السودان.. مكاسب ميدانية للجيش وسط تفاقم الأزمة الإنسانية
20 مايو 2025
تمكّن الجيش السوداني صباح اليوم الثلاثاء، من تحقيق تقدمٍ حاسم في منطقة الصالحة جنوبي أم درمان في ولاية الخرطوم، وذلك بعد مواجهات عنيفة مع قوات الدعم السريع، التي تعدّ منطقة الصالحة آخر معقلٍ لها في العاصمة الخرطوم.
وتشهد منطقة الصالحة تدهورًا شديدًا في الأوضاع الإنسانية والأمنية جرّاء عمليات القتل والنهب والاعتقال التي تُتّهم قوات الدعم السريع بتنفيذها. وبات وباء الكوليرا أكبر تهديدٍ صحي للسكان في المنطقة، حيث يواجه المصابون مشكلة في الذهاب إلى المستشفى بسبب حصار قوات الدعم السريع للأحياء السكنية وتدهور الوضع الأمني.
في غضون ذلك أجرى مجلس السيادة الانتقالي تعديلًا حكوميًا، تولى بموجبه كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ رئاسة الحكومة السودانية، كما نالت سيدتان، بموجب ذلك التغيير، عضوية مجلس السيادة. يشار إلى أنّ التعديل الحكومي، تضمن قرارًا بإلغاء إشراف أعضاء مجلس السيادة على الوزارات الاتحادية والوحدات.
سيطر الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه على عدة أجزاء من منطقة الصالحة آخر معقل مهم لقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم
اختراقات
سيطر الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه على عدة أجزاء من منطقة الصالحة آخر معقل مهم لقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وشملت الأجزاء التي تمت السيطرة عليها "منطقة ود بكراوي وصالحة صريو وسوق الصالحة الكبير".
وأفادت مصادر عسكرية أنّ قوات الدعم السريع تركت عرباتها القتالية وعتادها الحربي وتراجعت نحو "منطقة جادين" و"قسم الـ50" الذي تتخذه تلك القوات كمعتقل للمدنيين.
وأضافت المصادر السودانية أنّ الجيش تمكّن، أثناء تقدّمه، من تحرير بعض الأسرى من قبضة الدعم السريع، "ممّن كانوا يُستخدَمون كدروع بشرية، خاصة في منطقة صالحة صريو".
ولفتت المصادر العسكرية التي تحدثت لموقع "الترا سودان" إلى أنّ قوات الجيش عملت على "تطويق منطقة الصالحة من عدة محاور، مما أجبر قوات الدعم السريع على التراجع من مناطق كانت تسيطر عليها منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان/إبريل 2023".
وتداولت عناصر من قوات الجيش والقوات الحليفة مقاطع فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر تمكّنهم من السيطرة على مناطق عدة في الصالحة واستحواذهم على أسلحة وعربات قتالية لقوات الدعم السريع.
وبات الجيش السوداني، حسب المتابعين، قريبًا من بسط سيطرته على كامل غرب أم درمان وجنوبها، بما في ذلك طريق الصادرات "أم درمان – بارا" الخاضع لسيطرة قوات الدعم السريع.
وضع إنساني متأزّم
انسحبت قوات الدعم السريع في آذار/مارس الماضي نحو منطقة الصالحة بعد خسارتها معظم مناطق سيطرتها في العاصمة الخرطوم. وتشير المصادر المحلية إلى أن قوات الدعم السريع نفّذت عمليات انتقامية، شملت نهب وتدمير المرافق الصحية، إضافةً إلى ارتكاب جرائم قتل وتعذيب واعتقال، وقد وُثّقت جوانب من ذلك عبر مقاطع مصوّرة.
وبحسب مصدر في غرفة طوارئ الصالحة، فإن "المنطقة تواجه أوضاعًا إنسانية وصحية حرجة بسبب زيادة معدلات الإصابة بمرض الكوليرا بعد توقف جميع المراكز الصحية والصيدليات جراء عمليات النهب التي تمارسها قوات الدعم السريع".
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، أن غرفة طوارئ الصالحة "استطاعت إجلاء أكثر من 600 أسرة قبل تفاقم الأوضاع الأمنية وفرض القيود من قبل الدعم السريع".
وفي حديثه لموقع "الترا سودان"، وصف الوضع الأمني في الصالحة بالخطير، مشيرًا إلى أن العاملين في غرفة الطوارئ يتعرّضون لاستهداف مباشر من قوات الدعم السريع المسيطرة على المنطقة. وحذّر المصدر من وقوع كارثة صحية إذا لم تتدخل القوات المسلحة والمنظمات الإنسانية لإنقاذ المدنيين في الصالحة.
وكانت شبكات الطوارئ الإنسانية في الخرطوم قد أعلنت أن "قرابة 150 شخصًا أُصيبوا بالكوليرا، وتوفي قرابة 25 آخرين خلال الأسبوع الماضي، وسط غيابٍ تامٍّ للرعاية الصحية أو الممرات الآمنة للوصول إلى المستشفيات".
وفي هذا الإطار، نقل موقع "الترا سودان" عن نزار عبد الله، وهو عامل إنساني مطّلع على التطورات الصحية والميدانية في الصالحة بمدينة أم درمان، قوله: "لم يتمكّن المواطنون من الحصول على الماء والملح لصنع محاليل علاج الكوليرا في المنزل، نتيجة اشتداد حصار الدعم السريع ومنع حركة المدنيين، مع إطلاق الرصاص على المارة الذين يخالفون الإجراءات الأمنية".
وأكد عبد الله أن الصالحة "أصبحت بؤرة لوباء الكوليرا، بعد اعتماد السكان على مصادر مياه ملوثة وأغذية غير آمنة، نتيجة الحصار المفروض عليهم وإجبارهم على البقاء داخل المنازل". وأضاف: "كلما تقدّم الجيش نحو الصالحة، زاد حصار الدعم السريع على المواطنين، وكانت النتيجة وفاة 25 شخصًا بالكوليرا خلال أسبوعٍ واحد، وإصابة أكثر من 150 آخرين بالمرض".
ولفت نزار عبد الله إلى أن "جزءًا كبيرًا من قوات الدعم السريع في الصالحة من مقاتلين أجانب قادمين من دول الجوار، مما يزيد من قسوة الانتهاكات بحق المدنيين". وأوضح أن المنطقة تُعتبر آخر معقل لقوات حميدتي في الخرطوم، وخسارتها تعني انتهاء وجودهم في الولاية، وبالتالي يقاتل هؤلاء بدوافعٍ كبيرة.
وحذّر عبد الله من تكرار سيناريو "مجزرة الصالحة" التي أعدم فيها 31 شخصًا الشهر الماضي دون محاكمات، مؤكّدًا أن الوضع الصحي في الصالحة "يتطلب تدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجلاء السكان، الذين يخشون تكرار الإعدامات الجماعية التي راح ضحيتها 31 شخصًا الشهر الماضي، في ما عُرف باسم مجزرة الصالحة، والتي قوبلت بإدانات محلية ودولية".
عيّن مجلس السيادة الانتقالي رئيسًا جديدًا للحكومة، هو كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ، كما أدخل المجلس شخصيتين نسائيتين إلى عضويته، هما سلمى عبدالجبار المبارك ونوارة محمد طاهر
ويقطن بمنطقة الصالحة آلاف المدنيين الذين يعانون من أوضاع إنسانية صعبة، جرّاء "توقف سلاسل الإمداد الغذائي والوقود، وتوقف مصادر آمنة لمياه الشرب".
التغيير الحكومي
عيّن مجلس السيادة الانتقالي رئيسًا جديدًا للحكومة، هو كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ، كما أدخل المجلس شخصيتين نسائيتين إلى عضويته، هما سلمى عبدالجبار المبارك ونوارة محمد طاهر، ليمثلن إقليم الوسط وإقليم الشرق، حيث تنحدر سلمى من ولاية الجزيرة، ونوارة من "بافلي" شرق السودان.
أما رئيس الحكومة الجديد كامل إدريس فينحدر من قرية الزورات بشمال دنقلا، ويُحسب على المستقلّين، سبق له أن تولى منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ورئاسة الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة، إلى جانب عضويته في لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة.
وقد ترشح إدريس عام 2010 للانتخابات الرئاسية أمام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، وكان اسم إدريس مطروحًا لتولي رئاسة الحكومة 2019 قبل أن يقع الاختيار على عبد الله حمدوك، مرشح قوى إعلان الحرية والتغيير.
ومن المنتظر أن تشهد الأيام القليلة القادمة تغييرات شاملة في الحكومة السودانية، بهدف إعطاء زخم جديد للعمل الحكومي، وإحداث اختراق في العملية السياسية الداخلية والملفات الإقليمية والدولية للسودان.