تشتد وتيرة العمليات العسكرية في محور مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، في ظل تصاعد المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حول المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية لكلا الطرفين.
وكشف الجيش السوداني، اليوم الثلاثاء، عن معطيات جديدة تسلط الضوء على ضراوة الاشتباكات، إذ أعلنت الفرقة السادسة مشاة المتمركزة في الفاشر عن مقتل ما لا يقل عن 41 مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى إصابة العشرات، جراء قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع.
وقال بيان الفرقة إن "قوات الدعم السريع واصلت نهجها الإجرامي باستخدام استراتيجية القصف العشوائي لاستهداف المدينة المحاصَرة والمكتظة بالسكان"، مؤكّدًا سقوط 41 ضحية من المدنيين، فيما نُقل المصابون إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
خسرت قوات الدعم السريع نحو 600 قتيل وأكثر من 25 مركبة عسكرية في هجومها الأخير على الفاشر
لفت بيان الجيش السوداني إلى أن قواته المتمركزة في مدينة الفاشر "تمكّنت من صد الهجوم الشرس الذي شنّته قوات الدعم السريع"، مشيرًا إلى أن "خسائر قوات الدعم السريع بلغت نحو 600 قتيل، بالإضافة إلى تدمير أكثر من 25 مركبة عسكرية".
وشهد يوم أمس الإثنين اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أسفرت، بحسب مصادر محلية، عن تعليق عمل التكايا وهيئات الإغاثة التي كانت تقدم وجبات غذائية وخدمات دعم نفسي واجتماعي للسكان، إلى جانب توقف كافة أسواق المدينة نتيجة القصف.
وأفادت المصادر نفسها أن قوات الدعم السريع استخدمت المدفعية الثقيلة في قصف مخيم أبو شوك للنازحين، وحي "درجة أولى"، ومقر قيادة الفرقة السادسة بالجيش، قبل أن تطلق هجومًا بريًا عقب انتهاء القصف.
وفي تعليق له بعد فشل الهجوم، قال حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، إن نائب قائد قوات الدعم السريع، الفريق عبد الرحيم دقلو، هو من أشرف على العملية، التي نُفذت من جبهتين، غير أن القوات المسلحة والقوات المشتركة تصدت لها.
دعوة "لانسحاب آمن" من الفاشر
ورغم فشل الهجوم، أصدرت قوات الدعم السريع بيانًا دعت فيه الجيش إلى "مغادرة مدينة الفاشر وتسليم الأسلحة"، متعهدة بـ"فتح ممرات آمنة"، على حد قولها، وذلك بدعوى "الحرص على حقن الدماء وصون الأرواح".
وأضاف البيان: "نلتزم من جانبنا بمواصلة فتح وتأمين ممرات للمدنيين الراغبين في الخروج طوعًا من مدينة الفاشر، عبر الممرات التي فُتحت سابقًا، والتي أُجلي عبرها آلاف المدنيين إلى مناطق آمنة، مع توفير الحماية اللازمة لهم وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية".
يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تدعو فيها قوات الدعم السريع إلى تسليم الفاشر، إذ سبق أن أطلقت دعوة مماثلة في نهاية عام 2014، أمهلت فيها الجيش مهلة للمغادرة، غير أن الأخير رفض تلك الدعوة، متعهدًا بـ"تحرير كامل أراضي السودان من المليشيات".
وتشهد مدينة الفاشر منذ العاشر من أيار/مايو الجاري معارك عنيفة بين الجيش والدعم السريع، رغم النداءات الدولية المتكررة لرفع الحصار عن المدينة، التي تُعد مركزًا للعمليات الإنسانية في إقليم دارفور.
وفي سياق تصعيدها، كانت قوات الدعم السريع قد استعادت مؤخرًا السيطرة على مخيم زمزم للنازحين الواقع على بعد 15 كلم جنوب الفاشر، إثر هجوم مكثف أسفر، بحسب لجنة النازحين المحلية، عن مقتل 1500 شخص ونزوح نحو مليون آخرين إلى داخل الفاشر ومناطق مجاورة.
نفي البرهان
وفي سياق منفصل، نفى قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ما وُصف بـ"مزاعم" عن إدارة الإسلاميين للحرب من مدينة بورتسودان، واصفًا تلك الادعاءات بـ"الأكاذيب"، ومؤكدًا أن "القوات المسلحة لا تتلقى التوجيهات من أي طرف سياسي"
تعهدت قوات الدعم السريع بفتح ممرات آمنة للجيش بعد إلقاء السلاح والخروج من الفاشر
وجاءت كلمة البرهان، التي ألقاها اليوم الثلاثاء أمام "مؤتمر الخدمة المدنية في بورتسودان"، لترد بشكل مباشر على تلك الاتهامات، إذ تعهّد بـ"الذهاب نحو الانتصار في المعركة حتى النهاية، دون خذلان لكل من وضع ثقته في الجيش"، وأضاف: "لا يوجد مجد آخر سوى مجد البندقية".
وأوضح البرهان أن "الحرب موجّهة ضد كل من حمل السلاح ضد الدولة، وليست حربًا ضد القبائل"، مؤكدًا أن "تمرد زعيم قبيلة لا يعني أن القبيلة تمردت"، وأن من يروّجون لهذا السرد "يتعمّدون دفع الناس نحو القتل".
ويشهد السودان، منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، حربًا دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أدّت بحسب بيانات الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص، ونزوح نحو 15 مليونًا، فيما تشير تقديرات أميركية إلى أن عدد القتلى قد يصل إلى 130 ألفًا.