30-يناير-2020

الملاكمة اليمنية سهام عامر خلال إحدى التدريبات (سهام عامر - الترا صوت)

بعد أن قطعن أشواطًا متقدمة في مشوارهن الذي بدأ مطلع الألفية الثالثة، وبعد أن اجتزن عوائق العادات والتقاليد المقِيّدة؛ تصارع نساء يمنيات برعن في ألعاب رياضية ومنافساتها داخل وخارج اليمن، من أجل الاستمرار في نشاطهن، في ظل واقع متردٍ خلفته الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات.

بعد قطعهن أشواطًا في مشوارهن، تصارع نساء يمنيات للاستمرار في نشاطهن الرياضي في ظل واقع متردٍ خلفته الحرب

قصص كثيرة للمرأة اليمنية في المجال الرياضي، من بينها قصة بطلة العالم في الملاكمة سهام عامر، وبطلة الجودو ريم عتيق، وأخريات يسلط "الترا صوت" الضوء على مشوراهن الرياضي.

اقرأ/ي أيضًا: رغم توقف النشاط الرياضي في اليمن.. لماذا تشهد المصارعة ازدهارًا استثنائيًا؟

عوائق أمام الرياضيات اليمنيات

في بداية مشوارها، واجهت سهام عامر اعتراضًا شديدًا من أسرتها على ممارسة لعبة الملاكمة، لأسباب تعود للعادات والتقاليد ونظرة المجتمع التقليدية للمرأة اليمنية. لكن في النهاية، استطاعت سهام أن تقنع عائلتها بأن ما ستقوم به لن تتحدى به أحدًا في مجتمعها، مبررة: "لن أمارس نشاطًا يخالف التعاليم الدينية". وبعد موافقة الأهل، كان أمام سهام تحدي إقناع إدارة الاتحاد اليمني للملاكمة، بقبولها في عضويته، باعتبارها أول امرأة تدخل الاتحاد.

سهام عامر

 تروي سهام لـ"الترا صوت" بدايات رحلتها: "كنت أتدرب بمفردي في صالة مغلقة بسبب عدم وجود معسكرات تدريب خاصة بالفتيات. وكنت أشعر بالإحباط بسبب البيئة التي كانت تنفرني، حتى أنني كنت سأترك اللعبة"، في هذه المرحلة، ظهر خالد الغيلاني، رئيس الأكاديمية الدولية للفنون القتالية بالعاصمة صنعاء، والذي "بعث الأمل" لسهام بأن ساعدها في استكمال تدريباتها.

عملت سهام عامر رفقة الغيلاني على تشجيع الفتيات ممن يرغبن في إبراز مواهبهن في الملاكمة، على خوض غمار التجربة، حتى نُظمت في اليمن أول بطولة ملاكمة للفتيات عام 2006. في تلك البطولة حصلت سهام على ميدالية ذهبية: "كانت تلك اللحظة أول ثمار جهودي في مشوار كنت أحلم به"، تقول سهام.

انعكست آثار الحرب، كما على كل شيء في اليمن، على الرياضة عمومًا، والرياضة النسائية خصوصًا. لكن سهام، وكما قالت: "لم أستسلم، ففي العالم الرابع للحرب، حصدت ميدالية ذهبية في بطولة عالمية للملاكمة، أقيمت في بيلاروسيا". 

وكانت رحلة سهام إلى بيلاروسيا في حد ذاتها تحدٍ، إذ توجب عليها المرور برًا بخمس محافظات يمنية قبل الوصول إلى مطار سيئون بحضرموت، بسبب إغلاق مطار العاصمة صنعاء.

عائلات رياضية

ومن محافظة تعز، الأكثر انفتاحًا بالنسبة للمحافظات اليمنية الأخرى، خصوصًا في ظل ارتفاع نسبة التعليم، وتعليم الفتيات خاصة؛ وجدت ريم عتيق فرصًا أوفر للتدرب على رياضة الجودو.

ووالد ريم، الكابتن عبدالله عتيق، هو مدرب النادي الأهلي اليمني لكرة القدم. وقد حظيت ريم بدعم كبير من والدها الذي ساهم في تأسيس فريق جودو للفتيات. ومن الأسرة الرياضية، حيث كانت شقيقتها مدربة ألعاب رياضية للفتيات؛ قطعت ريم أشواطًا كبيرة في الجودو، حتى كانت أول يمنية تحصد ذهبية في الجودو.

الرياضة النسائية في اليمن

 لكنها توقفت عن ممارسة اللعبة، بعد إصابة في الكتف لم تسعفها أوضاع بلادها في تلقي العلاج اللازم لها. ومع ذلك لم تبتعد ريم تمامًا عن الرياضة، فدرست في كلية التربية الرياضية، كما عملت مساعدة مدرب في منتخب الفتيات لألعاب القوى، ولعبت أيضًا كرة القدم، حتى اختيرت في منتخب كرة القدم النسائي، والذي تقول ريم إن التحالف السعودي الإماراتي منعه عدة مرات من السفر للمشاركة في البطولات العربية.

مكتسبات ضائعة

في عام 2006 ألغت اللجنة المنظمة لبطولة الجودو مشاركة منتخب اليمن للفتيات، بسبب ارتداء لاعباته للحجاب. أثار ذلك المنع حفيظة الرأي العام اليمني، لكنه في ذات الوقت دفع الجهات الرسمية آنذاك لإبداء اهتمام أكبر بالرياضة النسائية، فخصصت ميزانية مالية لدعم أنشطة الرياضة النسائية من صندوق رعاية النشء والشباب التابع لوزارة الشباب والرياضة، كما أسست عدة أندية رياضية نسائية، مثل نادي بلقيس ونادي الشرطة.

كما عينت لأول مرة، امرأة في منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، وعينت نساء كمسؤولات عن النشاط الرياضي النسائي في 13 اتحادًا مختلفًا للألعاب الرياضية. وبالجملة، بلغ عدد الفتيات الممارسات لألعاب القوى والسلة 300 لاعبة يمنية من 10 محافظات.

هذا وعرفت ألعاب القوى والسلة والتنس والطائرة وكرة القدم الخماسية، في اليمن، تميزًا نسائيًا، وفقًا لأروى آل ياس، نائبة رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، التي استدركت في حديثها لـ"الترا صوت"، قائلةً: "لكن الحرب أدت لانتكاسة كثير من الفتيات اللواتي تركن الرياضة واتجهن نحو مهن أخرى، فغالبية اللاعبات اليمنيات متعلمات، فاضطررن لمزاولة مهن أخرى بشهاداتهن لمجابهة قسوة الحرب".

يُذكر أنه مع اندلاع الحرب في 2015، توقفت أنشطة اتحاد الجودو في اليمن، وتوقف معه نشاط أروى آل ياس، التي كانت قد أحرزت مراكز متقدمة في البطولة العربية للأندية للسيدات، والتي أقيمت في المغرب عام 2014. وقبل نحو شهرين فقط، استأنف اتحاد الجودو اليمني أنشطته. 

صعوبات العودة

لا يزال استئناف النشاط الرياضي النسائي بكامل قوته، أمرًا صعبًا، في ظل توقف البطولات التنشيطية التي كانت تعقد قبل الحرب على مدار السنة، بالإضافة إلى توقف التدريبات والتمارين على مستوى مراكز وأندية العاصمة صنعاء على الأقل.

الرياضة النسائية في اليمن

إلى جانب ذلك، فإن ضعف التمويل والدعم المادي الذي تتلقاه الأنشطة الرياضية النسائية في اليمن، يُصعّب مساعي استئنافها، بالإضافة إلى عدم توفر بنية أساسية للأنشطة الرياضية النسائية في المدارس.

وتقول الأكاديمية اليمنية غادة المصري في حديث لـ"الترا صوت"، إن الحرب "طالت الرياضة النسوية، حيث تم قصف الصالات الرياضية التي كانت مخصصة للتدريبات في المدينة الرياضية بصنعاء، وكذلك تسببت الحرب بوقوع أزمات في تمويل الأنشطة الرياضية، وانخفاض الحافز لدى اللاعبات في المنتخبات الوطنية، وصاحبات الإنجازات على المستوى الوطني والعربي".

أدت الحرب في اليمن لانتكاسة كثير من الفتيات اللواتي تركن الألعاب الرياضية التي برزن فيها، واتجهن لمهن أخرى لجابهة قسوة الحرب

وتقترح غادة المصري إنشاء برامج تأهيل أكاديمية رياضية، تشمل مدرسات التربية الرياضية، والعمل معهن، عبر برنامج قومي، لانتقاء المواهب الرياضية بين الفتيات في المدارس على مستوى المحافظات، ثم إعدادهن جيدًا للمشاركة في البطولات المحلية والدولية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رياضيو اليمن.. إلى "الإسلام الجهادي" دُر؟

القفز فوق الجمال.. رياضة في اليمن