22-فبراير-2017

عايدة صبرا في دور الست نجاح (يوتيوب)

عادت الست نجاح ولم تعد. حملت حاجياتها وسافرت إلى كندا في زيارة عائليّة. لكنها لم تحبها "أبْدًا أبْدًا"، عادت أدراجها إلى لبنان. وقبله وبعده إلى "فيسبوك" و"يوتيوب" وكل المنازل التي كانت افتقدتها منذ العرض الأول لمسلسل "حلونجي يا إسماعيل" على إحدى الشاشات المحلّية في تسعينيات القرن الماضي. وعادت نجاح مع كسر الجيم لتظلّ نجيح، "باللهجة البيروتية المضخّمة زيادة عن اللزوم"، صورة السيّدة البيروتيّة البسيطة والمتواضعة، التي تقطن في الأحياء الشعبيّة وتتقن دورها المجتمعي ولم تأخذ من أصول التمدّن وفصوله ما يلغي هويّتها.

عادت الست نجاح إلى كل منازل اللبنانيين التي كانت افتقدتها منذ العرض الأول لمسلسل "حلونجي يا إسماعيل"

استعادت عايدة صبرا بارتدائها للمعطف القمحي الشخصية الشعبية التي يحفظها الناس، فأخرجت من جعبتها تعابيرها الطريفة ولكنتها الأكثر طرافة وكلامها الناقد من خلال عين لبنانية ترى ما يخالفها خاطئًا وكل ما يتماهى مع ما تحفظه صحيحًا مئة بالمئة. والعمّة نجاح، عمّة إسماعيل الحلونجي الطامح للشهرة والذي تعاكسه أقداره ليبقى بائع الحلوى فلا يحقق طموحاته، التي تخرجه من الإطار الضيق الذي وُلد وعاش فيه، وفق نص المبدع أحمد قعبور، اعتادت اللعب باحترافية أمام العدسة وعلى خشبة المسرح، فكان تجذّر شخصيتها في الذاكرة وإنعاشه بين الحين والآخر بكثير من الكوميديا من خلال "اسكتشات" المسلسل المتوافرة على الإنترنت وفي مسرحية "الست نجاح والمفتاح" قبل عامين.

لمَ احتفظت عايدة صبرا كل هذه المدّة بالمعطف إياه؟. المعطف الذي كرّس حضور الفنانة المحترفة في أذهان ووجدان المشاهد اللبناني بشخصية تُنادى بها في الشارع من قبل الناس الذين تألفهم وأولئك الذين لا تعرفهم. لعلها احتفظت بشيء من نجاح "نجيح" عبر ذاك الرداء. أو ربما تكون من عادات صبرا الاحتفاظ بأزياء "كاراكتيراتها". أو كان في بالها قبل ما يزيد عن عشرين عامًا أن تُتبع المسلسل بشيء من روحيته. المسرحية ربما، لكن مقاطع الفيديو جاءت بالتأكيد في مرحلة لاحقة، كإلهام يمزج بين الجوهر والمظهر.

اقرأ/ي أيضًا: كوميديا أم جنسٌ مبتذل؟

الفكرة والإطار الذي ستُقدّم من خلاله. وها قد استفادت الممثلة والمخرجة عايدة صبرا من "فورة" وسائل التواصل الاجتماعي ومعرفتها بها لتُقدّم الشخصية نفسها إلى الجيل الذي لم يُشاهد "حلونجي يا إسماعيل"، جيل الألفية الثالثة الذي وجد سلوته على الإنترنت بدل التلفزيون. ومن حيث هي تنشط على "فيسبوك" لتنشر تعليقاتها وآخر أعمالها، نشرت تلك المقاطع التي صُوّرت بين كندا ولبنان، لتعلّق هذه المرّة كاريكاتوريًا على اليوميات اللبنانية في مساحة حرّة تتراوح موضوعاتها بين الاكتظاظ العمراني و"التشوّه" البيئي والتكلّف الاستعراضي للفنانين ومشاكل النفايات والمياه والكهرباء والابتعاد عن القراءة فضلًا عن سلوكيات اللبنانيين المقبولة محليًّا بحكم العرف، الذي جعل اللا منطق منطقًا متوافقًا عليه.

ووفق المنطق "النجيحي" (نسبة للعمّة نجاح)، تنقلب المقاييس العامة في هذه المقاطع رأسًا على عقب. فما رأته السيدة البيروتية في كندا من مظاهر الحضارة والتطوّر يتنافى مع "أعراف" الحياة في لبنان، التي وإن كانت خاطئة بشكل عام فهي باتت صحيحة كوضع خاص يعيشه اللبنانيون ويورثونه للأجيال المتعاقبة.

على نجاح شخصية "الست نجاح" هل يُختصر نجاح عايدة صبرا بهذه الشخصيّة؟. حتمًا لا. إلّا أن الأقرب إلى المتناول من مخزون الذاكرة عند ذكر صبرا هو تلك الشخصية "المهضومة" بالتعبير اللبناني الشائع. مع ذلك حريّ الوقوف عند "كاريزما" الفنانة التي تجمع التمثيل والإخراج والتدريب في شخصها. فهي فنانة دون إضافات. موهبة مصقولة بالدراسة والممارسة في "كار" كثُر روّاده وقلّ مبدعوه. فلمعت هي في التجارب الصعبة في زمن السهل والتساهل، فكانت في أعمالها المسرحية وبينها الإيمائية، وفي السينما كما على التلفزيون، وكذلك في مهامها التدريبية في برامج الهواة، نقطة القوّة في أعمال اختارتها قويّة أصلًا لأنها لا ترتضي للمشاهد إلّا ما يستحق.

اقرأ/ي أيضًا:

لوبان محط سخرية اللبنانيين.. مع حجاب وبدونه

كوميديا جاد غصن "تبع الأخبار": نكتة المراسل السمجة