18-ديسمبر-2020

توقيع اتفاقيات إبراهيم في البيت الأبيض في 2020

في خطوة مباغتة، انضم المغرب إلى الدول التي أعلنت عزمها على إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل، ليصبح بذلك البلد الرابع في العالم العربي الذي يعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب توقيعه اتفاقية مع إسرائيل، بعد الإمارات والبحرين والسودان.

هذا الركض نحو إسرائيل ما هو إلا تعبير عن هشاشة الأنظمة العربية وضحالتها. مساومات مقيتة وضغط واضح وصل إلى حد الابتزاز، يبدو أن التطبيع بدأ بنخر الجسم العربي لينتشر في كل أجزائه مثل الطاعون.

 

هذا الركض نحو إسرائيل ما هو إلا تعبير عن هشاشة الأنظمة العربية وضحالتها. حيث المساومات المقيتة والضغط الذي وصل إلى حد الابتزاز

بطبيعة الحال لقد خلق هذا الفشل والانهيار الأخلاقي للأنظمة فضاء خصبًا لهذا الانحدار، تدمير حواضر العرب وعواصم قراراتها. فيما يبدو أوجد هذا الفراغ الرهيب الذي مكن أنظمة المنطقة الأكثر خنوعًا أن تتصدر المشهد، تجلت هذه الصورة بقسوتها المفرطة في عهد ترامب، فأصبحت علامة فارقة لهذا الكم الهائل من الانبطاح والخنوع والتسليم بكل ما يمليه عليهم حاكم البيت الأبيض.

اقرأ/ي أيضًا: اتفاق "أبراهام".. تطبيع علاقات أم إعلان عن تحالف قائم بين الإمارات وإسرائيل؟

تبرر الأنظمة المطبعة خيارها بأن ما قامت به هو خدمة للقضية الفلسطينية، فباتت تسوق عددًا من التبريرات والحجج الواهية، يطل علينا رئيس وزراء المغرب سعد الدين العثماني ليقول: "لا نريد أن تكون هناك مقايضة بقضية الصحراء". موضحًا أن الضرورة اقتضت تزامن الخطوتين، "إن الدول تتخذ في بعض المراحل المفصلية قرارات صعبة. واليوم تلوح في الأفق إمكانية خطوة مهمة للمستقبل وأقول للفلسطينيين إن المغرب القوي الموحد أقدر على دعم القضية الفلسطينية". وقبله سوّق مسؤولو دولة الإمارات أن توقيع ما أطلق عليه اتفاق ابراهام يتضمن وقف سياسة الضم والاستيطان؟

دولة الاحتلال تعرف أن ما يتم الترويج له هو ضحك على الذقون، العلاقة مع الأنظمة المطبعة ليست وليدة الساعة، بل منذ سنوات خلت. إن كان الأمر يتعلق بالإمارات أو البحرين، أو حتى المغرب، أو غيرهم وكل الأطراف تعترف بذلك، الجديد فقط هو خروج تلك العلاقة للعلن، لذا تريد إسرائيل الذهاب في العلاقات في المسار المرسوم له. إسرائيل تسعى أن يتجاوز الأمر الحدث الإعلامي وفتح سفارات أو تنظيم رحالات مشتركة، بل الذهاب إلى شراكة كاملة وتحالف دائم، الانتظار لم يكن طويلًا تجلى ذلك في حالة الإمارات والبحرين حيث أخذ هذا منحنى يتسارع، فلم يحتج إلى تمهيد ومراحل، بل الخطوات اللاحقة للاتفاق تتحدث عن نفسها، أصبح الهدف هو التحالف مع إسرائيل في خضم العداء المستشري من البلديين ضد الاخوان المسلمين وتركيا وإيران، وإن كان على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المسلوبة التي لم تعد تعني لهم شيئًا لا من قريب ولا من بعيد.

تعي إسرائيل جيدًا أن دول الخليج المطبعة تفهم أن تهديد وجودها ليس في تل أبيب، و هذا القناعة يراد لها التعميم فيخرجون صراعهم مع الفلسطينيين من أي تسويات قادمة مع الدول العربية، ابتزوا السودان من خلال حذف اسمه من قوائم الإرهاب، قايضوا المغرب بالاعتراف بمغربية الصحراء مقابل علاقة علنية مع دولة الاحتلال، والحبل على الجرار للذهاب في هذا الاتجاه بعيدًا.

العلاقات مع الأنظمة مسألة محسومة، لكن التحدي القائم امام اسرائيل هو الرفض الشعبي العربي الذي لا يزال يعتبر فلسطين هي قضيته الأساسية. لم يحدث هذا الاختراع وقت توقيع اتفاق كامب ديفيد ووادي عربه، المزاج الشعبي رافض للاتفاقيات، وبقى محصورًا في النطاق الرسمي، لكن اليوم علينا أن نكون واقعيين، فقد حدث اختراق في هذا الاتجاه حيث يرى من يسمون أنفسهم بأنصار "الواقعية" أن جميع السياسات تخضع للتغيير بما يخدم مصالح دولهم، فأصبح موضوع التطبيع مسألة مثارة للنقاش والجدال والاخذ والرد، ويتم التعاطي معها مثل أي قضية مثارة بالعالم العربي، كان الاختراق الأبرز في الأوسط الإعلامية والثقافية، وحتي الفنية، تم التمهيد له بعمل مكثف عبر المنابر الاعلامية والأقلام، ولم يكن وليد اللحظة.

هنا تبرز الحقيقة جلية للعيان، فمصلحة إسرائيل في بقاء الأنظمة المطبعة حين كانت العلاقات سرية وغير معلنة في السابق، بالمقابل حطمت الاتفاقات الموقعة والمعلنة العزلة الواسعة النطاق لإسرائيل في المنطقة.

الملاحظ أن الهندسة الإقليمية تتغير، وهذا التغير له أثره. فالاعتراف المتسارع في العالم العربي، والاختراق في الأوساط الشعبية يراد تثبيته على المدى القصير لتصبح المعادلة التالية التطبيع مع إسرائيل هو حاجة وخيار استراتيجي، والصدام لا جدوى منه والعدو مشترك وهي القوى الراديكالية، إذ أصبح العرب وإسرائيل في خندق واحد.

أمام التغيرات الدراماتيكية الحاصلة، تعتقد إسرائيل أنها أصبحت شريكًا معترفًا به في المنطقة ولاعبًا أساسيًا

أمام التغيرات الدراماتيكية الحاصلة، تعتقد إسرائيل أنها أصبحت شريكًا معترفًا به في المنطقة ولاعبًا أساسيًا، بموجب ذلك تمتلك القدرة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، بمعزل عن الشعب الفلسطيني وإجباره على الحل، وفق التصور التاريخي للقوى السياسية الإسرائيلية لحل الدولة الواحدة، باتباع إجراءات أمنية قاسية على سكان الأراضي الفلسطينية وخطة للسيطرة على غور الأردن، والأجزاء الشرقية من الضفة الغربية عبر مشروع الضم، الذي يهدف إلى خلق تجمعات فلسطينية في الضفة والقطاع على شكل كانتونات منفصلة معزولة عن العالم.  

اقرأ/ي أيضًا:  دعوة للتخلي عن فلسطين.. وعن غيرها أيضًا

لكن في خضم كل ما يحدث يبقى المشكل الحقيقي لإسرائيل في عبئها الديمغرافي، وهي لا شك تعي مأزقها التاريخي، فبالنهاية أقصى ما يمكن أن تصل إليه سياستها المتبعة ضد الفلسطينيين وعلى حساب حقوقهم المشروعة دولة أبارتايد. فالحل ليس في دبي ولا المنامة ولا الرباط ولا الخرطوم، ولا أي عاصمة عربية، كل هذا لا يعدو سوى سراب ومحاولة للهروب إلى الأمام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.. كيف ستبدو الخطوة القادمة؟

 اتفاق الإمارات وإسرائيل: في معنى الإعلان عن المعلن