السودان.. مآسي النزوح والعنف الجنسي الممنهج
28 مايو 2025
باتت أزمة النزوح في السودان هي الأكبر من نوعها في العالم حسب الأمم المتحدة؛ إذ أُجبر14.5 مليون شخص على الفرار من مساكنهم، ولم يتمكن سوى حوالي 4 ملايين لاجئ من الوصول إلى دول مجاورة بينها مصر وجنوب السودان وتشاد وإثيوبيا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، أما الغالبية فبقيت في حالة نزوح داخلي في السودان.
وقد أثّر هذا النزوح الجماعي المكثف، بشكلٍ قوي في انهيار الأوضاع الصحية في السودان، فبالإضافة إلى تأثيرات العمليات القتالية واستهداف المنشآت الطبية وتوقف المساعدات تقريبًا عن الوصول للمستشفيات، فاقم النزوح الجماعي للسودانيين إلى مناطق بعينها من مأساة القطاع الصحي في البلاد.
ونتيجة لذلك لم تعد البنية الصحية في السودان قادرة على الاستجابة للكوليرا والحصبة وسوء التغذية، حسب منظمة الصحة العالمية.
في غضون ذلك كشف تقريرٌ جديد لمنظمة أطبّاء بلا حدود عن تعرض عشرات النسوة والفتيات لعنفٍ جنسي ممنهج وواسع النطاق في إقليم دارفور.
دعا رئيس الحكومة السودانية الجديد كامل إدريس منظمة الصحة العالمية إلى مساعدة السودان لمكافحة الكوليرا.
انهيار الوضع الصحي:
أفادت منظمة الصحة العالمية، في أحدث تقاريرها، بتسجيل "ما يقرب من 60 ألف حالة إصابة بالكوليرا في السودان، ووفاة أكثر من 1640 حالة جرّاء الوباء". كما أضافت المنظمة العالمية أنّ "الملاريا والتهابات الجهاز التنفسي الحادة وسوء التغذية والإسهال المائي الحاد لا تزال أكثر الحالات الصحية شيوعًا، في ظل ورود تقارير مستمرة عن حالات اشتباه بالحصبة والتهاب الكبد الوبائي والدفتيريا".
ولفتت المنظمة إلى أنّ هذه الأوبئة والأمراض، تلاحق النازحين السودانيين في البلدان المجاورة، لا سيما تشاد وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وأشار تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ جهودها للاستجابة لهذا الوضع الصحي المتأزّم تواجه عدة تحديات، بينها "فجوة التمويل المتفاقمة مؤخرا، والتي تُجبر العديد من الشركاء على إيقاف عملياتهم". كما أنّ الأعمال العدائية المستمرة، بما في ذلك الهجمات على المرافق الصحية، "تُهدد الأمن على الأرض، مما يتسبب في مزيد من النزوح ويزيد من التحديات في الاستجابة للاحتياجات، والسيطرة على الأمراض المعدية، وإيصال الإمدادات الطبية الأساسية وغيرها من المساعدات الإنسانية".
يضاف إلى ذلك "وجود نقص في وظائف الإنذار المبكر والتنبيه والاستجابة في السودان والدول المضيفة للاجئين، مما يُعيق رصد انتقال الأمراض داخليا وعبر الحدود، والقدرة على اتخاذ قرارات تشغيلية تستند إلى الأدلة، هذا فضلًا عن تسجيل نقص في الكوادر الطبية ووصول محدود للمياه ومستلزمات النظافة" حسب تقرير منظمة الصحة العالمية.
وكان رئيس الحكومة السودانية الجديد كامل إدريس قد دعا منظمة الصحة العالمية أمس الثلاثاء، إلى مساعدة السودان لمكافحة الكوليرا.
عنف جنسي ممنهج وواسع النطاق:
نشرت منظمة أطباء بلا حدود تقريرًا جديدًا وثّقت فيه تصاعد العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في إقليم دارفور غربي السودان. وعرضت المنظمة، في تقريرها، شهادات مروعة لناجيات وشهود عيان على عمليات اغتصاب واسعة النطاق في الإقليم الذي يشهد واحدًا من أكثر الفصول دموية وعنفًا في تاريخه.
ويفيد تقرير منظمة أطباء بلا حدود بتعرض النساء والفتيات للعنف والاغتصاب في الشوارع وأمام الملأ. وفي هذا الصدد تقول منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، كلير سان فيليبو: "هذه الهجمات شنيعة وقاسية، وغالبًا ما يشارك فيها العديد من الجناة"، مضيفة القول: "لا تشعر النساء والفتيات بالأمان في أي مكان. يتعرضن للهجوم في منازلهن، أو أثناء فرارهن من العنف، أو أثناء جمع الطعام، أو أثناء العمل في الحقول. يُخبرننا أنهن يشعرن بأنهن محاصرات".
وذكر تقرير منظمة أطباء بلا حدود أنها قدّمت "بين كانون الثاني/يناير 2024 وآذار/مارس 2025، الرعاية لـ659 ناجية من العنف الجنسي في جنوب دارفور. أفادت 86% منهن بتعرضهن للاغتصاب، و94% كنّ من النساء والفتيات. وتعرضت 55% لعنف جسدي إضافي، بينما كانت 31% منهن دون سن 18، و7% دون سن 10، و2.6% دون سن الخامسة".
كما لفت تقرير المنظمة إلى أنها عالجت عشرات الحالات المشابهة في تشاد المجاورة حيث يوجد أكثر من 800 ألف لاجئ سوداني، وأشار التقرير في هذا الصدد إلى أن معظم الضحايا كنّ دون سن الـ18.
وينقل التقرير عن إحدى الناجيات، تبلغ من العمر 17 عامًا، شهادة مريرة قالت فيها: "ضربونا واغتصبونا هناك على الطريق، في العلن. كان هناك تسعة رجال من قوات الدعم السريع. اغتصبني سبعة منهم. تمنيتُ لو أفقد ذاكرتي بعد ذلك".
تتقاسم المنظمات الإنسانية قناعة مفادها أنّ العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء والفتيات في السودان، منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، هو عنف ممنهج ووسيلة من وسائل الحرب.
وناشدت منظمة أطباء بلا حدود الأطراف المعنية بوقف "هجماتها الوحشية وضمان الحماية للمدنيين". وشددت المنظمة "على ضرورة محاسبة الجناة وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الطبية والنفسية وخاصة في المناطق المتأثرة مثل دارفور وشرق تشاد".
وفي هذا السياق قالت مديرة قسم الطوارئ الطبية في منظمة أطباء بلا حدود روث كوفمان: "يحتاج الأشخاص - ومعظمهم من النساء والفتيات - الذين يعانون من العنف الجنسي إلى رعاية طبية عاجلة، بما في ذلك الدعم النفسي وخدمات الحماية. يجب تصميم الرعاية منذ البداية للتخفيف من وطأة العوائق الكبيرة التي تواجهها الناجيات عند طلب الرعاية الطبية في أعقاب العنف الجنسي".
ممارسة ممنهجة:
تتقاسم المنظمات الإنسانية قناعة مفادها أنّ العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء والفتيات في السودان، منذ اندلاع الحرب حتى الآن، هو عنف ممنهج ووسيلة من وسائل الحرب.
وسبق لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل أن كشفت لموقع "الترا سودان" عن تسجيل 1138 حالة اغتصاب وعنف جنسي منذ اندلاع الحرب نيسان/إبريل 2023.
ونقل موقع الترا سودان عن مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحاق قولها: "سجلنا 1138 حالة اغتصاب وعنف جنسي، منها 193 حالة لأطفال، و134 حالة اختفاء واسترقاق جنسي من قبل قوات الدعم السريع". لافتة إلى أنّ "هذه الأرقام لا تشمل جنوب كردفان وأجزاء من دارفور بسبب عدم توفر الشبكة".