21-يناير-2017

عجوز فلسطينية في غزة 1987 (بيتر تيرنلي)

ما هي العلاقة بين الرومانش، وهي لغة لا يتحدث بها إلا 60 ألف نسمة في كانتون غرابوندن في الجزء الشرقي من سويسرا، وبالتحديد في مدينة جريزون الجبلية شديدة الجمال حيث المنتجعات العالمية سانت موريس ودافوس الشهيرة للاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، والقضية الفلسطينية؟

لابد من تحية روّاد الرومانش الذين يدافعون عن هويتهم بقوة حتى أن لهم بثًا إذاعيًا وتلفزيونيًا بلغتهم التي تكاد تندثر

في البداية سوف يفكر المرء أنه لا علاقة بين الاثنين، ولكن في حقيقة الأمر هناك علاقة البقاء والإصرار على الدفاع عن الهوية واللغة والثقافة. ففي جريزون يخوض الشعب الذي يتحدث الرومانش معركة ضروسًا من أجل الإبقاء على لغة تعتبرها الأغلبية لغة في طريقها إلى الزوال بسبب لغات العولمة التي تحاصر اللغات المندثرة والتاريخية. وفي فلسطين، وهي قضية بطبيعة الحال أكبر، نرى قضية بقاء شعب وأرض وتراث وتاريخ وهوية فلسطينية عربية.

اقرأ/ي أيضًا: طَريقُنا إلى القدس عبر غبار حلب الكوني

 ولكن لماذا المقارنة؟ لأنه رغم حياة سكان جريزون التي تتميز بالراحة نسبيًا لأنهم يعيشون في أكثر دول العالم رفاهية إلا أنهم يدافعون من أجل الحصول على كل فرنك سويسري من أجل الإبقاء على هذه اللغة. ولكن أصحاب لغة الرومانش التي تتناقل من جيل إلى آخر للحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية يعيشون أيضًا في دولة تنعم بالسلام والاستقرار وهو أيضًا يجعل معركة الكفاح من أجل بقاء هذه اللغة معركة أسهل بكثير من معركة شعب يعيش كل يوم من أجل البقاء في الحصول على احتياجات الحياة الأساسية.

وقد يبدو للقارئ أن هذه معركة من معارك الرفاهية ولكن في حقيقة الأمر هي معركة الإنسان، التي لا تختلف من مكان إلى آخر في التمسك بروابط الجذور والهوية، فالإنسان الرومانشي لا يختلف عن الإنسان الفلسطيني الذي يدافع من خلال معركة مسلحة وسياسية عن روابط الجذور في الاحتفاظ بأرض فلسطين.

ولكن بطبيعة الحال هناك اختلافًا فالقضية الفلسطينية تعيش معركة أن يكون الفلسطيني أو لا يكون، أما الرومانش فهي فقط معركة بقاء لغة تندثر مع الجيل الجديد الذي يلفظها لأنه يفضّل تعلم اللغات التي تفتح آفاق العمل أمامه مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية. ومع اختلاف طبيعة المعركة فلابد من تحية روّاد الرومانش الذين يدافعون عن هويتهم بقوة حتى أن لهم بثًا إذاعيًا وتلفزيونيًا بلغتهم التي تكاد تندثر.

ولكن كيف أصبحت هذه اللغة لغة الأقلية القليلة في سويسرا؟ في عام 1464، وقع حريق أتى على عاصمة الجريزون، ولما قرر الألمان إعادة بناء العاصمة كور كان بناة العاصمة من الرجال الألمان الأشداء وتزوج الكثير منهم النساء من الرومانش، ورفض الرجال تعلم لغة النساء فتعلمت النساء لغة الرجال، ومن هنا أصبحت اللغة الألمانية في المنطقة هي لغة الجميع، ولغة الرومانش هي لغة الأقلية.

اقرأ/ي أيضًا: إدوارد سعيد والموقف من الماركسية

وعودة إلى الحديث عن القضية الفلسطينية التي قد تواجه أصعب الطرق أمامها بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أتت باليميني المجنون دونالد ترامب رئيسًا، وبافتراض حُسن النية، فإن الرئيس الأمريكي الجديد، أيًا كان اسمه وملابسات انتخابه، هو رئيس يقضي فترته الرئاسية الأولى ويتمنى من جانبه أن تمتد إلى فترة ثانية، فإن أحدث تقدمًا على أساس عدل متكافئ بين الفلسطينيين والإسرائيليين في فترة رئاسته الأولى، وهو أمر يرقى إلى المعجزة، فإنه سوف يسعى إلى فترة ثانية حتى 2024، ومن هنا ربما يتأجل الحل العادل لمدة أربع سنوات قادمة بسبب خريطة المصالح الأمريكية داخليًا وخارجيًا التي تربط أمريكا بشكل عضوي بمصالح إسرائيل في المنطقة.

إننا الآن أمام رئيس أمريكي منحاز للجانب الإسرائيلي وينتوي نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس

ولكننا الآن أمام رئيس أمريكي منحاز بشكل واضح إلى الجانب الإسرائيلي وينتوي نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، في سابقة لم يجرؤ عليها أي رئيس أمريكي من قبل، وبالامتداد نشهد تراجعًا لآفاق حل الدولتين بسبب الوضع على الأرض الذي يشهد استمرارًا للاستيطان الإسرائيلي وتشددًا في الخطاب وتزايد الشعور بالإحباط.

هذا المناخ غير الباعث على التفاؤل بخصوص أي تقدم في ملف التفاوض يوجب علينا الاستفادة من معركة الرومانش، فالمدافعون عن بقائها لم يكلّوا ولم يملّوا في الدفاع عن لغتهم، وعلينا نحن في الجانب العربي والفلسطيني أن نقوم بالمثل، وعلينا أن نعمل على تغيير المعادلة الأمريكية في صالح القضية العربية، أو البحث عن بدائل تكتيكية أخرى، فربما يأتي الحل، ربما.

اقرأ/ي أيضًا:
حائط المبكى... الذبح كما لو أنه قبلة على العنق
بعد اغتيال الزواري.. الشارع التونسي يضغط ويحتج