18-يناير-2025
سوريا

(DPA) سوريون يحتفلون بسقوط نظام الأسد في ألمانيا

قبل عدة أسابيع، وصل نائل وزوجته عبير إلى باريس قادمًا من إسطنبول بعد حصولهم على تأشيرة فرنسية طويلة الأمد (VISA D)، تخولهم تقديم طلب لجوء لدى محكمة اللجوء في فرنسا "أوفبرا". لكن نائل وزوجته لا يعرفون ما الذي ينتظرهم الآن، فعلى الرغم من حصولهم على موافقة التأشيرة قبل شهرين، إلا أن الحال تغير، وهم من المطلوبين للنظام السابق في سوريا، ومع سقوط النظام، باتت قصتهم لا تتعلق بمخاطر على الحياة من الملاحقات الأمنية في سوريا، إنما أصبحت اقتصادية بحتة. 

تقول عبير، زوجة نائل، لـ"الترا صوت": "لا نعرف حقيقةً ما الذي ينتظرنا، لا نستطيع اليوم العودة إلى سوريا بشكل فوري، فلا مكان نسكن فيه ولا عمل، يمكننا العودة بعد سنة أو سنتين، لكن لا ندري ماذا نفعل، لقد سمعنا أنهم جمدوا ملفات اللجوء حاليًا ولا نعرف ماذا ينتظرنا".

إضافةً إلى هذه الحالات، هناك مئات العائلات التي وصلت إلى أوروبا خلال النصف الثاني من العام 2024، أي قبل سقوط النظام، وينتظرون مقابلة اللجوء الأولى التي لا تبدو أنها ستكون ميسرة، إذ إن الكثير من دول الاتحاد الأوروبي أوصدت أبوابها أمام طلبات لجوء السوريين.

تبدو أوضاع السوريين المجنسين أو الحاصلين على إقامات طويلة الأمد مستقرة، لكن المعضلة هي أمام آلاف السوريين في أوروبا ممن ينتظرون نتيجة طلبات لجوئهم

ومن بين هذه الدولة هولندا التي تخطط لإعادة السوريين قسريًا على المدى الطويل، حيث أعلنت وزارة الهجرة واللجوء الهولندية عن نيتها إعادة تقييم وضع اللاجئين السوريين المقيمين في البلاد، بهدف تمهيد الطريق لإعادتهم إلى سوريا عندما تسمح الظروف بذلك، وعلى رأسها اعتبار سوريا أو أجزاء منها آمنة وفقًا لتقارير وزارة الخارجية الهولندية، والتوصل إلى اتفاقات مع السلطات المسيطرة في سوريا لضمان قبول العائدين.

أما ألمانيا، فأعلنت إيقاف جميع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين حتى إشعار آخر وفق المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، حيث تم تقديم 72.420 طلب لجوء بحلول نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ولم يتم البت في نحو 47.270 طلب لجوء.

وقالت فرنسا إنها علقت 700 طلب لجوء من سوريين قيد التحقيق بحسب وزير الخارجية جان نويل بارو، في انتظار تقييم وزارات الدولة والاتحاد الأوروبي للوضع في سوريا.

 

الواصلون حديثًا وطالبو اللجوء

وفيما تبدو أوضاع المجنسين أو الحاصلين على إقامات طويلة الأمد أكثر استقرارًا، لكن المعضلة هي أمام آلاف السوريين في أوروبا ممن ينتظرون نتيجة طلبات لجوئهم، أو الذين ما زالوا ينتظرون إجراء المقابلة أو الواصلين حديثًا.

يقول المحامي المختص بالقانون الدولي معتصم كيلاني: "إن سقوط النظام السوري قد يؤدي إلى إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا من قبل الدول الأوروبية، مما قد يؤثر على كيفية معالجة طلبات اللجوء الجديدة، فالدول الأوروبية، بما فيها فرنسا، تعتمد على تقارير أممية ومراجعات دورية لتحديد ما إذا كانت دولة معينة تُعتبر آمنة لعودة طالبي اللجوء. وإذا تم اعتبار سوريا آمنة، فمن المرجح أن يتم تقييد قبول طلبات اللجوء الجديدة، خاصةً إذا كانت أسباب اللجوء ترتبط حصرًا بالخوف من النظام".

ويضيف كيلاني في حديثه لـ"الترا صوت" أن الأشخاص الذين ما زالوا في مراحل مقابلات اللجوء، ويستندون في ملفهم إلى الخوف من النظام كسبب للجوء، قد يواجهون تحديات قانونية، لكن القوانين الدولية تضمن حق الشخص في عدم الترحيل إلى بلد لا يزال يواجه فيه خطر العنف، حتى لو كان النظام السابق قد انتهى.

 

مختصة بقضايا الهجرة والعمل الإنساني: قرار التجميد ليس سلبيًا حتمًا، فمن الممكن أن يصب في مصلحة طالبي اللجوء

 

أما فيما يتعلق بالسوريين القادمين حديثًا إلى فرنسا، فسيواجهون صعوبات في إثبات حاجتهم للحماية بعد سقوط النظام، كما يشرح كيلاني، مضيفًا أنه قد يتم منحهم خيارات أخرى، مثل الإقامة الإنسانية المؤقتة، بناءً على الوضع الإنساني أو الصعوبات الاقتصادية في سوريا، فالترحيل الإجباري أمر معقد قانونيًا في أوروبا، بما في ذلك فرنسا. ولا يمكن للدول الأوروبية إعادة أي شخص قسرًا إذا كان يواجه خطر التعذيب أو سوء المعاملة، حتى في غياب نظام قمعي.

وفي هذا الإطار، تقول المختصة بقضايا الهجرة والعمل الإنساني نور فاضل، إنه يمكن للواصل حديثًا الى أوروبا بشكل عام وفرنسا تحديدًا طلب اللجوء، فمن غير القانوني منع أي شخص متواجد على الأراضي الأوربية أو الفرنسية من طلب اللجوء، لكن مكتب اللجوء "أوفبرا" أوقف البت بطلبات اللجوء، أي إنه لن يصدر قرارات حماية لمدة ستة أشهر قادمة. وأشارت في حديثها لـ"الترا صوت" أن قرار التجميد ليس سلبيًا حتمًا، فمن الممكن أن يصب في مصلحة طالبي اللجوء، لأنه من الممكن أن يتغير الوضع بأي لحظة، ويتم حماية الجميع على حسب تطور الأوضاع في سوريا.

حلول ممكنة

توقف استلام طلبات اللجوء من السوريين في أوروبا قد يضعهم في فترة ضياع، خاصةً من يرفض طلبه ولا يمنح حتى إقامة مؤقتة أو إنسانية قصيرة، ريثما يرتب أمور عودته، وهذا يضعهم أمام طرق أخرى للإقامة، حيث يرى "كيلاني" أن برامج الهجرة الاقتصادية أو الدراسة يمكن أن تمثل طريقًا جديدًا فيما لو توقفت طلبات اللجوء الجديدة، مضيفًا أنه يمكن للشخص الذي رفض طلب لجوئه في فرنسا الانتقال إلى دول أخرى لتقديم طلب لجوء، لكنه في الوقت ذاته، يرى صعوبة هذا الخيار بسبب نظام "دبلن" الذي يحدد أول دولة تم الدخول إليها كمسؤولة عن دراسة الطلب.

 

أما نور فاضل فتضيف خيارات أخرى غير طلب اللجوء، كـ"إقامة العمل" وخاصة في المهن المصنفة بحاجة ماسة لأيدي عاملة، أو "إقامة صحية" رغم الشروط التي تصاحب طلبات الحصول عليها، مشيرة إلى أن يوجد منظمات عديدة كمنظمة «LA CIMADE» تساعد في هذه الطلبات.

أصحاب الإقامات والحماية

ورغم أن سقوط النظام قد يؤدي إلى تغيير في أسباب اللجوء التي يستند إليها السوريون، إلا أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الأوروبية لا تسمح بإعادة أي شخص إلى منطقة غير آمنة. ومع ذلك، قد تُشدد الدول مثل فرنسا سياساتها تجاه طلبات اللجوء الجديدة، ما يجعل الخيارات أمام السوريين محدودة ومليئة بالتحديات، حيث يتم النظر حاليًا بحوالي 100 ألف طلب للحصول على الحماية الدولية من السوريين في الاتحاد الأوروبي بدوله الـ 27، وفقًا لوكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي (EUAA).

ورغم الجدل الكبير في أوروبا حول هذه القضية الذي تراه فاضل بأنه جدل سياسي لكسب الأصوات في الانتخابات، فإن الكثير من السوريين في أوروبا، رغم حصولهم على جنسية بلد أوروبي، يقولون إن العودة لسوريا ربما تكون حاضرة في المستقبل خلال سنة أو سنتين، وفقًا لمحمد العلي، وهو سوري حاصل على جنسية فرنسية، حيث التقته "الترا صوت" خلال إحدى الفعاليات السورية في باريس.

أما اللاجئين السوريين الذين حصلوا على الحماية الإنسانية أو صفة لاجئ، ففي حال اعتُبرت سوريا آمنة تمامًا، قد تبدأ بعض الدول الأوروبية في مراجعة الإقامات الحالية، وإعادة مقابلة كل شخص من جديد، وهذا يستبعده كثير من الخبراء في قضايا اللجوء، الذين يرون أن إعادة التقييم إذا حصلت فلن تكون قبل أشهر عديدة أو سنوات.