01-مارس-2016

ردة فعل أمن السلطة على المتظاهرين الفلسطينيين (أ.ف.ب)

لطالما صرخ أبناء التيار الإسلامي في الضفة الغربية جراء "بطش" السلطة، كما يصفونه، والمتمثل بالاعتقالات والملاحقات والتضييقات المختلفة. واشتكوا مرارًا ممارسات رجال القانون "غير القانونية" بحقهم، دون أن يجدوا آذانـًا صاغية.

بعد محاولة السلطة عرقلة إضراب المعلمين، استهجن الكثيرون "الخطوة البوليسية"، والحواجز التي لم يعتد الفلسطيني إلا على الإسرائيلية منها

السلطة الفلسطينية بدورها أنكرت على الدوام تلك الادعاءات، موضحة أنها تعمل "وفق القانون" لا أكثر. ورغم الصرخات والاستغاثات، لم يُعَر هؤلاء اهتمامًا يذكر سوى من أنصارهم ومؤيديهم، المحسوبين على ذلك التيار، والتي تعد حركة حماس الاسم الأبرز فيه.

نوه هؤلاء إلى بعض ملامح "النظام البوليسي"، وأشاروا مرارًا إلى انتهاكات جسيمة تخرق بشكل صريح شعار "دولة القانون" الذي يُـرفع باستمرار.

اقرأ/ي أيضًا: مصر..التطبيع مع إسرائيل في "برلمان الغبرة"

لكن على ما يبدو، شعر المواطنون العاديون أن ذلك الصراع هو صراعٌ سياسي بين السلطة والإسلاميين، معتقدين أن "بلله" لن يصيبهم، فالتزموا صمت "عدم الاكتراث". في حين، صمت آخرون "صمت الرضا"، وهم الغرماء السياسيون، الذين قبلوا ضمنـًا "خرق القانون" لصالح ضرب التيار السياسي المنافس. إلا أن خطوة السلطة النوعية الأخيرة، ضربت بعض تلك المعتقدات، وحركت الرأي العام الفلسطيني بشكل غير عادي.

الخطوة تمثلت بمحاولة ضرب الحراك النقابي الأضخم في فلسطين، حراك المعلمين، "غير المسيّس" وفق وصفهم، والذي اشتعل قبل عدة أسابيع. إذ فوجئ المعلمون المحتجون المتوجهون لمدينة رام الله للتظاهر أمام مجلس الوزارء، بحواجز شرطية فلسطينية تمنعهم من مغادرة مدنهم وبلداتهم.

صدمت تلك الخطوة الشارع الفلسطيني، ولاقت انتقادًا لاذعًا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. استهجن كثيرون "الخطوة البوليسية"، كما وصفوها، واستنكر آخرون مبدأ الحواجز، التي لم يعتد الفلسطيني إلا على الإسرائيلية منها، والتي تقطع أوصال الضفة الغربية المحتلة.

بيانات صحفية عديدة صدرت عن مؤسسات حقوقية مختلفة بعد تلك الحادثة، وصفت خطوة السلطة الفلسطينية بـ "غير القانونية"، والتي تخرق بعض بنود القانون الأساسي الفلسطيني. إذ اعتبرها ديوان المظالم الفلسطيني "تقييدًا غير قانوني وغير مبرر على حرية الحركة والتنقل، وعلى حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي".

اقرأ/ي أيضًا: ليبيا..كر وفر في صبراتة والحسم لبنغازي

وكانت بياناتٌ مشابهة صدرت أيضًا بعد حادثة اعتقال عددٍ من المعلمين على "خلفية مشاركتهم بالاعتصامات".

الأحداث الأخيرة تأتي بعد أيام قليلة من إصدار المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريره السنوي لعام 2015، تحت عنوان "الخنق مرتان: ممارسات الأجهزة الأمنية للاعتقال التعسفي في فلسطين".

يوثق التقرير 1274 حالة اعتقال تعسفي في الضفة الغربية، و1089 حالة استدعاء تعسفي، طالت طلابًا وأكاديميين وصحفيين.

إذاً فحال حقوق الإنسان ليس بأفضل أحواله في الأراضي الفلسطينية، والمفارقة هنا أن القيادة الفلسطينية تثابر دومًا لتسليم طلبات الانضمام لاتفاقات ومعاهدات الدولية، والتي يعنى بعضها أساسًا بحقوق الإنسان محليًا، مثل اتفاقيتي مناهضة التعذيب وحقوق الطفل، وغيرها.

من الجدير بالذكر في هذا السياق، ومن باب الموضوعية والاتزان، أن انتهاكاتٍ مماثلة -تختلف كمًا- تحدث في قطاع غزة، الذي تديره حركة حماس، القوة الأكبر في القطاع. ومن باب الموضوعية أيضًا، إيضاح أن الحالة الفلسطينية لم ترتقِ بسوئها لتضاهي فظاعة ما كان يجري إبان فترة استقرار الأنظمة العربية، كالسوري والمصري، على سبيل المثال. فهامش الحرية أوسع، والعلاقة بين الشعب والحكومة أفضل حالًا. لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود الانتهاكات المذكورة أعلاه، ولا شك أن ملامح "النظام البوليسي" المتفرقة حاليًا، كما وصفها المواطنون، قد تتراكم لتشكل واقعًا أكثر سوداوية.

الآن، وبعد التطورات الأخيرة، يسود شعورٌ مفاده أن "البلل" قد يصيب كافة المواطنين يومًا ما، على اختلاف ألوانهم السياسية، وتتجدد الأصوات المنادية بالتزام القانون. القانون، ولا شيء غيره، في بلد يعاني من أزمات في الشرعية والتشريع، تديره سلطة حكم ذاتي، ويخنقه الاحتلال الإسرائيلي.

اقرأ/ي أيضًا: 

سوريا..هدنة "الحوادث الفردية"

رسميًا..المغرب يعلق اتصالاته مع الاتحاد الأوروبي