20-يوليو-2017

رفض قطر إغلاق الجزيرة يُؤكد دعمها لحرية الرأي واستقلال الصحافة (Getty)

يقدم هذا المقال الذي كتبه الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي في دولة قطر، وجهة نظر صريحة بشأن دعوات الدول المقاطعة لقطر، لإغلاق قناة الجزيرة، يُبين فيها أن الموقف من رفض إغلاق الجزيرة، هو موقف مبدئي يؤكد التزام دولة قطر بحرية التعبير ودعم الصحافة الحرة والمستقلة. وننقل إليكم هنا الترجمة العربية للمقال الذي نشر في مجلة نيوزويك الأمريكية.


تبرز شبكة الجزيرة الإعلامية في منطقة يسيطر عليها الإعلام الحكومي، بوصفها مصدرًا مستقلًا للمعلومات لملايين الناس في أرجاء العالم العربي وفي جميع أنحاء العالم.

الحكومات التي تحظى بدعم مواطنيها بالفعل، لا ينبغي عليها أن تخشى شيئًا من الصحافة الحرة والمستقلة

وتؤمن قطر بأن هذا النوع من الصحافة المستقلة، يسهم في زيادة الوعي العام ومشاركة المواطنين، وأن الحكومات التي تحظى بدعم مواطنيها، لا ينبغي عليها أن تخشى شيئًا من الأخبار التلفزيونية. غير أن جيراننا يعتقدون أن الصحافة المستقلة تشكل خطورةً؛ فقد طالبونا بإغلاق الجزيرة.

اقرأ/ي أيضًا: "رشوة" إماراتية وراء قضية محمد فهمي ضد الجزيرة

إذ تشكو حكوماتهم من أن تقارير الجزيرة حول التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، "تثير الجماهير"، وتؤدي إلى حدوث اضطرابات. فيما تعتقد دولة قطر أن الصحافة المستقلة تساعد في الإبقاء على مبدأ مساءلة السلطات ونشر الحكم الرشيد.

ويزعم منتقدو الجزيرة أن الشبكة تخدع جمهورها عن طريق "البروباغندا القطرية"، في المقابل نعتقد أن مثل هذه النظرة المتعالية، تبرهن على ازدراء فطنة وحكم الشعوب في الشرق الأوسط، فهم الذين اختاروا أن يستقوا أخبارهم من الجزيرة عوضًا عن محطات البث الحكومية.

وبوصفي مديرًا لمكتب الاتصال الحكومي في دولة قطر، فقد شاهدت مئات الساعات، إن لم يكن آلافًا منها، لتغطيات الجزيرة الإخبارية، ويمكنني أن أشهد على الحقيقة التي تقول إن الجزيرة يمكن أن تكون داعمة ومنتقدة للسياسات والإجراءات التي تتبعها الحكومات المجاورة. ويمكن قول الأمر نفسه على شبكة "سي إن إن"، أو "بي بي سي"، أو وكالة أسوشيتد برس، أو أي منظمة إخبارية دولية مستقلة، إذ إنهم ينقلون الأخبار مثلما يرونها، وهو ما يفترض أن تفعله الصحافة.

وعلى عكس ما يقوله منتقدونا، فإن الجزيرة تقدّم موضوعات ساخنة عن قطر؛ فنادرًا ما ألتقي بأحد الدبلوماسيين أو الوزراء القطريين بدون أن أسمع شكوى منهم حول موضوع قدمته الجزيرة. وعندما أحيلُ هذه الشكاوى إلى محرري الشبكة، يجيبون دائمًا بما تحتويه المادة الثالثة من ميثاق الشبكة: "تلتزم الجزيرة بحرّية الرأي والتعبير، وبالتقديم المهني والمتقن للصحافة المستقلة"، أي بعبارة أخرى "اهتم بشؤونك الخاصة".

تقدم الجزيرة موضوعات ساخنة عن قطر، انطلاقًا من المادة الثالثة من ميثاقها التي تؤكد على استقلالها والتزامها بحرية الرأي والتعبير

لقد أثلج صدري في الأسابيع الماضية رؤيتي الدعمَ المنهمر على الجزيرة، ففي مقال حديث نُشر بمجلة الإيكونوميست البريطانية، تحت عنوان "محاولة شائنة من السعودية لإسكات الجزيرة"، وصفت المجلة الشبكة بأنها: "محطة البث الكبيرة والمشاكسة الوحيدة في العالم العربي". وذكرت أن المطالبة بإغلاق الجزيرة كان "اعتداءً هائلًا على حرية التعبير ومتجاوزًا للحدود الإقليمية. وهو مثلما لو أن الصين أمرت بريطانيا بأن تغلق البي بي سي".

اقرأ/ي أيضًا: أبوظبي على لسان سفيرها في موسكو: حرية الصحافة والتعبير ليست لنا

لم يكن الصحفيون فقط من غضبوا جراء ذلك، فقد قال روبرت كولفيل، المتحدث باسم الأمم المتحدة، إنه "سواء كنت تشاهدها أو لا، أو تحبها وتتفق مع وجهات نظرها التحريرية أو لا، فلا تزال النسختان العربية والإنجليزية من قناة الجزيرة تمتلكان قبولًا واسعًا، وتحظيان بملايين المشاهدين"، فيما قال زيد رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة: "نرى المطالب التي تدعو باختصار إلى إغلاقها هجومًا غير مقبول على حرية الرأي والتعبير".

وثمّة طريقة أفضل لهؤلاء الذين يبدون غير سعداء بتغطية الجزيرة، وهي أن يطلقوا شبكاتهم الإعلامية الخاصة ويتنافسوا علنًا في سوق الأفكار. وقد حاول السعوديون بالفعل القيام بهذا، من خلال قناة العربية، إلا أنه يمكننا القول أن شبكتهم الإعلامية فشلت في أن تقدم لجمهورها أي شيء يقترب من حجم ما تقدمه الجزيرة، فمن الواضح أن الجزيرة قد اكتسبت ثقة الناس في الشرق الأوسط، فيما لم تصل شبكات أخرى إلى ذلك.

ولأكثر من 20 عامًا، كان صحفيو الجزيرة يخاطرون بحياتهم من أجل نقل الموضوعات التي يخشى نقلها مراسلون آخرون في الشرق الأوسط، والتي لا ترغب حكومات أخرى أن يسمعها مواطنوها. وسيكون الانصياع للمطالبة بإغلاق الشبكة خيانةً لهؤلاء الصحفيين الشجعان، الذين كرّسوا حياتهم الشخصية والمهنية لنقل الأخبار مثلما يرونها، بدون خوف أو محاباة.

حاول السعوديون منافسة الجزيرة بإطلاق قناة العربية، لكنها لم تنجح في تقديم شيء يقترب ولو قليلًا مما تقدمه الجزيرة

بإمكان الناس أن يشتكوا من الجزيرة، فهذا من حقهم، مثلما يستطيع ذلك سفراء ووزراء قطر، وأيضًا ممثلو الحكومات الأجنبية. إننا لم نرضخ لهذه الانتقادات في الماضي، ولن نرضخ لها في الوقت الراهن. إذ تفتخر قطر بشبكة الجزيرة، وبالدور القطري في ريادة الصحافة المستقلة في الشرق الأوسط.

اقرأ/ي أيضًا: خفايا السعي المحموم لإنهاء "كابوس" الجزيرة والإعلام الممول قطريًا

ومن خلال المضي قدمًا، سوف نستمر في دعم حرية الرأي في قطر. وسوف نفتتح منصات إعلامية جديدة، وندعو الصحفيين والمذيعين لأن يتخذوا الدوحة مقرًا لإقامتهم، ولسوف نضاعف الرهان على الصحافة المستقلة، ولن نغلق قناة الجزيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما تبقى من أوراق الضغط السعودي والإماراتي على قطر.. فشلٌ من وراء فشل

سفير قطر في موسكو: بلادي محاصرة والمستهدف هو أحلام الشعوب العربية بالتغيير