24-يناير-2018

تحولت حياة العديد من النسوة إلى جحيم بعد أن قصدن محلات الرقية (Getty)

طفت منذ أيام مسألة ما يسمى بـ"الرقية الشرعية" إلى قمة اهتمامات الرأي العام المغربي، حتى أن الفيديوهات المرتبطة بالرقية والرقاة المغاربة تصدرت الترند على موقع يوتيوب، ولم يكن ذلك مستغربًا بالنظر إلى الانتشار الواسع لـ"ثقافة الرقية" داخل المجتمع المغربي، ما يثير التساؤل حول سر تزايد إقبال المغاربة على الرقاة.

يعتبر "التداوي بالرقية" دخيلًا على المجتمع المغربي، وقد انتشر خاصة عن طريق الفضائيات الدينية المشرقية

التطبيع مع ثقافة الرقية

في المغرب، باتت مراكز الرقاة تزاحم العيادات الطبية نفسها، إذ تستقطب يومًا بعد يوم المزيد من الزبناء الراغبين في العلاج، حسب اعتقاداتهم، وهم في معظمهم نساء يطلبن الشفاء من عللهن على يد الرقاة،  مفضلين عدم الذهاب إلى المستشفيات الطبية والعيادات النفسية، كما أصبح الممتهنون لحرفة "الرقية" ينتشرون في كل حي ومدينة، بل صارت لهم قنوات على يوتوب وصفحات اجتماعية بمئات الآلاف من المعجبين والمتابعين، وبعضهم يركب سيارات فارهة ويعيش حياة رغيدة.

صالونات مجهزة ومنسقة بتصاميم حديثة، يسيّرها مشغلون بنفس الطريقة التي يتم بها العمل في العيادات الطبية الخاصة، حيث ينتظر الوافدون من النساء والرجال دورهم في صالة الضيافة، ريثما يحين موعد دخول كل واحد منهم إلى المكان المخصص للرقية، هناك ينتظرهم رجل ملتحي تظهر عليه علامات الوقار والتدين يدعي قدرته على "علاج كل الأمراض النفسية والبدنية بما في ذلك أمراض القلب والسرطان"، فقط بواسطة الرقية. في غرفة الراقي تدور أطوار عجيبة، فتارة يقرأ آيات من القرآن بتكرار، وتارة أخرى ينهر بنبرة شديدة قاصدًا الجني للخروج من المريضة، وبعضهم يلجأ إلى ممارسات عنيفة أو جنسية مدعين مصارعة الجن.

محسن شاب على مشارف الثلاثينات، واحد من هؤلاء الذين توجهوا لمحل أحد الرقاة المعروفين بمدينة الدار البيضاء، يحكي لـ "ألترا صوت"، قائلاً "مررت بفترة عصيبة وأحسست أني لست على ما يرام، فاعتقدت أن بي سحرًا ما، لذلك قصدت محلاً للرقية لعله يعالج حالتي الواهنة، بمجرد أن دخلت الصالة سجلت اسمي لدى السكرتيرة وطالبتني بـ 200 درهم كمقابل قبل الدخول إلى غرفة الراقي"، متابعًا حديثه "بعدما أتممت جلستين بمبلغ 400 درهم لم أشعر بتحسن، فأخبرني الراقي أني أحتاج إلى 7 جلسات أخرى، فغادرت حينها دون رجعة" بعد أن فَطن محسن إلى أنه خسر ماله هباءً.

لكن حال الذين تعرضوا للنصب مثل محسن، هو أفضل مما يحصل للعديد من النساء اللاتي يقصدن محلات الرقية واثقين في العثور على الشفاء على يد الرقاة، قبل أن تتحول حياتهن إلى جحيم، حيث يتعرضن إلى الاستغلال الجنسي، فكثيرا ما تطفو حوادث الاعتداء في الصحافة، يكون بطلها "راق" وضحيتها "امرأة"، علمًا أن معظم هذه الاعتداءات لا تجد طريقها إلى العلن خشية الفضيحة، فتظل طي الكتمان.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. الجنس في حضرة الراقي

سبب الإقبال على الرقاة

يظهر تزايد اهتمام المغاربة بخدمات الرقاة، ولا سيما خلال الفترة الأخيرة كما يظهر في الرسوم البيانية التالية، حيث قمنا بتتبع مسار بحث المتصفحين في المغرب عن كلمة "الراقي" على موقع يوتيوب، طوال السنة الماضية، بمساعدة أداة (غوغل ترند)، ليتبين أن هناك صعودًا صاروخياً ابتداء من بداية شهر أغسطس/آب من العام المنصرم.

[[{"fid":"98141","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"تطور مسار البحث عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في المغرب","field_file_image_title_text[und][0][value]":"تطور مسار البحث عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في المغرب"},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"تطور مسار البحث عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في المغرب","field_file_image_title_text[und][0][value]":"تطور مسار البحث عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في المغرب"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"تطور مسار البحث عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في المغرب","title":"تطور مسار البحث عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في المغرب","height":185,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

[[{"fid":"98142","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"المناطق المغربية الأكثر بحثًا عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في السنة الماضية","field_file_image_title_text[und][0][value]":"المناطق المغربية الأكثر بحثًا عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في السنة الماضية"},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"المناطق المغربية الأكثر بحثًا عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في السنة الماضية","field_file_image_title_text[und][0][value]":"المناطق المغربية الأكثر بحثًا عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في السنة الماضية"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"المناطق المغربية الأكثر بحثًا عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في السنة الماضية","title":"المناطق المغربية الأكثر بحثًا عن كلمة \"الراقي\" على اليوتوب في السنة الماضية","height":194,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يؤمن الجزائريون بالرقية الشرعية؟

للمغاربة جذور ثقافية تاريخية في التطبيع مع الخرافة فقد اعتادوا ارتياد الأضرحة ومقامات الأولياء طلبًا للعلاج

ورغم أن للمجتمع المغربي موروثات تقليدية شعبية في التطبيب، مثل ارتياد الناس الأضرحة ومقامات الأولياء طلبًا للعلاج، فإن "التداوي بالرقية" هي ثقافة دخيلة لم تكن رائجة في التاريخ القديم للمجتمع المغربي، بل جاءت خاصة عن طريق الفضائيات الدينية المشرقية، قبل أن تنتشر بشكل واسع مع استخدام ممتهني هذه الحرفة مواقع التواصل الاجتماعي في الدعاية لعملهم، لكن هذا لا ينفي أن "للمغاربة جذور ثقافية تاريخية في التطبيع مع الخرافة"، كما يشير الباحث في علم الاجتماع الدكتور علي الشعباني، وهو ما سهَّل على الرقاة استقطاب جمهور عريض إلى محلاتهم.

ويضيف الباحث أن "المُستغل دائماً ما يبحث عن مواطن الضعف في ضحيته، لذلك تجد هؤلاء الأشخاص يركبون على نقائص الجهل والأمية لدى النساء، وعلى تقاليد الموروث الثقافي، فيعمدون إلى الضرب على وتر الإيمان والدين"، الشيء الذي يقود الكثير من الزائرات إلى الثقة في محترفي الرقية  ثقة عمياء، تصل بهن أحيانًا إلى تسليم أنفسهن كليًا جسدًا وعقلاً إلى الدجالين، مما يسقطهن أحيانًا في الاستغلال الجنسي".

من جهة أخرى، يحيل الإقبال الكثيف على "عيادات الرقاة" إلى غياب الثقافة النفسية بالمجتمع، نظرًا للنظرة السلبية السائدة لدى الناس تجاه من يرتاد الطبيب النفسي، كشخص يوصم بـ"الجنون"، وإن كان الجنون في ذاته ليس عيبًا بقدر ما هو نتاج ظروف جبرية، وبدل ذلك تسود الخرافات التي ترجع المرض الجسدي والنفسي إلى السحر والعين والمس من الجن وغيرها من المعتقدات غير العلمية.

وفي ظل فشل السياسات الصحية في تقديم العلاج الجيد لأفراد المجتمع بمختلف فئاتهم الاجتماعية على قدم المساواة، فإن البسطاء من الناس عادة ما يتوجهون إلى بدائل أخرى للتداوي، كالطب الشعبوي والأضرحة والرقية، تزيد حالهم بؤسًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أقفال السحر في الجزائر.. رعب وفكاهة

الرفاعيّة.. من تذليل الكوبرا إلى تسخير الناس!