27-نوفمبر-2017

أحد عمال السجاد اليدوي في مصر يشتغل من منزله (ألترا صوت)

ثمة حكاية قديمة ربما أشبه بالأسطورة يتداولها صناع السجاد في مصر حتى الآن، أنه "منذ عهد الملك فاروق كانت قد بدأت صناعة السجاد اليدوي تتخذ مكانتها العريقة عندما طلب الملك من مصنع كان يسمى "القطان" أن يغزل له سجادة يدوية على هيئة عملة ورقية، بينما صممت تلك السجادة ثلاث مرات، في المرة الأولى اختفت التدريجات اللونية المطلوبة في السجادة مما جعله يأمر بإعادة غزلها، وفي المرة الثانية تغير محافظ البنك المركزي مما تطلب إعادة صنع السجادة، وفي المرة الأخيرة قامت ثورة يوليو 1952 التي أطاحت بالملك فاروق نفسه"، وبذلك اكتسب السجاد اليدوي المصري وقتها اهتمامًا وتقديرًا في الخارج والداخل.

التجأ بعض عمال السجاد اليدوي في مصر إلى العمل من منازلهم لتوفير أكثر دخل في ظل عجزهم عن فتح مصانع صغيرة خاصة بهم

بدأ أول مصنع للسجاد اليدوي المصري "القطان" عمله عام 1930 عندما اشترى صاحبه "أحمد القطان" قصرًا في حي مصر القديمة، وعكف على تجديده وترميمه وحوّله مصنعًا للسجاد، وحوّله أيضًا مدرسة لتدريب الشباب على الحرفة، ولا يزال مستمرًا إلى الآن. وينقسم السجاد اليدوي في مصر إلى ثلاثة أنواع وهي الحرير "الأغلى سعرًا" والصوف والجبلان، يمكن أن تتداخل فيما بينها لصنع سجادة واحدة.

وإجمالًا يمكننا اعتبار صناعة السجاد اليدوي صناعة من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان منذ أكثر من خمسمئة عام قبل الميلاد، لكنها ازدهرت في البداية في العصرين المملوكي والأيوبي، وبعد سقوط دولة المماليك واحتلال العثمانيين بلاد الشام انتقلت معهم هذه الصناعة إلى محيط بلاد آل عثمان ومنها مصر. ومنذ ذلك الحين، تنتشر صناعة السجاد اليدوي في مصر. وتعتبر قرية ساقية أبو شعرة، بمحافظة المنوفية، إحدى أشهر القرى في هذه الصناعة.

اقرأ/ي أيضًا: القفّاصون في مصر.. مهنة تنقرض وعمال يطلبون النجاة

[[{"fid":"96396","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)"},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","title":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","height":298,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

ساقية أبو شعرة.. قرية تنتج الذهب وتنام فقيرة!

يتحدث أحمد مختار، صاحب إحدى مصانع السجاد في قرية ساقية أبو شعرة، لـ"ألترا صوت" عن طريقة التصنيع المعتمدة "يتم تصنيع السجادة اليدوية على أربع مراحل، تبدأ بإعداد ماكينة التصنيع التي تسمى "النول" من خلال تثبيت الخيوط التي يتم نسج السجادة عليها، ثم تبدأ المرحلة الثانية باختيار تصميم السجادة وتفريغ هذا الرسم إلى ألوان على ورق الرسم البياني ليعمل وفقها العمال، وثالثًا تأتي مرحلة صباغة خيوط الحرير البيضاء للحصول على الألوان المطلوبة"، وأخيرًا يقوم بإعداد السجادة للبيع من خلال غسلها وكيها وتغليفها. ويوضح: "السجادة الواحدة تستغرق وقتًا طويلًا لإنجازها، يمكن أن تستغرق بين شهر إلى 8 شهور، حسب نوع السجاد والمواد الخام المستخدمة فيه وعدد العمال المشاركين في صناعتها".

ورغم أن هذه الصناعة يمكن أن تعتمد على بعض الخامات الموجودة أساسًا في البيئة المصرية، مثل  صوف الماعز المتوفر لدى البدو بكثرة أو القطن المصري المعروف بجودته، أو الحرير الذي يمكن توفير البيئة المناسبة لصناعته، إلّا أن معظم المواد الخام التي يعمل عليها مصانع مصر لصنع السجاد يتم استيرادها من الخارج، حسب ما ذكره أحد أصحاب المصانع لـ"الترا صوت".

أما عمال هذه المصانع، وقد تحدث "الترا صوت" مع جزء منهم، فيؤكدون سوء الحال ماديًا وتدهوره مؤخرًا مع تراجع السياحة ووضع الخدمات بشكل عام في البلاد. في هذا السياق، يقول العامل رزق الشحات، 55 عامًا، قضى منها 46 عامًا في صناعة السجاد اليدوي: "الوضع بالنسبة لنا كعمال كان دائمًا سيئًا حتى قبل الثورة، لا نحصل إلّا على القليل من المال، حيث تحسب أجرة العامل بناء على إنتاجه ومجهوده الشخصي، ولا يتجاوز في أي حال 80 جنيه مصري في اليوم (أربعة دولارات ونصف) بعد تسع ساعات من العمل اليومي، تتراكم شهريًا لتنتج سجادة يمكن أن تباع بأكثر من 80 ألف جنيه لكن العائدات الأساسية تذهب لصاحب المصنع أساسًا".

ويضيف الشحات لـ"الترا صوت": "مهما بلغ عملنا من الإتقان لا يمكننا العمل لحسابنا الشخصي نتيجة احتكار كبار التجار للمواد الخام والخيوط والنولات لهذه الصناعة وتشعب علاقاتهم". ويوضح: "البيع حاليًا يكون بنفس أسعار التسعينات من القرن المنصرم لكن الفرق أساسًا في تدني جودة المادة الخام".

يعتمد أصحاب المصانع عادة على "العمالة باليومية" دون تعيين، تجنبًا للمصاريف. أحد عمال المصانع أخبرنا أنه "يشغّل 3 عاملين فقط على طوال العام وبشكل أساسي بينما الباقي يعملون في فترة الصيف فقط (عطلة التعليم في مصر) كما أن الإنتاج يعتمد بشكل كبير على الأطفال".

يشتكي أصحاب مصانع السجاد اليدوي في مصر من تراجع مداخيلهم بسبب تدهور السياحة ووضع الخدمات بشكل عام في البلاد

اقرأ/ي أيضًا: الغزل والنسيج المصري.. صناعة وطنية لا تهم النظام

[[{"fid":"96401","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)"},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","title":"في أحد مصانع السجاد اليدوي في مصر (ألترا صوت)","height":301,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

عمال السجاد اليدوي.. العمل حتى من المنزل

في منزل بغرفة واحدة، تجمع الكل، اقتطع أهلها نصف مساحتها لتثبيت "النول" للعمل، دخل "ألترا صوت" لمقابلة أنور محمد، الأربعيني، الذي يعمل في مجال صناعة السجاد اليدوي منذ 31 عامًا. وأنور "ملقن" وهي أعلى مرحلة يمكن أن يصل لها أي عامل في هذا المجال، ولديه أربعة أطفال أكبرهم سنه 13 عامًا، وهو يشغلهم في ذات الاختصاص أيضًا.

يعمل أنور من المنزل، ويقول إنه يستقيظ صباحًا ليجلس على النول، حيث يعطيه صاحب العمل الخامات اللازمة من حرير وخيوط ونول خاص به، يحصل من عمله هذا على حوالي 500 جنيه كل عشرة أيام، ولا يحصل على أي مقابل إذا مرض، وبالتالي يعتبر مرضه "جريمة تؤرقه وتضايق زوجته وعائلته".

كان إخوة أنور الخمسة يعملون في مصانع السجاد اليدوي أيضًا، لكن أغلبهم ترك المجال بعد يأسه من فتح مصنعه الخاص، يعلق أنور على ذلك: "بعد هذه السنوات أقول أنهم ربما قد أصابوا لكنني لم أستطع اتباعهم لتعلقي بهذه المهنة".

خيوط دقيقة بالطول والعرض يجلس أمامها أنور وغيره بالساعات ترى أثرها على أعينهم وشكواهم المتكررة من ضعف نظرهم الذي يتزايد مع الوقت. كما يمكنك أن تلحظ خلال حديث "أنور" أو غيره من العمال صعوبة تنفسه، وهذا يفسره محدثنا بمادة الصوف الحرير، الذي يتطاير منها ما يسمى "الهاموش" وهو ما يؤثر على الصدر.

يقول صاحب إحدى المصانع، وقد رفض ذكر اسمه، إن "أكبر العقبات التي نواجهها هي تسويق منتجاتنا وبيعها، فالحكومة لا توفر معارض كافية، خصوصًا منذ توقف حركة السياحة في الفترة الأخيرة، بينما يستطيع كبار المستثمرين في المجال تسويق منتجاتهم خارج مصر لو أرادوا لكن المستثمرين الصغار متضررين كثيرًا".

هكذا يشتكي أصحاب مصانع السجاد اليدوي من المستثمرين الكبار، بينما يشتكي العمال من "جشع أصحاب المصانع" وعجزهم عن فتح مصانع صغيرة، رغم الخبرة، لسيطرة عدد معروف على كل السوق. مما اضطرهم لتحويل منازلهم إلى مصانع صغيرة عساها تعينهم على شقاء مهنة قدموا لها الكثير وينتظرون أن تضمن كرامتهم.

[[{"fid":"96406","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"أحد عمال السجاد اليدوي في مصر يشتغل من منزله (ألترا صوت)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"أحد عمال السجاد اليدوي في مصر يشتغل من منزله (ألترا صوت)"},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"أحد عمال السجاد اليدوي في مصر يشتغل من منزله (ألترا صوت)","field_file_image_title_text[und][0][value]":"أحد عمال السجاد اليدوي في مصر يشتغل من منزله (ألترا صوت)"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"أحد عمال السجاد اليدوي في مصر يشتغل من منزله (ألترا صوت)","title":"أحد عمال السجاد اليدوي في مصر يشتغل من منزله (ألترا صوت)","height":301,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

مصادر:

مصدر 1

كتاب "صنايعية مصر.. مشاهد من حياة بعض بناة مصر في العهد الحديث"

 

اقرأ/ي أيضًا:

من الزمن والفقر وهموم الناس.. "العرضحالجية" اشتكوا

"عم محمد الصُرماتي".. حكايات إسكافي السيدة زينب الأخير