20-ديسمبر-2018

أكدت الدوحة على موقفها الثابت من الحصار السعودي الإماراتي (تويتر)

تصريحات سعودية بدت كأنها خطوة للتقارب في محاولة لإنهاء "الأزمة الخليجية"، لكنها في الواقع لا تقدم جديدًا؛ هكذا بدأت المناورات السعودية لمحاولة الخروج الآمن من مغامرة حصار قطر.

 لا يبدو للعيان أن هناك سعي حقيقي سعودي لحل الأزمة الخليجية، وإنما هي مناورة واضحة مع تزامن قضايا شائكة وضغوط متفاقمة على الرياض

ما زال الحصار مستمرًا، والهجوم الإعلامي السعودي والإماراتي متزايد، ومسؤولون في الإمارات يحملون لواء الهجوم على قطر دون هوادة،  مع تناقضات عدة تعطي انطباعًا أن ما يحدث اقرب لـ"مناورة" سعودية، في محاولة للتخفيف من حدة الضغط الدولي عليها، خاصة بعد اغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فيما امتدت تلك الضغوط لحصار قطر و"الأزمة الخليجية" ولعدة ملفات على المستوى الداخلي والخارجي، كحالة الحقوق والحريات، والحرب على اليمن، ، بينما تؤكد الكويت، وسط كل ذلك، وهي اللاعب الأساسي لدور الوسيط في حل الأزمة، أن "قطر لم تحرق مراكب العودة"، ما يشير إلى أن استمرار الأزمة مسئولية دول الحصار وحدها.

أمام تلك التناقضات أو المناورات السعودية الإماراتية، كان موقف الدوحة لافتًا، إذ رفضت أن تكون ورقة تطرح على الطاولة لتجميل الموقف السعودي أمام العالم، وأصر المسؤولون القطريون على موقفهم بداية من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي أكد خلال كلمته في منتدى الدوحة منذ أيام على أن موقف بلاده لم يتغير، مشيرًا إلى أن أي حل يجب أن يسبقه رفع الحصار وأنهاء الخلافات بالحوار القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول". وهو ما عاد وأكد عليه وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة أجرتها معه قناة CNBC الأمريكية، متهمًا الرياض ودول الحصار بالتنمر على بلاده واستفزازها، مشيرًا خلال اللقاء الذي نشر يوم الأحد، إلى أن دول الحصار ليست مستعدة لحل الأزمة الخليجية، بل تتجه نحو التصعيد وتفكر بتغيير الحكم في قطر.

اقرأ/ي أيضًا: الطريق إلى لاهاي.. انتهاكات الإمارات أمام استحقاق حصار قطر

تودد سعودي للدوحة

 كانت المملكة قبل أيام من أزمة اغتيال خاشقجي متزعمة للحصار الذي فرضته هي وثلاثة دول أخرى، الإمارات والبحرين ومصر، على قطر، منذ حزيران/ يونيو عام 2017. لكن جريمة الاغتيال، التي ارتكبها رجال أمن مقربون من محمد بن سلمان، بترتيب مع سعود القحطاني مستشار ولي العهد، فيما تعتقد المخابرات الأمريكية CIA أن الحاكم الفعلي للمملكة مسؤول ومحرض على الجريمة. كان هذا نقطة التحول في المواقف السعودية، واختلف التعامل الرسمي مع الدوحة بشكل جذري وظهر التودد السعودي لقطر، من الأقل نفوذًا داخل الأسرة الحاكمة كالأمير خالد الفيصل أمير مكة، مرورًا بوزير الخارجية عادل الجبير والملك سلمان، انتهاء إلى ابن سلمان نفسه.

تكشف التسريبات أن رفع حصار قطر كان جزءًا من العروض التي نقلها الأمير خالد الفيصل عندما سافر إلى تركيا كمندوب عن الملك سلمان، في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عقب أيام من اكتشاف تورط السعودية في قتل خاشقجي. ووفقًا لنيويورك تايمز، قام الفيصل بتقديم عرض سعودي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للتغطية، على ملف الاغتيال، وكان من بين التعهدات والحوافز التي عرضها "إنهاء حصار قطر، إضافة إلي مساعدات مالية واستثمارات سعودية تضخ في تركيا"، ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من الرئاسة التركية أن أردوغان اعتبر العرض رشوة سياسية ورفضه. بالإضافة إلى أنه لم يدرك استقلالية القرار القطري، رغم التحالف المتين مع أنقرة.

واقعة الفيصل لم تكن إلا واحدة ضمن محاولات سعودية أخرى للتودد للدوحة، من أبرز تلك المحاولات الدعوة التي أرسلها الملك سلمان لأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، يدعوه فيها لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في 9 كانون الأول/ديسمبر الجاري، وتأتي تلك الدعوة على العكس من الموقف السابق للملك سلمان عندما رفض العام الماضي، حضور قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت، وتناقلت وسائل الإعلام تحليلات تفيد أن رفض الملك يأتي بسبب مقاطعة قطر وحضور أميرها للقمة، واكتفت السعودية بسفر عادل الجبير وزير الخارجية للكويت.

الموقف الثالث في التودد السعودي كان بطله الجبير، وزير الخارجية السعودي، والذي يعد أحد أبرز المهاجمين لقطر وسياستها، فقبل أيام من حادثة خاشقجي، وخلال خلال لقاء جمعه في نيويورك بممثلين عن الموساد الإسرائيلي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول/سبتمبر الماضي، حمل الجبير قطر مسؤولية ظهور تنظيمات القاعدة والتكفير والهجرة، وتحدى قدرة القطريين على الصمود أمام المقاطعة وقال: "نستطيع الصبر حتى 10 أو 15 سنة".

لم يكن في حسابات الجبير أن المعادلات ستتغير قريبًا، وسيكون أول المدفوعين لاستجداء الدوحة، فاختفى المهاجم القديم لقطر، وظهر بدلًا منه جبير آخر خلال المؤتمر الصحفي، نهاية تشرين الأول/أكتوبر، على هامش "حوار المنامة"، الذي يُعقد سنويًا في البحرين، قائلًا إن "دول الخليج العربي، ومعها مصر والأردن، ماضية بالمشاورات حول تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، المعروف باسم ميسا، أو الناتو العربي"، مضيفًا أن "النزاع مع قطر لن يكون له تأثير على التحالف".

اقرأ/ي أيضًا: واشنطن بوست: حصار قطر يبوء بالفشل!

أما الراس الكبيرة ولي العهد محمد بن سلمان الذي تصفه بعض الصحف الغربية بالمتهور، وخلال حديثه مع وكالة بلومبرغ بعد يومين  من مقتل خاشقجي، حيث كان ينفي مقتله حينها، اتهم قطر بتجنيد عملاء للتخابر على السعودية، وسبق للأمير في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار عام 2017، أن وصف الأزمة مع قطر بـ"قضية صغيرة جدًا جدًا جدًا، ولن تؤثر على الاستثمار"، ولكن الموقف تحول بشكل درامي في نفس المؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" 2018، الذي قاطعته العديد من الدول والمسؤولين إضافة إلى وسائل الإعلام ورجال أعمال ورؤساء تنفيذيين لشركات كبري، بسبب مقتل خاشقجي، وفاجأ الأمير الحضور بقوله إن "اقتصاد قطر قوي، وسيكون مختلفًا ومتطورًا بعد 5 سنوات ".

ثبات موقف الدوحة

أمام كل ذلك تظهر المواقف القطرية والتصريحات المتعلقة بالأزمة الخليجية صلبة وثابتة، ولم تلهث الدوحة إلى الرياض، عقب تصريحات ولي العهد ووزير خارجيته الودودة في ظاهرها، المناورة في باطنها، بل على العكس التزمت بنفس التصريحات ونفس الموقف الذي بدأت به الأزمة. وحتى عقب دعوة الملك سلمان، لم يسافر أمير قطر للسعودية لحضور القمة الخليجية، واكتفت الدوحة بتمثيل محدود. وخلال كلمته خلال افتتاح منتدى الدوحة 18 السبت، أكد على أن موقف بلاده لم يتغير من حل الأزمة الخليجية، وشدد على ضرورة عدم التدخل بشؤون الدول الداخلية، مجددًا التأكيد على أن "الحوار هو الذي يكسر الهوة بين الفرقاء مهما اشتدت الخلافات".

جاء موقف الدوحة من مناورات السعودية بشأن الأزمة الخليجية لافتًا، إذ رفضت أن تكون ورقة تطرح على الطاولة لتجميل الموقف السعودي أمام العالم

وعقب تصريحات ولي العهد السعودي عن اقتصاد قطر، قال نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الدولة لشؤون الدفاع، خالد بن محم العطية، إن قطر لن تنحني أبدًا، ولا تسلم قرارها ولا سيادتها لأحد، وأكد على أن المصالحة مرهونة بعدة شروط، منها "الاعتذار للشعب القطري، ورفع الحصار المفروض على قطر منذ الخامس من يونيو 2017، والجلوس على طاولة الحوار".

فيما أكد محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري على نفس الشروط، وانتقد عمل مجلس التعاون الخليجي وأمينه العام خلال منتدى الدوحة الـ18، وقال معتبرًا أن "لا حول ولا قوة" له، وأن التحالفات الإقليمية بحاجة إلى إعادة تشكيل، وأنه يجب تفعيل مبادئ جديدة للحكم. ولكنه استمر في التأكيد على أن بلاده لا تزال ملتزمة بمجلس التعاون الخليجي.

خالد العطية:  قطر لن تنحني أبدًا، ولا تسلم قرارها ولا سيادتها لأحد

في نفس السياق، أكد خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي على أن قطر توافق على الحوار، وقال إن "قطر لم تحرق مراكب العودة إلى المصالحة على الإطلاق، ولن تحرقه"، وتتحرك بشكل طبيعي بالرغم من الحصار المفروض عليها من جانب أربعة دول عربية، وتستمر في التعامل بشكل معتاد، على كافة المستويات الإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية.

أمام تلك التناقضات، لا يبدو للعيان أن هناك سعي حقيقي سعودي للصلح، وإنما هي مناورة واضحة مع تزامن قضايا شائكة وضغوط، وتفاقم الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الرياض، بفعل الخطط الاقتصادية لولي العهد الغارقة بالتناقض والفشل، إضافة إلى الأموال التي تنفق على حرب اليمن، والتسليح السعودي المبالغ فيه، والضغوط التي تتزايد بسبب أزمة قتل خاشقجي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الوزير "المقاتل" محمد بن عبد الرحمن.. من جولة الدفاع إلى تعرية دول الحصار

سنة على حصار قطر.. السعودية تختبئ وراء البلطجة والتشويش