الولايات المتحدة الأمريكية. وقد كانت أدلة مولرعلى التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، من الأمور الملموسة في هذا الشأن، فاستخدام السوشيال ميديا كتكتيك عسكري، هو جزء مما يسمى بـ"عقيدة غيراسيموف"، نسبة للرئيس الحالي للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، حيث الهدف فيها هو الاضطراب الدائم والفوضى داخل دولة معادية. ويعتبر تحقيق ذلك من خلال عمليات المعلومات بدلًا من المشاركة العسكرية، "طريقة مفضلة للفوز".

ووفقًا لمركز ستارتكوم الإستراتيجي للاتصالات، التابع لحلف الشمال الأطلسي/الناتو، فإن هذا يعتبر تحولًا جوهريا في العقلية الروسية للقتال، التي كانت تفضل الصراع التقليدي.

التلاعب بالعالم من البريكست إلى كاتالونيا

كانت أوجه التشابه بين فوز ترامب المثير، والتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن كليهما وثق لحقبة جديدة وهي "سياسة ما بعد الحقيقة"، القائمة على أساس النداءات العاطفية والتنميطات الشعبوية والتعبة الغوغائية، بدلًا من السياسات الواقعية والحقائق.

قدمت الصحافة الداعمة للبريكست أنموذجًا للتلاعب بوعي الجمهور بالأخبار الكاذبة من خلال السوشيال ميديا، إذ كانت إحد ملصقاتها تشير إلى: "تركيا بلد يضم 76 مليون مسلم، سينضمون للاتحاد الأوروبي"، في إشارة لكونه شعبًا صاحب أغلبية دينية مغايرة لما يُسمى بـ"الثقافة الأوروبية".

استخدمت الأخبار الكاذبة في دعم ترامب للفوز بالانتخابات، كما استخدمت في دعم التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانفصال كتالونيا عن إسبانيا. كما قدمت تلك الصحافة دعمًا لا يقدر بثمن لعدد من الروايات السلبية حول الهجرة، بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، التي أشارت إلى الادعاء الزائف الذي رٌوّج له، بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيوفر مبلغًا قدره 350 مليون جنيه إسترليني في الأسبوع لدائرة لصحة الوطنية، كان يدفع كمساهمة من بريطانيا لخزائن الاتحاد الأوروبي. وهو قطعًا ادعاء لا أساس له من الصحة.

أما في استفتاء كتالونيا، فقد تم رصد العديد من الأخبار والصور الكاذبة، حول العنف الذي قوبل به الاستفتاء من قبل الشرطة، رصدتها صحيفة إلموندو الإسبانية، حيث تم تداول صور غير حقيقية على تويتر من بينها صورة لأحد الأطفال وفي رأسه جرح كبير. تبيّن أن الصورة تعود إلى عام 2012، أي قبل خمس سنوات على الاستفتاء، في أحداث أخرى.

قد لا يتسع المجال لسرد كل القصص والأخبار الكاذبة حول الأحداث الهامة في العالم، فلم يعد الأمر حكرًا على منطقة جغرافية. ويبدو أن ثمة مشكلة في الإجراءات القانونية غير الفعالة، في ظل تسرب بيانات العملاء على فيسبوك، ومحاولات العبث الدائم بدوافع الجمهور وبيع الخوف لهم واستغلال عواطفهم. 

وفي نفس الوقت، يُخشى من أن تشديد الإجراءات القانونية قد يؤثر على الحريات المدنية. وعلى ما يبدو فإنها مشكلة في جوهر مفاهيم العصر عن الحرية والديمقراطية. يقول في هذا الصدد المفكر الفرنسي تزفيتان تودوروف، في كتابه "أعداء الديمقراطية الحميمون"، إن "الديمقراطية مريضة بغلوها، إذ صارت الحرية فيها استبدادًا، وتحول الشعب إلى كتلة معرضة للتلاعب". 

استخدمت الأخبار الكاذبة في دعم ترامب في الانتخابات كما استخدمت في دعم التصويت لصالح البريكست، وكذا مع انفصال كتالونيا عن إسبانيا

كما من المفيد التنبه لما يضيفه تودوروف في هذا الصدد "كيف يمكننا باسم حرية الشعب ذاته وباسم التقدم، تحريف فكرة الديمقراطية وإفراغها من محتواها؟ إن الخطر السياسي كبير ويمكن أن يقودنا إلى العيش في عالم تهمين عليه المطالب الاقتصادية المحضة، وأهواء اللحظة المهيجة والمتلاعب بها من طرف الأدوات الإلكترونية تلك، والتي لم نتعلم السيطرة عليها بعد".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الدكتاتور المجنون.. مارك زوكربيرغ

الشرير الأزرق.. كيف يستخدمنا فيسبوك كسلع للبيع والشراء؟