05-ديسمبر-2016

تصميم تعبيري (دون فيرال)

لست مكتئبًا، ولا تنتابني لحظات انتحار وجداني أو جسدي، ولكنني أشعر بعدم الجدوى، وكثير من الإحباط، وأن العلاقة مع الكائنات التي تسمى بشرًا باتت صعبة ومثيرة للعزلة.

أمشي في شوارع هذه المدينة البلدة الغريبة، وأتفحص وجوه البشر الطبيعيين. لقد كنا مثلهم تمامًا قبل فترة ليست بعيدة. نغني ونصفق ونطلب من مطرب الفرقة الشبابية أن يغني لنا أغانينا البعيدة عن جيلهم فيصفق أيضًا معنا كثير من الشبان الذين اعتقدنا أن الزمن ترك مسافته بيننا.

هنا. ستجد المغامرين المصرين على نداءاتهم الأولى، وهم قلة أضحت مثار انتقاد وإقصاء، ومقابلهم تجد المنتفعين أيضًا من إصراراهم، ويقبضون ثمن الرأي المعاكس، وفي كلا الحالتين يضيع وطن أكلته صراعات المختلفين حول طرق التغيير، ولكنهم متفقون على أحداثه، وهذا يعني مزيدًا من الموت هناك، وهزائم كبيرة للمتحاربين على الجبهات. ثمة جبهات سقطت وأخرى يجري إفراغها فيما ثلة الباحثين عن التغيير مازالت تبحث في المصطلح.

الآن تستطيع أن تعد أسماء الذين بقوا قرب البلاد، ولا تستطيع إحصاء آلاف المهاجرين بحثًا عن الحلم في السويد وفرنسا وهولندا

الآن تستطيع أن تعد أسماء الذين بقوا قرب البلاد، ولا تستطيع إحصاء آلاف المهاجرين بحثًا عن الحلم في السويد وفرنسا وهولندا. وفجأة من داخل زنزانات اللجوء الحقير يرسلون رغبات العودة والجوع. ماذا صنعنا بأنفسنا ووطننا، وما الذي سنفعله هاهنا سوى العمل بشروط البلدان المضيفة التي لا تريدنا سوى نسخة ثانية معدلة، وعمالة محفزة لمهن لا يعمل بها السكان الأصليون.

في مقابل هذا التشظي للشريحة السورية الفاعلة كما كان يعتقد. هنا في هذا السوق آلاف السوريين الذين لا يهتمون لما يجري ببلادهم. هنا وجدوا ضالتهم التي فقدوها في الوطن، والبديل الذي عوضهم خسائر الدكاكين والسيارات ومشاوير الشواء.

أما على الصعيد الوطني فهم ليسوا مع أحد، وإن كان لا بد من التحديد فهم مع الأقوى والمنتصر الذي سيرفع رايته وحدها أخيرًا، ومع كل الرايات السوداء والبيضاء والملونة إن اضطرهم الأمر.

هم الأغلبية الصامتة التي تنتظر نتيجة الصراع منذ أول طلقة في الهواء. (حوالينا ولا علينا)، لذلك اختاروا الخروج من الوسط باتجاه الحياد، وكأنهم لم يمشوا يومًا في شارع أو زقاق وطني، وهم نفسهم من اختاروا البقاء بانتظار أن تفضي المذبحة إلى منتصر، يصفقون علانية هنا، وخلسة هناك.

هؤلاء ليسوا فقط مواطنين لا حول لهم ولا قوة، هم أغلبية ضاربة، وتصنع الفارق، تجار ومثقفون وأصحاب شهادات عليا، وخبرات وطنية آثرت النأي بنفسها عن الدم، ووقف تتفرج على النهايات التي يصنعها السلاح معتقدة أنها في منأى عن الصراع.

بهذا السوق آلاف السوريين الذين لا يهتمون لما يجري ببلادهم. هنا وجدوا ضالتهم التي فقدوها بالوطن والبديل الذي عوضهم خسائر الدكاكين

الأغلبية الرمادية موزعة بين الخارج والداخل، ولا تحمل مشروعًا وطنيًا لكنها تحمل حلم عودتها فقط إلى المكان الذي لم يعد.

هنا صحفيون انقلبوا على ذواتهم، وتاهوا. هنا يربون أنفسهم من جديد على لغة الجلد والبراءة، ويتبرؤون من كل ما قالوه بتدويره مثل نفايات عفنة يمكن أن تصير علبة بلاستيكية ذات نفع، وهم يحلمون ببراءة من مالهم المدنس بارتباطات غير نظيفة ظلوا طوال السنوات الأخيرة يخدمون مشاريع الغير على أنها مشاريع الوطن.

الرماديون. اليوم هم الأغلبية الساحقة القاتلة التي تسحب إليها الشرائح التائبة. لكن لا أرض للجميع في مستقبل الوطن القريب.

اقرأ/ي أيضًا:
لاجئون على الطريق
الأمني/الإنساني.. جدلية اللجوء السوري في مصر