تزداد حدة السرقات في المناطق اللبنانية كافة، وخاصة في محافظة بعلبك- الهرمل التي تضم حوالي 110 قرى ويتراوح تعداد السكان فيها حوالي 400 ألف نسمة، وتقع شمال شرقي لبنان وتمتد على محاذاة الحدود اللبنانية السورية لجهة المصنع.
تتربع المركبات على قائمة المسروقات في منطقة بعلبك الهرمل
بفضل امتدادها الجغرافي مع سوريا نشطت حركة التهريب غير الشرعية عبر الحدود، فيما أصبح يسمى بالمعابر غير الشرعية، والتي أصبحت ممرًا لحركة عبر الاتجاهين تتم فيها التجارة غير الشرعية كالأسلحة والمخدرات والسرقات. يعزو البعض كثرة حالات السرقة إلى الأوضاع الاقتصادية وما يشهده لبنان من أزمة مالية وارتفاع في حدة البطالة والفقر، فيما يعتبر آخرون أن ارتفاع حدة الجرائم يعود إلى تردي الأوضاع الأمنية وخاصة في منطقة بعلبك الهرمل حيث تنكفئ سلطة وسطوة الدولة وقدرتها على لعب دورها بالشكل المطلوب.
سرقات بالجملة
أولوية عصابات السرقة تنصب حول السيارات لكونها تشكل مردود مالي كبير لهم، ولكونها من أسهل أنواع السرقة. خاصة أن السرقة في منطقة بعلبك الهرمل لم تعد تقليدية كما هو معروف ومتداول أو كما هو مرسوم في مخيلتنا حول السرقة، وكيف أن السارق يخاف من القانون أو يلجأ للتخفي للقيام بأعماله.
اقرأ/ي أيضًا: ملف زوجات الجهاديين ونسلهم.. نكبة سورية في بداياتها
اليوم، صارت السرقة في بعلبك أمرًا اعتياديًا عند العصابات ويجاهرون بها ويمارسونها في وضح النهار دون الخشية من أي تبعات قانونية أو التعرض لأي ملاحقة تلي سرقاتهم. في حين تتكدس شكاوى المواطنين في أدراج القوى الأمنية لكن دون أي فعالية أو إيجابية في التعاطي مع قضاياهم.
تسرق السيارات ويتم تهريبها إلى سوريا عبر الحدود غير المراقبة والمعابر غير الشرعية لتباع في سوريا بربع ثمنها. وأحيانًا يقوم السارق بالإاصال بمالك السيارة لمفاوضته على السعر لقاء الإفراج عن سيارته، أو يتم تفكيك محتوياتها وقطعها ورميها في السهول إذا تعذر تهريبها عبر الحدود.
إحدى السيدات التي سرقت سيارتها ذهبت إلى مخفر الدرك/مركز القوى الشرطية، لتقدم بلاغًا بما جرى غب حق ممتلكاتها. فقال لها الشرطي "إذا اتصلو فينا أو إذا اتصلو فيكي بلغينا" لكن السيدة قالت له أن السارق معروف وواضح وهو يسكن في منطقة في بعلبك وقد تمكنت السيدة من متابعة مكان تواجد سيارتها عبر نظام GPS. إلا أن رد الدركي كان كالتالي: "لا يمكننا التدخل لأن ذلك سيتحول إلى معركة عشائرية". فما كان من السيدة إلا أن الشرطة بالتواطؤ مع السارقين.
أما أحد الأطباء فيروي قصته لـ"ألتراصوت" بعد أن تمت سرقة سيارته، من نوع جيب شيروكي موديل 2016 بسعر يتجاوز حدود الـ40 ألف دولار أمريكي. وفقًا لأقوال الطبيب المعني، فقد تم الهجوم عليه من عناصر يرتدون زي مخابرات الجيش اللبناني فرفع يديه عاليًا ظنًا منه أنهم يريدون توقيفه وامتثالًا منه للقانون، فما كان من العصابة المؤلفة من ثلاثة أشخاص إلا أن وضعوا الأصفاد في يديه وأخذوا سيارته وتركوه وسط الطريق ليتبين لاحقًا أن لا علاقة لمخابرات الجيش بما حصل.
أما سرقة المنازل فصارت تتم في وضح النهار أيضًا، ولم تعد تشفع الأبواب الحديدية في صد هجمات السارقين، حيث أفادت معلومات الأهالي في المنطقة عن قيام السارقين بقطع الحديد بواسطة منشار كهربائي! وتكثفت حالات سرقة أجهزة الإنترنت الوايفاي Wi-Fi عن أسطح الأبنية ويقدر سعر كل جهاز 100 دولار أمريكي وقد تم سرقة أكثر من 15 جهاز في ليلة واحدة الأسبوع الفائت في حي واحد من أحياء بعلبك.
اقرأ/ي أيضًا: ساعات "كورونا" الأولى في بيروت
كل شيء قابل للسرقة، وكل المسروقات يمكن تصريفها، وكما يشاع بين الأهالي، فالبضائع الصغيرة يمكن تصريفها لدى تجار المخدرات في المنطقة، حيث أنهم يقبلون بالبضائع المسروقة لقاء مبادلتها بكميات من المخدرات للتعاطي.
قصص السرقة لا تخلو من طرافة وقد طالت أحد مخافر الشرطة في بعلبك حيث قام السارقون بالسطو على باحة سيارات تابعة للشرطة وسرقوا سيارتين منها. ومن إحدى القصص الغريبة التي حدثت الشهر الفائت أن العصابة داهمت منزلًا لأحد أصحاب محطات الوقود، وحين لم تجد العصابة المال داخل المنزل، قام أفراد العصابة باقتياد الرجل إلى المحطة حيث فتح خزنته وسلمهم الغلة! ومن ثم قامت عصابة أخرى بسرقة كابلات التيار الكهربائي مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن الحي بأكمله لأيام.
أمن ذاتي!
أشارت مصادر مطلعة في قوى الأمن الداخلي لألتراصوت أن "أكثر نسبة للسرقة هي في جبل لبنان، وهذه السرقات في معظمها يتم تهريبها إلى البقاع ثم إلى سوريا"، وأفاد المصدر الخاص إلى أن التبليغات عن هذه السرقات من اختصاص مكتب مكافحة السرقات الدولية الذي يبذل جهدًا كبيرًا بهذا الصدد. إلا أنه يبقى هناك ثغرات معينة، بالرغم من حصول توقيفات مؤخرًا لأخطر عصابات سرقة السيارات في منطقة بعلبك".
لبنان ضيق وسكان بلدات بعلبك الهرمل يعرفون الحرامية والسارقين، ويعرفون أماكن تواجدهم، فمن يكبل يدي الأجهزة الأمنية وخاصة الجيش على ضرب هؤلاء خشية خسارة نفوذه أو خسارة أصوات انتخابية! وعن السؤال عن حماية أو تغطية أحزاب المنطقة للخارجين عن القانون أشار المصدر في القوى الأمنية إلى أنه "لا يمكن لأي جهة حزبية التغطية على السارقين والمخلين بالأمن"! لكن المراقبة والملاحظة والاحتكاك بين الأهالي يشير إلى عكس ذلك.
وذلك بدوره يطرح التساؤل هنا حول دور البلديات والشرطة والجيش والمخابرات والقوى الحزبية الفاعلة في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله كون مكاتبه منتشرة في كل البلدات، وكونه يرعى المصالحات العشائرية بين العشائر في بعلبك الهرمل. فيما يدعو الحزب إلى مقاطعة البضائع الأمريكية في الوقت الذي لا يقوى على وضع حد للسرقات في مناطقه أو التوقف عن دعمها.
لا يخفى الغطاء الذي يؤمنه قياديون من حزب الله لأفراد عصابات وتسهيل عمليات التهريب وخروج علني عن القانون العام
وقد أظهرت نتائج الانتخابات في بعلبك الهرمل فوزًا كبيرًا للائحة المدعومة من حزب الله وحلفاءه حيث حصدت اللائحة 8 نواب من أصل 10 نواب، كما أن الثنائي الشيعي يتمثل بوزيرين من المنطقة مما يدل على حجم الثقل لحزب الله في المنطقة.
يروي البعض من سكان المنطقة عن الغطاء الذي يؤمنه قياديون من حزب الله لأفراد عصابات وتسهيل عمليات التهريب، فيما يجاهر عشرات المطلوبين للدولة بجرائم السرقة وتجارة المخدرات والتزوير وتجارة الأسلحة عن ارتباطهم ودعمهم لحزب الله، والبعض منهم ينشر صوره مع مقاتلين للحزب من داخل الأراضي السورية، فيما يتحدون القوى الأمنية بسوقهم إلى العدالة، في الوقت الذي يستمرون فيه بترويع الناس وتأليف عصابات الأشرار والخارجين عن القانون في وضح النهار.
اقرأ/ي أيضًا:
الأزمة الاقتصادية في لبنان تتفاقم: طرد موظفين وحسم معاشات وارتفاع نسب البطالة
أميرة دبي الهاربة تخشى على حياتها بعد أن وجدت مسدسًا على سريرها