14-أبريل-2025
مظاهرة تطالب بالإفراج عن رميساء أوزتورك (منصة إكس)

مظاهرة تطالب بالإفراج عن رميساء أوزتورك (منصة إكس)

في ظل تصاعد وتيرة القمع السياسي تحت ذريعة "الأمن القومي"، تكشف قضية رميساء أوزتورك عن تحول خطير في طريقة توظيف السلطة التنفيذية الأميركية لقوانين الهجرة، ليس لمكافحة الإرهاب أو حماية المصالح القومية، بل لقمع الأصوات المعارضة للعدوان الإسرائيلي على غزة داخل الجامعات الأميركية.

وبعد توقيفها من قبل عملاء الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) بهدف ترحيلها، أفادت مذكرة داخلية صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية إلى عدم وجود أي أدلة تربط الطالبة التركية رميساء أوزتورك بأنشطة "معادية للسامية أو بتأييد جماعة إرهابية"، على خلاف ما زعمته إدارة الرئيس دونالد ترامب.

أوزتورك، طالبة دكتوراه تركية بجامعة “تافتس” المرموقة، لم تُتهم بأي جريمة، ولم تخرق قوانين الهجرة أو الإقامة، لكنها وجدت نفسها مُجبرة على مواجهة ترحيل قسري بعدما شاركت في كتابة مقال رأي ينتقد فيه موقف الجامعة من الحرب الإسرائيلية على غزة

مذكرة سرية تنسف الأساس القانوني لقرار الترحيل

المذكرة التي أعدها مكتب تابع لوزارة الخارجية في أذار/ مارس الماضي، واطّلعت صحيفة "واشنطن بوست" على تفاصيلها، أفادت بأن وزير الخارجية ماركو روبيو لم يكن يملك أساسًا قانونيًا كافيًا لسحب تأشيرة أوزتورك، رغم الصلاحيات الواسعة التي يخولها له القانون لحماية مصالح السياسة الخارجية الأميركية.

وبحسب موظفين حكوميين مطّلعين على المذكرة، فإن التحقيق لم يُفضِ إلى أدلة تُثبت تورط أوزتورك في دعم حركة حماس، أو قيامها بتصريحات علنية "مؤيدة للإرهاب أو معادية للسامية". كما لم يظهر اسمها في أي من قواعد بيانات الحكومة الأميركية المرتبطة بالإرهاب.

خلفية القضية: مقال رأي وانتقادات للعلاقات مع إسرائيل

أوزتورك، طالبة دكتوراه تركية بجامعة “تافتس” المرموقة، لم تُتهم بأي جريمة، ولم تخرق قوانين الهجرة أو الإقامة، لكنها وجدت نفسها مُجبرة على مواجهة ترحيل قسري بعدما شاركت في كتابة مقال رأي ينتقد فيه موقف الجامعة من الحرب الإسرائيلية على غزة، داعيةً إلى فك ارتباطها الاستثماري بشركات تتعامل مع إسرائيل.

بسبب هذا المقال، أوصت وزارة الأمن الداخلي (DHS) بإلغاء تأشيرتها، زاعمةً أنها شاركت في "نشاطات مناصرة لحماس". لكن الوثائق الرسمية تُظهر أن الخارجية الأميركية، رغم تلقيها التوصية، لم تجد أي سند قانوني حقيقي لاتهامات الأمن الداخلي.

قضية الطالبة التركية تسلط الضوء على ثغرة قانونية خطيرة في النظام الأميركي، تسمح لوزير الخارجية بإلغاء تأشيرة أي أجنبي "دون تبرير"، ودون إبلاغه، ودون منحه حق الطعن أو الدفاع، ما يجعل هذه الصلاحية أداة سلطوية يُعاد توجيهها اليوم ضد الطلاب والباحثين الذين يرفعون صوتهم تضامنًا مع الفلسطينيين.

حرية التعبير في مهب الريح

في 25 أذار/مارس الماضي، جرى توقيف أوزتورك بشكل مفاجئ من قبل رجال بلباس مدني مقنعين بينما كانت متوقفة في أحد شوارع ضواحي بوسطن. وقد وثّق مقطع مصوّر اللحظة التي جرى فيها سحبها عنوة من الشارع، ما أثار ضجة واسعة واتهامات للإدارة الأميركية بأنها تستغل قوانين الهجرة لقمع حرية التعبير.

قضية أوزتورك ليست معزولة. خلال الأشهر الأخيرة، ألغت إدارة ترامب مئات التأشيرات لطلاب دوليين – معظمهم من جامعات مرموقة – ممن أعربوا عن مواقف مناهضة للاحتلال الإسرائيلي. وبينما تبرر الإدارة الإجراءات باعتبارها "مكافحة للإرهاب"، إلا أن معظم القضايا لا تحتوي على أدلة ملموسة، بل تعتمد على أنشطة طلابية سلمية أو منشورات على وسائل التواصل.

من جهتها، اعتبرت المحامية ليلى صبيح، التي تتابع قضايا مماثلة، أن ما يحدث يُمثّل "توظيفًا مقلقًا للقوانين ضد حرية التعبير"، وأضافت: "هذه القوانين صُممت للتعامل مع تهديدات حقيقية، لكنها تُستخدم الآن لمعاقبة الآراء، وهو ما يُعدّ انتكاسة للحريات الدستورية الأميركية".

من جانبها، صرّحت أوزتورك، في إفادة خطية للمحكمة، بأنها لم تكن تعلم بإلغاء تأشيرتها. وأوضحت أنها اعتقدت لحظة توقيفها أنها تتعرض للاختطاف، خصوصًا بعدما محاصرتها من قبل عدة رجال وسحبها بالقوة، قبل أن يتم تكبيل يديها وقدميها وتقييد خصرها بالسلاسل.

روبيو يدافع عن القرار رغم غياب الأدلة

في تصريحات لاحقة، دافع وزير الخارجية ماركو روبيو عن قرار الترحيل، زاعمًا أن مشاركة أوزتورك في كتابة مقال رأي ليس سوى "جزء من الصورة"، ملمّحًا إلى ارتباطها بحركات طلابية متهمة بـ"التخريب والتحريض"، دون تقديم دليل يثبت ذلك.

لكن مذكرة وزارة الخارجية ذاتها، كما تؤكد مصادر "واشنطن بوست"، فندت هذه الادعاءات، مؤكدة أن السلطات لم تقدم أي إثبات يربط الطالبة التركية بأعمال عنف أو تأييد لحركة حماس أو "معاداة للسامية".

معركة قانونية مستمرة

من المقرر أن تُعقد جلسة استماع في قضية أوزتورك يوم الاثنين المقبل أمام محكمة فدرالية في ولاية فيرمونت. محامو الدفاع أكدوا أن ترحيل موكلتهم يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ الدستور الأميركي، وعلى رأسها حرية التعبير.

بينما تزداد الأصوات المطالبة بإجراء تحقيق مستقل في استخدام صلاحيات إلغاء التأشيرات لأغراض سياسية، تُطرح أسئلة جوهرية عن مستقبل حرية التعبير في الجامعات الأميركية، وما إذا كانت ستظل ملاذًا آمنًا للنقاش المفتوح، أو تتحول إلى ساحات صامتة يُقصى منها كل من ينتقد السياسات الإسرائيلية.