15-سبتمبر-2019

تحولت الرقة إلى مدينة للمقابر الجماعية (Getty)

مقابر جماعية وسجون ممتلئة وميليشيات مسلحة، حال محافظتي الرقة ودير الزور بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية منهما، وخضوع الرقة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتقاسم دير الزور بين قوات النظام وإيران والميليشيات الموالية وحليفها الروسي من جهة وقسد المدعومة أمريكيًا من جهة أخرى، في مسرح قد تتم تهيئته لصراع قادم بدعم من قوى إقليمية.

رغم هزيمة التنظيم في معظم معاقله في سوريا والعراق حذر تقرير أمريكي من أن "داعش"، لم يهزم ويستعد للعودة مجددًا وعلى نحو "أشد خطورة"؛ رغم خسارته للأراضي التي أعلن عليها إقامة ما يسمى "دولة الخلافة"

مقابر بين بيوت الرقة

20 جثة تم اكتشافها مؤخرًا بين المنازل في مدينة الرقة، لتكون بذلك المقبرة الجماعية رقم 16 التي تم الكشف عنها منذ طرد تنظيم الدولة الإسلامية صيف عام 2017، إثر عمليات عسكرية لقسد مدعومة بقصف جوي مكثف من التحالف الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: مقاتلو تنظيم الدولة وعائلاتهم في سوريا.. تهديد وورقة ضغط

وتقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية؛ إنه حتى مع إعادة بناء الرقة تدريجيًا، فإن المقابر الموجودة في المنازل والحدائق والمباني المدمرة، هي تذكرة قاتمة بالفظائع التي ارتكبها المقاتلون والعنف الهائل الذي لحق بالمدينة.

وتضيف الصحيفة أنه وخلال سيطرة "داعش" على المدينة نفذوا عمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس وغيرها من الفظائع. كما تم رجم النساء والرجال المتهمين بـ"الزنا" حتى الموت، بينما تم إلقاء الرجال الذين يُعتقد أنهم مثليون من قمم المباني ثم رشقوا بالحجارة.

وازداد عدد القتلى خلال الحملة الجوية والبرية التي استمرت لسنوات لطرد التنظيم من الرقة، والتي شنتها القوات الكردية مدعومة بالغارات الجوية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. دمر الهجوم كما تقول الصحيفة ما يقرب من 80 بالمئة من الرقة.

ويقول ياسر خميس مدير فريق الاستجابة إنه وحتى الآن ، تم استخراج 5218 جثة من مقابر جماعية أو من تحت أنقاض المباني المدمرة حول الرقة، وأضاف أن من بين هؤلاء حوالي 1400 من مقاتلي "داعش"، يمكن تمييزهم بملابسهم ومن بينهم بعض الأجانب. في حين تم التعرف على 700 جثة من قبل أقاربهم، وذلك أساسًا لأنهم هم الذين دفنوا الجثث.

وأوضح خميس أن الموارد المحدودة أبطأت عملية البحث وجعلت من الصعب تحديد سبب الوفاة بالنسبة لمعظم الجثث. لكن القتلى لقوا حتفهم في غارات جوية أو انفجارات لغم أرضي أو قتل جماعي أو كانوا مقاتلين من "داعش" أو ضحايا دفنهم التنظيم، لافتا أن بعض الجثث كانت مكبلة بأصفاد.

وانتشرت ظاهرة الدفن في البيوت، لأن المدنيين عمدوا إلى دفن موتاهم في أي مكان يتوفر لديهم، بسبب عدم تمكنهم من الخروج من منازلهم مع اشتداد وتيرة القتال، وهكذا تم العثور على مقابر أخرى في المنطقة ذاتها، اثنتان في بيتين، واثنتان في حديقتين، حيث تم استخراج 90 جثة من تلك المقابر.

التحالف ارتكب جرائم حرب

وفي السياق قال محققون تابعون للأمم المتحدة إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نفذ ضربات جوية في سوريا أوقعت خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين مما يشير إلى تجاهل توجيه التحذيرات المسبقة اللازمة واحتمال ارتكاب جرائم حرب.

وأضاف التقرير أن عملية عاصفة الجزيرة التي نفذها التحالف الدولي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وشمل ذلك سلسلة ضربات منها التي استهدفت في الثالث من كانون الثاني/ يناير منطقة الشعفة جنوبي بلدة هجين في دير الزور وأدت إلى مقتل 16 مدنيًا منهم 12 طفلًا.

وورد في التقرير: "تجد اللجنة أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن قوات التحالف الدولي ربما لم توجه هجماتها نحو هدف عسكري محدد أو أنها فشلت في تحقيق ذلك في ظل اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة".

وتابع التقرير: "شن هجمات عشوائية بما يؤدي لمقتل وإصابة مدنيين يصل إلى حد جريمة حرب في حالات تشهد تنفيذ مثل تلك الهجمات على نحو طائش".

لكن التقرير الأممي الأول من نوعه الذي يشير إلى ارتكاب التحالف الدولي لجرائم حرب في سوريا لاقى رفضًا من واشنطن، وقال كبير مبعوثي الولايات المتحدة إلى سوريا جيمس جيفري، إن التحالف "يهتم بشدة بكل عملية عسكرية نقوم بها"، مضيفًا "نحن لا نقبل النتائج التي توصلت إليها تلك الهيئة بالذات".

اعتقالات وتجنيد إجباري

بدأ الصراع على محافظة دير الزور الغنية بالنفط بعد طرد تنظيم الدولة، وسيطرت قوات قسد على آخر معاقله بلدة الباغوز في الأشهر الماضية، وهكذا ترسخ تقسيم المدينة بين شرقها الخاضع لسيطرة قسد المدعومة بقوات أمريكية وغرب المدينة الخاضع لسيطرة نظام الأسد وروسيا والميليشيات الإيرانية والعراقية.

ويتعرض المدنيون في دير الزور للانتهاكات من قبل الأطراف المسيطرة على المنطقة، ففي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 3 آلاف معتقل أو مختف قسريا في سجون قسد. وأضافت الشبكة أن الميليشيا الكردية باتت تُضيِّق على منظمات المجتمع المدني عبر ممارسات قمعية تشبه ممارسات التنظيمات المتطرفة.

وذكر التقرير أن قسد تحاول تشريع جميع عمليات القمع والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والخطف بهدف التَّجنيد الإجباري وغير ذلك من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها تحت ذريعة محاربة الإرهاب والإرهابيين.

ولفت التقرير أن المنهج الذي اتبعته قسد في عمليات الاعتقال يُشبه إلى حد كبير ما تقوم به قوات النظام، حيث لا تتم عمليات الاعتقال من قبل أشخاص مفوضين قانونيًا، ولا تتم بمذكرة اعتقال، ولا يعلم الشخص المعتقل الجهة التي تقوم بعملية الاعتقال أو سببه أو وجهة اعتقاله، ولا يتاح لمعظم المعتقلين الدفاع عن أنفسهم، ويحرم المعتقل من الاتصال بالعالم الخارجي ولا يعلم أهله عن مصيره شيئًا.

في المقابل ينشط نظام الأسد في تجنيد الشبان والرجال من أعمار مختلفة في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها مؤخرًا وذلك ضمن منطقة غرب نهر الفرات في ريف دير الزور، وبلغ عدد المجندين 2200 بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

كما عملت قوات النظام على الاستيلاء على ممتلكات المدنيين في المنطقة بالقوة، إضافة إلى حملات الاعتقال التعسفي.

مسرح محتمل للصراع

يرى مراقبون أنه في حال حسم ملف إدلب، وانتهاء الأعمال العسكرية بين النظام وروسيا من جهة والمعارضة المسلحة من حهة أخرى، فإن التركيز سوف ينصب على شمال شرق سوريا مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وخاصة في دير الزور الغنية بالنفط.

ويشير مراقبون إلى أن موسكو تتطلع إلى الاستفادة من ثروات شرق الفرات، ولا تستطيع مواجهة واشنطن عسكريًا، وقد جربت ذلك، وعوقبت بقتل جنودها في دير الزور، في أيلول/سبتمبر 2017، عندما اجتازوا النهر شرقَا.

أما الحرب الباردة بين إيران والميليشيات الموالية لها على الأرض من جانب، وبين الروس وأتباعهم على الأراضي السورية من جانب آخر، فباتت كفتها تميل إلى الجانب الإيراني على الرغم من التواجد الروسي الرئيسي ضمن مقرات القيادة وتحكمها بالقرار السوري في كثير من الأحيان.

 إلا أن إيران وعبر تصاعد تجذرها في الأراضي السورية منذ انطلاق الثورة السورية ووقوفها جنبًا إلى جنب في القتال على الأرض مع قوات النظام، تمكنت من توسعة نفوذها واستقطاب الآلاف من السوريين إلى صفوفها.

وتسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في المنطقة الواقعة على الطريق من طهران إلى بيروت، حيث زار قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، مدينة البوكمال ودعا الميليشيات التابعة لإيران إلى الاستعداد لحرب محتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم قسد في القسم الشرقي من المحافظة.

وزار سليماني معسكرات الميليشيات التابعة لإيران، وسط إجراءات أمنية مشددة، والتقى المستشارين العسكريين للحرس الثوري، وقيادات مختلف تلك المجموعات في المنطقة.

وأشارت مصادر لوكالة الأناضول أن سليماني طلب التجهيز لحرب محتملة مع الولايات المتحدة، وأكد عدم وجود خلاف مع النظام السوري بخصوص مواجهتها.

ولفتت المصادر إلى أن سليماني زار كذلك محطة "T2" النفطية في بادية دير الزور الشرقية، الواقعة على خط النفط الواصل بين العراق وسوريا. وتزامنت زيارة قائد فيلق القدس للمنطقة، مع استئناف الولايات المتحدة تدريب الجيش السوري الحر في قاعدة التنف جنوبي سوريا، لمواجهة المشروع الإيراني.

اقرأ/ي أيضًا: مصير نقاط المراقبة التركية.. هل يكشف صراعًا بين أنقرة وموسكو؟

ورغم هزيمة التنظيم في معظم معاقله في سوريا والعراق حذر تقرير أمريكي من أن "داعش"، لم يهزم ويستعد للعودة مجددًا وعلى نحو "أشد خطورة"؛ رغم خسارته للأراضي التي أعلن عليها إقامة ما يسمى "دولة الخلافة" في سوريا والعراق المجاور.

عشرون جثة تم اكتشافها مؤخرًا بين المنازل في مدينة الرقة، لتكون بذلك المقبرة الجماعية رقم 16 التي تم الكشف عنها منذ طرد تنظيم الدولة الإسلامية صيف عام 2017

وقد صدر التحقيق عن معهد "دراسات الحرب" (ISW)، وهو مؤسسة أبحاث غير حكومية مقرها واشنطن، بعنوان "عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 كيف غيّرت سوريا مقاربة إيران العسكرية؟