30-سبتمبر-2017

من داخل أحد مصانع الزجاج في مصر (ألترا صوت)

في كتاب "صنايعية مصر"، تحدّث الكاتب عن التقرير الذي أصدرته الحكومة المصرية في مطلع عام 1928، وكان تحت عنوان "إنشاء الصناعات في مصر"، وجاء فيه: "كانت مصر تستورد من الخارج جميع ما تحتاج إليه من زجاج النوافذ والأبواب والقناني وغير ذلك من الأشياء المصنوعة من البلور، حيث بلغ ما دفعه المصريون ثمنًا للواردات من هذه الأصناف في عام 1927 ما يقرب من نصف مليون جنيه، ولم يكن في مصر مصنع واحد للزجاج باستثناء صناع جهة باب النصر بالقاهرة، وقد يكون لهم مثيل في الإسكندرية ويعدونه بالعشرات ويستجمعون الزجاج المكسور ويستعملونه مادة جديدة بأفران عتيقة وينفخون فيه ليصنعوا منه غويشات الذهب ويبيعونها بالقطعة للنساء في مصر".

علاقة مصر بالزجاج ليست حديثة وقد كانت صناعته تنسب للمصريين القدامى لكنها عرفت إهمالًا واسعًا وبقيت مقتصرة على مبادرات خاصة

بينما علاقة مصر بالزجاج ليست حديثة في حقيقة الأمر، إذ أُكتشفت بعض المنحوتات والأواني الزجاجية فيها وهي تعود لما قبل الميلاد، ووقتها كان ذلك الزجاج القديم من خامات ثمينة وباهظة السعر، الأمر الذي كان يجعلها حصرًا على أشخاص بعينهم في أغلب الأحيان. ومنذ ذلك الوقت البعيد، وعملية تصنيع الزجاج في مصر لم تأخذ حقها من الاهتمام والتوسّع إلا في فترات متقطعة وبسيطة، بينما كانت هذه الصناعة تنسب في الأساس إلى المصريين.

اقرأ/ي أيضًا:  الغزل والنسيج المصري.. صناعة وطنية لا تهم النظام

وعند الحديث عن صناعة الزجاج المصري، من المهم التعرض لـ"قرية الجراح"، تلك القرية الصناعية الصغيرة، التابعة لمركز أجا بمحافظة الدقهلية، وإحدى نماذج القرى الصناعية اليدوية التي استطاع رجالها ورجال المناطق القريبة منها، التغلب على ظروف صعبة وخلق ما يمكن الاستفادة منه على كافة المستويات من خلال صناعة الزجاج وفنّهم في زخرفته. في المكان، مصانع وورش تضم المئات من العاملين، قدموا منذ ما يقرب عن عشرون عامًا، حيث قرر أصحاب تلك المصانع وقتها اختيار القرية مستقرًا نظرًا للثمن البسيط للأرض إلى جانب بعده عن المدينة نفسها، ومنذ ذلك الوقت سرقت القرية أنظار الجميع ودخلت إلى البيوت أغلب المصريين من خلال منتجاتها.

يذكر أن صناعة الزجاج تعتمد حبيبات رملية تحولها النيران إلى زجاج خام (لامع) يمكن تشكيله بعد ذلك بإضافة بعض المواد الأخرى التي تعتبر "مواد أولية" أيضًا في صناعة أشكال زجاجية فنية مختلفة منه.

أثناء حوار "ألترا صوت" إلى العمال في أحد المصانع المصرية للزجاج، قالوا إن "عملية تصنيع الزجاج التي يعملون وفقها تكون من خلال عدة مراحل، تبدأ بتجميع ما يسمى بكيميائيات الخلطة، وهي عبارة عن رمال تحتوي على حمض السيليكون وكربونات الصوديوم والحجر الجيري، الذي يساعد في تقليل درجة انصهار الزجاج، كل ذلك كمواد أساسية تستخدم في التصنيع، ثم يقومون بدمجها عن طريق نفخ الخليط في النار، بدرجات حرارة عالية تتراوح ما بين 3 إلى 4 آلاف درجة مئوية، ثم توضع في الفرن لمدة من 4 إلى 5 ساعات، حتى تأخذ درجة الانصهار المناسبة للبدء في تصميم الأشكال والكميات المطلوبة، بعد ذلك يتم تحريك قطع الزجاج فوق النار بشكل بطيء حتى تتوزع النار على جنبات القطعة الزجاجية المراد تشكيلها، ليتم وضعها في آلة التمبرة في الفرن لتقوية وصلابة الزجاج، وفق حرارة من 600 درجة إلى أن تصل 40 درجة حتى لا تنفجر عند خروجها من الفرن، وأخيرًا تبدأ الزخرفة في أماكن أخرى".

اقرأ/ي أيضًا: فن التلي.. من الصعيد المصري إلى موضة عالمية

تعتبر قرية الجراح قلعة الزجاج في مصر وهي تضم ورشًا تتخصص كل واحدة منها في أحد مكونات الصناعة لكنها تعاني مشاكل تحد من ازدهارها

تضم بيوت هذه البلدة "قرية الجراح" مجموعة ورش، تتخصص كل واحدة منها في أحد مكونات هذه الصناعة، لكنها الآن تواجه مشاكل عدة تحدّ من ازدهارها، حيث لا تتوفر تأمينات على العمال، اللذين يتقاضون من 50 إلى 60 جنيه في اليوم (2.5 دولار تقريبًا) فقط ويعاني بقية شباب القرية من نسب بطالة حادة.

بينما يشتكي أصحاب المصانع من ارتفاع أسعار الخامات بالإضافة إلى الفرص القليلة للبيع خارج حدود السوق المحلي، وحدثنا بعضهم: "نحن نضطر في بعض الأوقات إلى أن نستورد بعض الزجاج من الخارج من بلدان مثل تركيا أو السعودية أو التشيك نتيجة جودة الخامات هناك وربما رخصها أحيانًا بالنسبة لما يعرض في مصر".

وبينما يعاني رئيس العمل والعامل نفسه مشاكل عدة في هذه الصناعة، تتجاهل الأطراف الحكومية توفير المواد الخام اللازمة للمصانع لتطوير عملها ولا تؤمن العمال لتساعد ولو بقسط على استمرار الصناعة وديمومتها.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

القفّاصون في مصر.. مهنة تنقرض وعمال يطلبون النجاة

بواقي التصدير في مصر.. طريق "الغلابة" إلى ملابسهم