25-يوليو-2017

فهد الحلبي/ سوريا- الجولان المحتل

حتى اللحظة يخرج السوري من بلاده بحثًا عن أمانه الذي يشتهي، ونجاته التي يريدها من موت وجوع وخوف، وخلال السنوات السبع العجاف لم يترك السوريون بابًا في البر والبحر والسماء إلا وطرقوه كي يصلوا بأرواحهم إلى بر الأمان.

لم يترك السوريون بابًا في البر والبحر والسماء إلا وطرقوه كي يصلوا بأرواحهم إلى بر الأمان

بالأمس كانت المرأة التي ترتدي السواد تسأل بفجائعية: هل سنعود؟ وتروي بإسهاب كيف أن زوجها المعارض النظيف الذي ما زال يغسل علم الثورة يحكي لابنه عن بيته الذي تركه في قريته منذ 2013 وأنهم سيعودون إليه... قالت بهمس: يريد أن يبقى في ذاكرة وسام صورة البيت والوطن.

اقرأ/ي أيضًا: وطن أقلّ

تكمل المرأة نشيجها بعد قليل عن أولادها الذين سافروا بجوازات مزورة إلى أوروبا، وبناتها اللواتي يسكن وحيدات في السويد... تستدرك: مع ذلك هنّ آمنات ويدرسن، وأن ابنها يصرّ على أن يستكمل وسام دراسته في أوروبا، فالتعليم سيئ في العالم العربي، وهذا ما لا يريده الأب المسكون بالعودة.

يتداخل الحوار مع وجهة نظر جديدة بدأت تجتاح السوريين الراغبين بالهجرة... ثمة عالم لا كما تتصورون، وأوروبا النعيم المقصود ليست سوى غربة دون عودة، وضياع وسط عالم يكرهكم ويرفضكم، وتبدأ فصول جديدة من الحكايات عن طلاق المهاجرين، والأولاد الذين لن يعودوا إلى أوطانهم، والفتيات اللواتي يعشن علاقات غرامية مفتوحة، والأب الذي سجنه البوليس لأنه ضرب ابنه في الشارع، والتبشير بالمسيحية الذي يدخل بيوت المهاجرين تحت مسميات الإرهاب الإسلامي، والحياة دون حنين.

تقطع الجدل السوري صوت امرأة في أواسط الثلاثينات ستعود إلى دمشق بعد أيام... يسود صمت مشحون بالدمع، وفجأة يعلو الحنين إلى حد السؤال عن بسكويت الشام وبوظتها، وجدرانها، والشوارع والجيران، والمطار، والحواجز، والخوف من المجهول الذي صار وطنًا.

أوروبا النعيم المقصود ليست سوى غربة دون عودة، وضياع وسط عالم يكرهكم ويرفضكم

الثلاثيينية العائدة إلى بيتها قريبًا ينتابها الذعر أيضًا، وحكايات الغربة التي سمعتها لم تجعل منها ذات المرأة التي تملك وطنًا تركته منذ شهر لزيارة أمها في المنفى الجديد، أحست هي أيضًا بأنها تعود بلا أهل... هي أيضًا غريبة عن شامها وياسمينها الذي كانت تفاخر بشمه صباح مساء في تلك المساحة التي بقيت آمنة من العاصمة.

اقرأ/ي أيضًا: الرقة.. عزف منفرد للموتى والهاربين

ستحمل معها حكايات الغرباء السوريين، وحكايات أبنائهم ودموعهم وآمالهم، وبعد أن بكت النسوة دون استثناء وطنًا صار حكايات مختصرة متنافرة عن الوجع والألم والأمل كان لا بد من لحظة يتوقف فيها هذا النشيج... أخرجت امرأة ما ادخرته من نقود وسلمته للعائدة إلى دمشق، وأخرى تركت لها كيسًا من الألبسة، وأخرى بعض الهدايا الصغيرة لأطفال أخيها الذي ما زال يعيش في أقدم شوارع دمشق.

زوجة المشحون بالعودة قالت دامعة: أبلغي سلامنا للشام... كأنها لن تعود، وكأنها أفرجت عن كل ما تريد وما تملك، ومن ثم تبادلن مع العائدة قبلات الوداع كأنهن يقبلن فيها ساحة الأمويين وحي البرامكة وسوق الحميدية... وهي ضمتهن كما لو أنها تضم ما فقدت من مدينة لم تعد كما كانت بأهلها وأمانها وحيطانها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اقتل سوريًا... أسبوع الكراهية

لعنة السوري