07-أكتوبر-2019

تواجه الرياض عزلة دولية (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

أكدت صحيفة هآرتس العبرية صحة التقارير التي تحدثت عن نقل بعض المسؤوليين الدوليين رسائل من الرياض إلى طهران، تفيد برغبة الأولى تغيير سلوكها لإنهاء التوتر المتصاعد بين الطرفين في منطقة الخليج منذ آيار/مايو الماضي، وهو ما يتناقض مع تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير الذي نفى قبل أيام ما تداولته التقارير الصحفية بخصوص الرسائل، مشيرًا إلى أن ما حصل هو وجود "دول شقيقة سعت للتهدئة".

يأتي توجه الرياض للحل الدبلوماسي عوضًا عن الذهاب للمواجهة العسكرية مع طهران، بعد أقل من شهر على الهجمات الحوثية التي استهدفت منشآت النفط لشركة أرامكو

الرياض تتوسط باكستان والعراق لحل الخلاف مع طهران

وكشفت الصحيفة العبرية في تقريرها أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان توجه إلى عدد من الجهات، طالبًا منها التوسط لدى طهران بهدف التوصل لتفاهمات تضع حدًا للصراع القائم بين الدولتين، مشيرًة لحديث رئيس الحكومة الباكستاني عمران خان للصحافة بأنه كان أحد الأطراف الدولية الذين توجهّت لهم الرياض بهذا الخصوص، وأضافت نقلًا عن مسؤول عراقي في ديوان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي تأكيده أن الزيارة الأخيرة التي أجراها المهدي للرياض جاءت في إطار محاولة التوسط بين الرياض وطهران.

تأكيد الصحيفة العبرية لصحة التقارير الصادرة بهذا الشأن، دعمتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتقرير آخر ينقل على لسان مسؤول باكستاني رفض الكشف عن هويته، كشف أن الأمير السعودي أخبر خان أنه يريد "تفادي الحرب" طالبًا منه التدخل لهذا الغرض، مشيرًة إلى أن خان تحدث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأضافت الصحيفة الأمريكية أن  رئيس الوزراء العراقي اقترح خلال زيارته للرياض أن تكون بغداد مكانًا لعقد اجتماع محتمل بين الرياض وطهران بعد طلب ابن سلمان من المهدي التوسط لدى إيران.

اقرأ/ي أيضًا: الرياض تراسل طهران بوساطة دولية.. إلى أين يتجه الصراع في الشرق الأوسط؟

وكان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي قد صرح قبل أيام أن بلاده تلقت من قادة بعض الدول رسائل من السعودية وصلت للرئيس روحاني، مشيرًا إلى أنه "إذا كانت السعودية تسعى حقًا إلى تغيير في السلوك"، فإن طهران "ترحب بذلك"، إلا أن الجبير نفى ما تناقلته التقارير الصحفية عبر حسابه الرسمي على تويتر، مشيرًا إلى أنها "أمر غير دقيق"، وأضاف "ما حدث هو أن دولًا شقيقة سعت للتهدئة، وأبلغناهم بأن موقف المملكة يسعى دائمًا للأمن والاستقرار  في المنطقة".

وتأتي التطورات الأخيرة في إطار توجه الرياض للحل الدبلوماسي عوضًا عن الذهاب للمواجهة العسكرية مع طهران، بعد أقل من شهر على الهجمات الحوثية التي استهدفت منشآت النفط لشركة أرامكو السعودية شرقي المملكة، وهو الهجوم الأعنف منذ أيار/مايو الماضي عندما استهدفت طائرات مسيّرة للجماعة اليمنية محطتي ضخ لخط الأنابيب شرق/غرب يستخدم لنقل النفط السعودي من حقول المنطقة الشرقية إلى ميناء يطل على الساحل الغربي.

الرياض "تشعر  بالعزلة" دوليًا

وبعد الهجوم الأخير الذي استهدف منشآت أرامكو السعودية أكدت الولايات المتحدة الحليف الأبرز للرياض على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو أن قرار الرد العسكري سيكون سعوديًا، فيما سينحصر دور واشنطن في تقديم المساعدات، وليس القتال نيابة عن السعوديين.

ويزيد من ذلك تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مذكرًا الرياض بأنها ستكون مطالبة بدفع مقابل مالي في حال قدمت واشنطن مساعدات لها في أي تحرك ضد إيران، ما جعل الرياض "تشعر بالعزلة" بحسب الصحيفة العبرية، فضلًا عن تأكيد الأمير السعودي توجه بلاده للحل الدبلوماسي، والذي ظهر بشكل واضح خلال المقابلة التي أجراها مع برنامج 60 دقيقة على شبكة CBS الأمريكية، وقال في معرض إجابته على سؤال مرتبط بالأزمة مع إيران إنه "يفضل الحل السياسي على الحل العسكري".

واعتبر محللون أن طهران وواشنطن الطرفين الرئيسيين في الصراع الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط بالعموم وضعا جميع أوراقهما على الطاولة، ففي الوقت الذي ضاعفت واشنطن العقوبات الاقتصادية على طهران للدرجة القصوى، وصلت طهران إلى سقف التصعيد بعد هجمات أرامكو الأخيرة، ووجهت رسالة مباشرة تفيد بأن ما حصل في هجمات أرامكو يمكن تعميمه في أي مواجهة مقبلة، وأشاروا إلى أن ما سبق من أحداث في المنطقة كان من الممكن أن يشعل حربًا لو كان هناك نية لدى واشنطن بذلك.

وفي تطور جديد في إطار الحرب اليمنية الدائرة، جاء عقب الهجمات التي استهدفت بها جماعة أنصار الله الحوثي اليمنية منشآت أرامكو النفطية، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نقلًا على لسان مسؤولين سعوديين أن الرياض وافقت على إعلان رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة اليمنية مهدي المشاط عن وقف استهداف أراضي المملكة "بالطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة وكافة أشكال الاستهداف".

وأضاف المشاط أن الجماعة اليمنية تنتظر من الرياض رد "التحية بمثلها أو أحسن منها في إعلان مماثل بوقف كل أشكال الاستهداف والقصف الجوي" للأراضي اليمنية، وأوضحت الصحيفة الأمريكية في هذا الشأن أن الرياض وافقت على وقف محدود لإطلاق النار في أربع مناطق تحديدًا، تشمل العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2014، وأن الرياض تخطط لتوسيع الهدنة لتشمل أجزاء أخرى من اليمن، في حال أثمرت جهود وقف إطلاق النار الجزئي بالفعل في المناطق الأربع المذكورة.

ملاحظات على هجمات أرامكو السعودية

نشر معهد واشنطن في الأول من الشهر الجاري، ورقة تضمنت مجموعة ملاحظات خاطب بها نورمان رول، سوزان مالوني، ومايكل سينغ، منتدى سياسي للمعهد تضمنت تحليلًا للهجوم الذي ضرب منشأتي أرامكو النفطيتين. يمكننا هنا تلخيص أبرز ما جاء بها:

ترى مالوني أن نهج إيران التصعيدي خلال الأشهر الأربعة الماضية أتى بثماره بعدما أصبح المجتمع الدولي أكثر تجاوبًا مع المسؤولين الإيرانيين، وعلى الرغم من أن الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني تنظر إلى أن التصعيد الإيراني "غير مقبول"، فإنها في مقابل ذلك تحمّل "الولايات المتحدة مسؤولية إصلاح الأوضاع"، وإضافًة لذلك قدمت مبادرات كثيرة، كان من بينها تعهد فرنسا بتقديم قروض بقيمة 15 مليار دولار لطهران، بينما التقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالرئيس حسن روحاني.

واعتبر رول في ملاحظاته أن ترامب كرر بعدة طرق سياسات الرئيسين السابقين للولايات المتحدة جورج بوش الابن، وباراك أوباما، عبر تزويد حلفاء واشنطن "بالأسلحة الدفاعية، وتجنب النزاعات، ومحاولة جمع الشركاء المترددين ضمن تحالف واحد"، وعلى الرغم من اعتبار الأطراف الأوروبية "شريكًا مهمًا من عدة نواح"، فإنهم ليسوا "شركاء مناسبين دائمًا"، نظرًا لأن الأطراف الأوروبية لا تستطيع وضع حد للعقوبات أو الإجراءات الأمريكية، ولا تزال تطالب واشنطن بشيء واحد فقط، هو العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، كما أن قدرتها على الضغط على طهران لا تتعدى رغبتها في تفعيل الاتفاق النووي مجددًا، ومعالجة مشاكلها المالية.

أما سينغ فيلخص ملاحظاته بمجموعة من النقاط يرى ضمنها أن طهران أوفت بوعدها الذي قطعته سابقًا بأنها "إذا لم تستطع تصدير النفط، فلن تتمكن الدول المجاورة لها من تصديره أيضًا"، وتحاول كذلك فصل واشنطن عن حلفائها لإخراجها من منطقة الخليج بالكامل، كما أن الحكومة الإيرانية تريد تغيير قواعد اللعبة لصالحها من خلال التصعيد النووي، لأنها تدرك أن العقوبات لا تنجح دائمًا، وإذا نجحت فإنها تستغرق بعض الوقت، ويضيف سينغ في ورقة ملاحظاته أن قدرة طهران على تحمل المخاطر في الشرق الأوسط تفوقت على قدرة الولايات المتحدة، كما أن التزامها بتحديد مسار الشؤون الإقليمية كان أكبر من الالتزام الأمريكي.

وعلى الجانب الآخر في إطار الجهود الفرنسية المبذولة لعقد اجتماع بين واشنطن وطهران، أكد الرئيس الإيراني في تصريحات مؤخرًا ما نقلته الصحف الغربية عن رفضه إجراء مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فقد قال في هذا الصدد إن الموضوع "تحوّل إلى خبر صادم كان مهمًا جدًا بالنسبة للأمريكيين. وكانت ستترتب عليه تغيرات في معادلات السياسة الداخلية للولايات المتحدة. ما يهمنا هو مصالحنا، وليس ما يستهدفونه".

اقرأ/ي أيضًا: التحالف الهش.. الرياض تقف وحيدًة في مواجهة طهران

وأضاف روحاني في كلمة له أمام البرلمان الإيراني يوم الأربعاء الفائت أنه "حسب الخطة الفرنسية، لن تكون إيران ساعية للتسلح النووي، وستساهم في تحقيق السلام بالمنطقة، وأمن الممرات المائية، وهذا ما نفعله أصلًا. في المقابل، سترفع واشنطن جميع العقوبات عن طهران، وسيتم السماح ببيع البترول وإيصال عائداته إلينا"، واشترط في كلمته عودة واشنطن للاتفاق النووي، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران لعقد اجتماع في نيويورك يضم إلى جانب طهران مجموعة 5+1.

بعد هجوم أرامكو أكدت الولايات المتحدة الحليف الأبرز للرياض على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو أن قرار الرد العسكري سيكون سعوديًا، فيما سينحصر دور واشنطن في تقديم المساعدات

وكانت جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ترتيب اتصال هاتفي مؤمن بين ترامب وروحاني على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد فشلت، بعد رفض روحاني الرد على اتصال ماكرون، كما أن الرئيس الفرنسي فشل بذلك شخصيًا بعدما قرر الذهاب إلى غرفة روحاني لإقناعه بإجراء المحادثة مع ترامب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 المرحلة الثالثة لتقليص التعهدات النووية.. طهران تتجه للتصعيد

تداعيات الهجوم على منشآت أرامكو.. هل انتصرت إيران على العقوبات الأمريكية؟