12-ديسمبر-2016

تزداد السرقات الصحافية في مصر لأسباب كثيرة ومن دون أي محاسبة أو قانون حماية (ماركو لنغاري/أ.ف.ب)

"الصحفيون المصريون أسرة مهنية واحدة، تستمد كرامتها من ارتباطها بضمير الشعب، وتكتسب شرفها للحقيقة، وتمسكها بالقيم الوطنية والأخلاقية للمجتمع المصري. وتأكيدًا لدور الصحافة المصرية الرائد على امتداد تاريخنا الحديث، في الدفاع عن حرية الوطن واستقلاله وسيادته، والذود عن حقوقه ومصالحه وأهدافه العليا، والإسهام في حماية مكتسبات الشعب وحرياته العامة، وفي مقدمتها حرية الصحافة والرأي والتعبير والنشر". (ميثاق الشرف الصحفي، الذي وافق المجلس الأعلى للصحافة على إصداره، بتاريخ 26/3/1998). هذا ما يقوله ميثاق الشرف الصحفي فهل تتمسك به "الأسرة الصحفية الكبيرة" في مصر؟.

تنتشر السرقات الصحافية في مصر كالنار في الهشيم

بحث صغير على الإنترنت عن السرقات الصحفية ستجد نفسك قد دخلت مغارة "علي بابا"، التي تحوي كل أشكال اللا مهنية في التعامل مع "الخبر الصحفي" أو الصورة الصحفية. السطو على الخبر الصحفي شمل تغطيات "من العيار الثقيل" أيضًا.

على سبيل المثال في العام 2014 وتحت عنوان: "اليوم السابع" تسطو على انفراد "الوطن" بتسجيلات مرسي من داخل الحبس، كشفت الصحيفة ما فعلته "اليوم السابع"، بحقها، إذ نشرت التسجيلات التي أذاعتها "الوطن" على موقعها الإلكتروني، من دون ذكر المصدر.

مثال آخر بارز، كان في السنة التالية، أي العام 2015، وتحت عنوان: "بالصور صحيفة اليوم السابع تسطو على انفراد "الوطن" حول أسماء المعينين في البرلمان"، أشارت فيها جريدة "الوطن" إلى أنها ليست المرة الأولى التي تسطو فيها جريدة "اليوم السابع" على إحدى موادها الخاصة، من "دون أن تحاول بذل جهد حقيقي".

تفضح بعض الصحف المصرية سرقات بعضها عبر عناوين واضحة أو كعتب ضمني

سطو آخر كانت أيضًا بطلته "اليوم السابع"، ولكن هذه المرة من صحيفة "البوابة نيوز"، التي نشرت على صفحتها بتاريخ السبت الأول من تشرين الأول/ أكتوبر لهذا العام، حول موضوع إشعال الفوضى. جريدة "البوابة نيوز" اكتفت بـ"العتب" على "اليوم السابع"، لعدم التحقق من المادة المنشورة قبل بثها على موقعها. "العتب" مرفوع على أي حال، فرئيس التحرير بكلا الجريدتين صديق للآخر وكلاهما مقرب من نظام السيسي.

عند الحديث مع إحدى الصحفيات، عُلا إسماعيل، وهي محررة وصحفية في عدة صحف، أكدت لـ"ألترا صوت" أن "السرقات الصحفية أمر عادي جدًا في الوسط الصحفي في مصر"، موضحة أنها شخصيًا تعرضت للسرقة، حيث تمت سرقة إحدى موادها المترجمة مع وضع عنوان مختلف".

اقرأ/ي أيضًا: متى تتوقف الصحف المصرية عن الصدور؟..قريبًا جدًا؟

وأشارت علا، إلى أنه "لا يتم اتخاذ إجراء حقيقي لمواجهة هذا النوع من السرقات، إلا إذا كان الموضوع على مستوى الانفرادات الكبيرة" (المواد الخاصة بالصحيفة)، وأنه "حتى في هذه الحالة فإن الموضوع يكون "تلقيح" على الجريدة الأخرى كما رأينا فيما سبق لا أكثر"، وفق ما تقول.

وحين سألها "ألترا صوت": هل صادفت "بيعًا" للموضوعات من أحد الصحفيين، بمعنى أن يقوم أحد الصحفيين بعمل الموضوع من الألف إلى الياء ثم يأتي آخر ويضع اسمه عليه، فأجابت أن "الأمور لا تجري على هذا النحو"، مضيفة: "لكن هناك صحفيين يقومون بعمل الموضوع كاملًا ويقوم صحفي آخر بعمل المقابلات مع المصادر فيُكتب الموضوع باسم كلا الصحفيين لمجرد أن الصحفي الذي أجرى المقابلات مع المصادر له علاقات أوسع مثلًا".

يقول عبد الرحمن خالد، وهو مراسل وصحفي مصري، لـ"ألترا صوت" إنه "قام بكتابة مادة صحافية وأرسلها إلى الجريدة ولكن الجريدة حذفت اسمه"، هذا بخلاف بعض المنشورات الخاصة على الـ"فيسبوك" التي وجدها في مقالات ومواد صحافيين وزملاء له في صحف أخرى. ويوضح عبد الرحمن، أن الصحفيين الصغار "تحت التدريب" في بعض الصحف يمكن أن يقوموا بكتابة مواد مهمة، وينتهي الأمر بأن يوقع رئيس القسم اسمه على المادة من دون الرجوع إلى الصحفي المتدرب أو ذكره".

تتم سرقة مقالات صحافيين متدربين في مصر وتذييلها بتوقيع رؤساء أقسامهم

أما عبد الرحمن إياد، وهو أيضًا صحفي ومحرر، فأشار إلى شيء آخر يمكن أن يحدث في الوسط الصحفي المصري، وهو "التأخر في النشر للتوثيق" ويكون نتيجته أن يضيع عليه السبق. ويضيف: "فوجئت بأن أحدهم يستخدم نفس الزاوية والعنوان والمصادر ولم أستطع فعل شيء لأن مصادري تأخرت في الرد علي ولم أكن قد نشرت المقال بالفعل".

أما غادة قدري، الصحفية في جريدة "التحرير"، فتقول إن "الفكرة يمكن أن تُسرق حتى قبل التنفيذ". وروت أنها كانت في مؤتمر عالمي في الصين، متخصص بعلاج مرضى السرطان، وأن تقريرها كان جيدًا بحيث انتشر في عدة صحف ولكن إحدى الصحفيات أخذت التقرير ونشرته في المجلة التي تعمل بها واضعة اسمها عليه دون أن تغير حرفًا واحدًا. مضيفة أنها أجرت حديثًا صحافيًا مع الأديب جمال الغيطاني لصالح أحد المواقع، وبعد تركها للموقع، وفي يوم ذكرى وفاته، فوجئت بالموقع يعيد نشر الحوار الصحفي وعليه اسم صحفي آخر.

يقول علي ترك، سكرتير صحيفة "الوطن"، في حديثه مع "ألترا صوت"، أنه تعرض لسرقة صحفية حيث نشر موقع "رصد"، أحد المواد التي عمل عليها ونسبت المادة إلى شخص آخر. وحين سألناه عن الإجراء الذي اتخذه، قال إنه "كشف الموضوع على صفحته الخاصة بموقع فيسبوك،"وإن الصحفي "الذي سرق" حين تنبه للأمر غيّر عنوان الموضوع.

باسم يوسف ذيّل مادة له في "الشروق" المصرية من دون ذكر مصدرها الأصلي 

إلى ذلك، نشر باسم يوسف، الإعلامي المصري المعروف، مقالًا بعنوان: "لماذا لا يكترث بوتين؟"، في صحيفة "الشروق"، وتناول فيه موقف الرئيس بوتين من الأزمة الأوكرانية. المذيع تعرض لعاصفة من الانتقادات إثر نسبه المقال إلى نفسه، إلا أنه اعتذر فيما بعد عن "نسيانه" الإشارة إلى مصدر المقال الأصلي الذي كتبه صحفي يُدعى جاشواه على موقع جريدة politico. ولاحظ المدونون والصحفيون تماثلًا بين ما كتبه باسم يوسف وبين جاشواه في الصحيفة، حيث كتب الأخير مقالًا بعنوان: "لماذا لم تعد روسيا تخاف من الغرب؟".

اقرأ/ي أيضًا: قانون الإعلام الموحد في مصر..انتكاسة أم إنجاز؟

أما محمد مصطفى موسى، رئيس قسم الديسك في جريدة "روز اليوسف"، فقد قدم تشخيصًا كاملًا للقضية، مشيرًا في حديثه إلى "ألترا صوت"، أن "محرر الديسك أكثر الأشخاص قدرة على أن يرصد جرائم الاختلاس الصحفي"، موضحًا: "مع كثرة المواقع الإلكترونية ومع انخفاض المقابل المادي الذي يتلقاه الصحفي أصبح الأسهل أن يأخذ خبرًا ويقدمه للجريدة ويضع عليه اسمه، إلى درجة أنه قد يسمح لنفسه بنقل المادة مع أخطائها الإملائية". ويضيف موسى أن الأمر مشابه حتى لرؤساء تحرير وهو يعرف رئيس تحرير إحدى الجرائد الأسبوعية، الذي تتضمن مقالاته مقتطفات من مقالات الآخرين".

ويؤكد موسى، أن "الموضوع برمته يرتبط من جهة بالأمانة، ولكن أيضًا بالضغط وظروف العمل السيئة التي تحاصر الصحفيين في مصر، فبعض الصحف تكلف الصحفيين بـ12 خبرًا يوميًا. فيقوم الصحفي بعمل خبرين على الأكثر وباقي الأخبار قص ولزق من صحف أخرى". ويشير موسى أيضًا إلى "أمر مهم وهو أن الصحفي في عصر التكنولوجيا أصبح فاقدًا للصلة بالمصدر"، فصحيح أن "تطبيقات مثل الواتسآب و"فيسبوك" سهلت العمل كثيرًا، لكن أيضًا المقابلة المباشرة تنتج جهدًا أكثر عمقًا، وقد تفتح مواضيعًا أكثر امتدادًا".

ويختم حديثه أن "السرقات الصحفية هي القاعدة في مصر. فالخريجون من الشباب لا يتلقون تدريبًا حقيقيًا. يجدون أنفسهم بلا موارد وبلا تأهيل وبلا علم فيلجؤون للسرقات. هذا خلق أزمات حقيقية في الصحافة المصرية وهو أحد أسباب الانخفاض الرهيب في التوزيع الورقي للصحف في مصر".

اقرأ/ي أيضًا:

القيود الأمنية تخلق صحفًا متشابهة

مسلسل فصل الصحفيين في مصر.. العرض مستمر!