07-نوفمبر-2017

أولئك الذين تخلوا عن السعادة من أجل المتعة قد لا ينالوا أيا منهما (دفيد جونس/PA)

ترتفع معدلات الإدمان والاكتئاب ومختلف أمراض الصحة العقلية، أو الأمراض الأخرى المرتبطة بها، في مختلف دول العالم تقريبًا. أرقام صادمة دفعت الباحثين إلى محاولة تقديم دراسات لفهم الظاهرة وتبين أسبابها. في هذا التقرير، المترجم عن الغارديان، نستعرض خلاصة ثلاث دراسات حديثة في المملكة المتحدة.


لا يتحدث هذا المقال عن الرئيس دونالد ترامب ولا عن انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ولكنه يتعرض لموضوع أخطر من حيث العواقب. فلقد ارتفعت مُعدلات الإدمان والاكتئاب ونتيجةً لذلك زادت مُعدلات الوفيات حول العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، شهدنا انخفاضًا في متوسط العمر المُتوقَع لدى الفرد لأول مرة منذ عام 1993، ولكن هذا لا يحدث فقط في الولايات المتحدة بل إن معدلات الوفيات في المملكة المتحدة وألمانيا والصين قد ارتفعت أيضًا.

أثبتت ثلاث دراسات حديثة في المملكة المتحدة أن استهلاك السكر يمكن أن يكون من العوامل المهيئة لتدهور الصحة العقلية

وفي الوقت نفسه، وصلت معدلات الانتحار بين المُراهقين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ولا تزال مُستمِرة في الصُعود. بعد إدراج مُثَبِّطات إعادة امتِصاص السِّيروتونين الانتقائيَّة (SSRI) في عام 1987 كوصفةٍ طبيةٍ في الولايات المتحدة، تضاعف استهلاكها خمس مرات على مدى السنوات الخمس عشر التي تلت ذلك وتضاعف مرتين على مدى العشر سنوات التالية. في الآونة الأخيرة، انخفض معدل تلك الوصفات قليلًا وذلك نتيجةً لازدياد استخدام الماريجوانا بعد إضفاء بعض الشرعية على استخدامها في كثير من الولايات بالإضافة إلى سهولة الحصول عليها كدواءٍ يُصرَف دون وصفة طبية علي عكس تلك الأدوية التي تحتاج إلى ضرورة وُجُود وصفة من الطبيب.

ولكن لم تستطع أيّ من هذه البيانات تفسير ما يحدث في المملكة المتحدة. ففي الجانب الآخر من الأطلسي، استخدام الماريجوانا ليس قانونيًا حتى الآن. ولكن استخدام الهيروين قد ارتفع إلى حدٍ كبير، فعلى الرغم من أن المملكة المتحدة تُمثِل 8% فقط من سكان أوروبا، ولكن ثُلث حالات الوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة في أوروبا تحدث في المملكة المتحدة. ويتزامن ذلك مع ارتفاع معدل الاكتئاب بشكل حاد. ووفقًا لمركز الخدمات الصحية الوطنية، ارتفع معدل استخدام الوصفات المضادة للاكتئاب بنسبة 108% في السنوات العشر الأخيرة، مع زيادة بنسبة 6% في عام 2016 وحده.

أضف إلى ذلك أربعة من الأوبئة الأكثر فتكًا في العالم وهم مرض السكري، ومرض الكبد الدهني، وأمراض القلب، ومرض الخرف، وكل ذلك يُوقِع ضررًا بليغًا على الصحة العقلية فإن لم يكن على صحتنا نحن فعلى صحة أُسرنا.

اقرأ/ي أيضًا: أوليفر ستون: "أنا مُحَصن ضد الإحباط"

تُشيِر التقديرات إلى أن الأمراض الأيضية المُزمِنة تتكلف 75% من إجمالي ميزانية الرعاية الصحية في الولايات المتحدة المُقدَّرة بمبلغ 3.2 تريليون دولار والتي يُمكِن الوقاية من 75% من تلك الحالات. في الواقع سوف تُعلِن كُلًا من الرعاية الصحية إفلاسها بحلول عام 2026، والضمان الاجتماعي بحلول عام 2029 بسبب مرض السُكري وكذلك الخدمات الصِحية الوطنية. ولكن من المُلاحَظ الارتباط الوثيق بين مرض السكري، والاكتئاب، والخرف. هل يُسبِّب مرض السكري الاكتئاب؟ أو هل توجد بعض العوامل الأولية الأخرى، المسؤولة عن الإدمان والاكتئاب والسكري والخرف؟

في محاولةٍ لفهم ذلك تم إجراء ثلاث دراساتٍ حديثة في المملكة المتحدة.

أولًا، أظهرت دراسة (المليون امرأة) أن التعاسة نفسها لا تُؤدي إلى الموت. ولكن السلوكيات الشاذة التي يقوم بها الناس التُعساء للحصول على السعادة عن طريق استخدام التبغ والكحول وتناول السكر تؤدي إلى الموت.

ثانيًا، أظهرت الدراسة المعروفة باسم (وايت هول) الثانية والتي تُناقش المُحدِّدات الاجتماعية للصحة، أن الأشخاص الذين يستهلكون السكر بمعدل أكثر بثلاث مرات من الأشخاص العاديين مُعرَّضون بنسبة 23% إلى خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية الشائعة مثل خلل النُطق.

وأخيرًا، وجدت الأبحاث في جامعة باث، أن الاستهلاك المُفرِط للسكر يُؤدي إلى ارتباط السكر بالبروتين بصورةٍ غير إنزيمية؛ وذلك يؤدي إلى إصاباتٍ تراكُمية خطيرة لخلايا المخ، والذي يبدو أنه عامل رئيسي للإصابة بمرض الخرف.

اقرأ/ي أيضًا:  رواية المُدمن.. صورة بانورامية للعالم السفلي

هذه الدراسات الثلاث ليست دليلًا بأي حال من الأحوال، ولكنها معًا تُشير إلى أن استهلاك السكر يمكن أن يكون أحد العوامل المُهيِّئة. ولقد دعمت البيانات التجريبية ذلك الزعم، ولكن لا يجب التغاضي عن العوامل الأُخرى. على سبيل المثال، يعتبر التبغ والكحول من العوامل المُؤدِّية إلى الإدمان والاكتئاب والخرف ذلك إذا ما كنت ستعيش لفترةٍ طويلة بما فيه الكفاية. كما أن استخدام الهاتف المحمول، والحرمان من النوم، من العوامل التي تدفع إلى الإدمان والاكتئاب لدى المراهقين والبالغين والتي قد تُؤدي إلى الموت في كثير من الأحيان.

قد تم تخريب قُدرتنا على إدراك السعادة بسعينا للحصول على المتعة الذي بدوره أصبح من السهل جدًا لأنه ينبع من ثقافتنا الاستهلاكية

"ما هو الرابط؟ يا عزيزي واتسون"، هذا السؤال اعتاد أن يسأله المُحقِّق شرلوك هولمز في مسلسل الابتدائية لصديقه الدكتور واتسون. هل هو الكثير من الناقلات العصبية لهرمون الدوبامين المسؤول عن المتعة وليس ما يكفي لهرمون السيروتونين المسؤول عن الإحساس بالقناعة؟

على الرغم مما يُعرَض في التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، المتعة والسعادة ليست نفس الشيء. فإن الدوبامين هو الناقل العصبي الذي يُشعِرنا بالمكافأة حيث يُخبر أدمغتنا: "أن هذا شعورٌ جيد، أُريد المزيد منه". ومع ذلك فإن زيادة إفراز الدوبامين أكثر من اللازم تؤدي إلى الإدمان. من الناحية الأُخرى السيروتونين هو الناقل العصبي "الذي يُشعِرنا بالرضا حيث يُخبر أدمغتنا: "هذا شعورٌ جيد ولكن لديّ ما يكفي منه وبالتالي أنا لا أريد أو بحاجة إلى أكثر من ذلك". ولكن القليل جدًا من السيروتونين يؤدي إلى الاكتئاب. ومن الناحية المثالية، ينبغي أن يكون كلاهما في المستوى الأمثل. غير أن الدوبامين يؤدي إلى انخفاض السيروتونين. والإجهاد المزمن يؤدي الى انخفاض كليهما.

لقد تحولت الكثير من ملذاتنا البسيطة إلى أشياء أخرى، فقد استُبدلت زجاجة الصودا الـ 200 ملل بأخرى كبيرة حوالي 1 لتر. وبدلًا من قضاء أُمسية بعد الظهيرة مع الأصدقاء المُقرَّبين؛ تقضيها مع 1000 صديق على فيسبوك. كل من هذه الملذات اللحظية لن تدوم أكثر من لحظتها. ولكن إفراز الدوبامين المزمن عن طريق فعل شيء يشعرك بالمتعة يقلل من إفراز السيروتونين وبالتالي يُقلل من شعورك بالسعادة.

وعلاوةً على ذلك، فإن التشريعاتِ والإعانات الحكومية قد تسامحت مع العديد من الإغراءات مثل السكر، والتبغ، والكحول، والمخدرات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإباحية إلى جانب الإجهاد المستمر في العمل والمال والمنزل والمدرسة والتسلط عبر الإنترنت والإنترنت، كل ذلك يُؤدي إلى نتيجةٍ حتمية ووباء غير مسبوق من الإدمان، والقلق، والاكتئاب والمرض المزمن. وعلى ذلك فبكثرة ما تسعى لتكون سعيدًا سوف تُصبِح أكثر تعاسةً ومن المحتمل أن تنزلق إلى الإدمان أو الاكتئاب.

لقد تم تخريب قُدرتنا على إدراك السعادة بسعينا المتواصل للحصول على المتعة الذي بدوره أصبح من السهل جدًا لأنه ينبع من ثقافتنا الاستهلاكية. في نهاية المطاف أولئك الذين تخلوا عن السعادة من أجل المُتعة لن ينالوا أيًّا منهما. يُمكنك الآن أن تتفضل وتتناول دواءك أو جهازك الإلكتروني، اختر سُمَك الذي يُشعرك بالمتعة. فعقلك لن يستطيع التمييز بينهما، ولكن يُرجى العِلم أن هذا السُم سوف يقتلك عاجلًا أو آجلًا، بطريقةٍ أو بأخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بالانتحار والاكتئاب.. نفسية المصريين تنهار

الشباب وتزايد حالات الانتحار.. نهايات صادمة لواقع معقد