14-يناير-2025
اللاجئون السوريون في مصر

(Getty) ترك السوريون في مصر بصمات اقتصادية وثقافية واضحة

مع تدفق السوريين إلى مصر إثر اندلاع الثورة السورية وما تبعها عام 2011، أصبحت البلاد واحدة من أبرز الوجهات المفضلة للسوريين الباحثين عن الأمان والاستقرار بعيدًا عن العنصرية.

وشكلت المحافظات المصرية، مثل القاهرة والإسكندرية ودمياط والغردقة، حاضنة شعبية كبيرة لهم. وقد استطاع السوريون أن ينسجوا في هذه المحافظات حياة جديدة، وأن يتركوا بصمات واضحة في جميع المجالات، سواء اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. ويبلغ عدد السوريين في مصر، بحسب الإحصائيات الرسمية، حوالي مليوني سوري. 

 

القاهرة.. العاصمة الجاذبة والنابضة بالتنوع

تعد القاهرة قلب مصر الحضاري والاقتصادي، وكانت الوجهة الأكثر جذبًا للسوريين لما تتميز به من تنوع ثقافي واجتماعي، مما جعلها مكانًا يشعر فيه الجميع بالانتماء، و"يدوب فيها الغريب" كما يقول أهلها.

استطاع السوريون في مصر نسج حياة جديدة، وترك بصمات واضحة في مجالات مختلفة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية

استقر عدد كبير من السوريين في مدن السادس من أكتوبر، والرحاب، والعاشر من رمضان، والمعادي، ومدينة نصر؛ حيث أسسوا مشاريع ناجحة كان أبرزها المطاعم التي استطاعوا عبرها نقل ثقافتهم المختلفة بالطعام، والتي تقبلها المصريون وساعدوا في انتشارها.

وعلى امتداد شارع عباس العقاد في القاهرة، الذي يعد مقصدًا للفتيات اللاتي يتجهزن للزواج، وضع السوريون لمستهم في عالم فساتين الزفاف و"السواريه"، حيث افتتحوا محلات عديدة ووفروا فرص عمل.

تعتبر صناعة المنسوجات والملابس من أهم الصناعات التي أقاموها في مصر، بحسب تجمع رجال الأعمال السوريين، حيث وصل عدد المصانع إلى حوالي 7000 مصنع، ينتج نحو 120 مليون قطعة شهريًا، تساعد في سد احتياجات السوق.

وفي شارع الأزهر التابع لمنطقة العتبة، السوق الشعبي الأشهر في القاهرة، والذي تقصده العرائس من كل المحافظات في فترة التجهيز للزواج، كان للسوريين فيه نصيب من النجاح، حيث افتتحوا محال متنوعة سواء للمفروشات اليدوية والقطنيات، أو ملابس العرائس المنزلية والعباءات المطرزة "القفاطين".

 

الإسكندرية.. عروس المتوسط ورائحة البلاد

كانت عروس المتوسط ملجأ للسوريين الهاربين من ويلات الحرب، حيث احتضنتهم بهوائها المحمل برائحة البلاد، وطيبة سكانها الذين دعموا السوريين ولم يشعروهم بالغربة.

تتميز مدينة الإسكندرية، التي تعد العاصمة الثانية لمصر بطبيعتها الساحرة، ومناخها المتوسطي المشابه للمناخ السوري، كما تتعدد فيها المهن التي دخلها السوريون. وعلى غرار المناخ المشابه، تتشابه بعض عادات أهل الإسكندرية وكلماتهم مع عادات وكلمات السوريين، مما جعلهم أكثر اندماجًا فيها.

في إطلالة على شاطئ البحر، افتتح السوريون عدة مطاعم شهيرة، لم تكتف شهرتها بحدود الإسكندرية، بل وصلت إلى باقي المحافظات، مما جعلها مقصدًا عند زيارة المدينة، كما كان للمحمصات ومحال الحلويات أيضًا نصيب من هذا النجاح.

إلى جانب ذلك، أضفى السوريون بعدًا جديدًا على سوق العمل في الإسكندرية، كثير منهم اختاروا التعليم الأكاديمي أو التدريب المهني كمجالات للعمل، كما تم تنظيم فعاليات ثقافية وفنية لتعريف سكان الإسكندرية بالثقافة السورية من خلال المعارض والحفلات الموسيقية.

 

دمياط.. السوريون يدخلون عالم تصنيع الأثاث 

دمياط، التي تعرف بأنها عاصمة الأثاث في مصر، وجدت في السوريين شركاء مثاليين لما يمتلكونه من خبرة مشابهة في صناعة المفروشات والخشب، مما دفع العديد من الحرفيين السوريين إلى الاستقرار في دمياط، وشاركوا في تطوير أساليب جديدة في التصميم، مما جذب المزيد من الزبائن.

يتميز الحرفيين في دمياط بصناعة الأثاث الكلاسيك والحفر على الخشب، مما جعل الأثاث الدمياطي يكتسب شهرة واسعة محليًا وإقليميًا، بينما أتقن السوريون الأثاث الحديث "الموديرن"، من ركنات وغرف سفرة ومطابخ.

تنتشر المصانع الكبيرة التي تتزين لافتاتها بأسماء تشير إلى أن أصحابها سوريين، داخل المدينة الصناعية في دمياط، وتورد المصانع للسوق المصري وتصدر للخارج، بالإضافة إلى توفير فرص عمل للعمالة المصرية بنسبة كبيرة.

إضافةً إلى ذلك، شهدت دمياط تزاوجًا بين المهارات المحلية والسورية في صناعة المنتجات اليدوية مثل النسيج والخياطة، كما نجح السوريون في إظهار كفاءتهم في الصناعات الغذائية أيضًا، حيث أصبحت مخابزهم ومطاعمهم الشعبية نقاط جذب للمقيمين والسياح.

 

نجاحات تتخطى حدود المدن

ما يميز تجربة السوريين في هذه المدن هو قدرتهم على الاندماج دون أن يفقدوا هويتهم الثقافية، ولم تقتصر نجاحاتهم على الجانب الاقتصادي، بل امتدت إلى التعليم والعمل الاجتماعي، حيث أسس السوريون مدارس ومراكز تعليمية تدعم الجاليتين المصرية والسورية، مع التركيز على تقديم تعليم نوعي للأطفال والشباب الذين تأثروا باللجوء.

كما شارك السوريون في أنشطة مجتمعية تعزز من التفاهم والتعاون بين الشعبين، على سبيل المثال، لعبت الجمعيات السورية دورًا في تقديم المساعدات الإنسانية، وتنظيم فرص عمل مشتركة لتبادل الخبرات.

رغم النجاحات، لم تكن الحياة خالية من التحديات، حيث واجه السوريون صعوبات قانونية وإدارية تتعلق بتجديد الإقامات وتصاريح العمل. ومع ذلك، تمكن الكثير منهم من تجاوز هذه العقبات بفضل الدعم الشعبي لهم وروحهم القادرة على المثابرة.

اليوم، تعد قصة السوريين في مصر نموذجًا للقدرة على تحويل المحن والظروف الصعبة إلى فرص، من القاهرة إلى الإسكندرية ودمياط وغيرها من المدن، أثبت السوريون أنهم ليسوا فقط لاجئين، بل صناع للتغيير، وتركوا إرثًا وذكريات ستظل محفورة في المدن التي استضافتهم.