26-مايو-2017

ورثوا حياة الترحال عن أجدادهم ويرفضون تغييرها (Getty)

يتواجد على أرض المغرب الآلاف من البدو الرحل، نساء ورجال وأطفال، ورثوا حياة الترحال عن أجدادهم منذ عقود، رافضين تغييرها، فالترحال بالنسبة لهم ليس نمط عيش فقط بل هوية يحمونها من الاندثار. لا يستقرون في أرض معينة، الماء بالنسبة لهم خاصة هو إكسير الحياة، أينما وجد، تجدهم مستوطنين قربه لشهور أو لسنوات إلى أن تفرض قسوة الطبيعة سطوتها، فتجدهم يرحلون في صمت نحو أماكن أخرى، رفقة مواشيهم وممتلكاتهم البسيطة، على رأسها الخيام وبعض الأثاث البسيط.

الترحال بالنسبة لبعض قبائل البدو المغاربة ليس نمط عيش فقط بل هوية يحمونها من الاندثار

اقرأ/ي أيضًا: الغجر في العراق.. الصعود إلى الهاوية

حياة بدائية وشروط عيش قاسية  

تتشبث بعض القبائل الرحل بهويتهم المتنقلة وترفض مبدأ الاستقرار، لأنهم يعتبرون التنقل والترحال جزءًا من عاداتهم و تقاليدهم. الرجال عند الرحّل المغاربة يبحثون عن الطعام بالمدينة. أما النساء فلا يستطعن اجتياز حدود القبيلة، فبدو منطقة تينغر، جنوب شرق المغرب، مثلاً، يرفضون أن تغادر النساء القبيلة.

كما أن نساء الرحل مكلفات بالاهتمام بالأرض وجلب المياه من الوادي، الذي قد يبعد مكانه حوالي ساعة ونصف مشيًا. والفتاة التي تنتمي إلى قبيلة الرحل لا تستطيع الزواج، إلا إذا كبرت الأخت التي تليها سناً أو استطاعت الأم أن تعوضها في جلب المياه.

والقاعدة العامة بالنسبة للنساء الرحل في المغرب، أن المرأة وجدت للعيش بين يدي رجل تنجب منه أطفالاً، لكي يحفظ النسل من الانقراض. أما بالنسبة لأطفالهم، فهم لا يتعلمون أبدًا، إلا القليل منهم، وذلك من خلال مبادرات المجتمع المدني، في إطار ما يسمى بالمدارس المتنقلة.

اقرأ/ي أيضًا: صحراء المغرب.. وجهة للترفيه والاستشفاء

يطمحون إلى تحسين ظروف العيش

قبل أيام، انطلقت قافلة "أناروز"، وهو مصطلح أمازيغي يعني الأمل، في جبال تدعى العالية بنواحي تنغير. سارة سوجار، واحدة من الشابات التي رافقت هذه القافلة رفقة مجموعة من شباب المجتمع المدني من أجل تسليط الضوء على حياة الرحل المغاربة ووضعهم. تقول سارة لـ"ألترا صوت"، "مطالب رحل نواحي تنغير، الذين التقيناهم بسيطة جدًا، كان أهمها الحصول على رخصة لبناء بئر ومدرسة متنقلة لأطفالهم".

من النادر أن يلتقي الرحل بمن هم خارج قبيلتهم إلا في بعض مواسم الانتخابات، والتطور الوحيد هو حصولهم على أوراق ثبوتية

ومن بين الشهادات الصادمة التي سمعتها في رحلتها إلى قبائل الرحل في تنغير، هو قول إحدى السيدات إنه إن توفي طفلها الرضيع مثلاً، لن تتردد في إنجاب آخر لأن لا مكان لهم في مستشفيات الدولة، فهم ينجبون أطفالهم تحت الخيام.

وتتابع سارة حديثها لـ"الترا صوت": "حاولنا في هذه القافلة تسليط الضوء على القبائل الرحّل وإشكالاتهم باعتبارهم مواطنين يجب أن يتمتعوا بكامل حقوقهم، وذلك عبر الرصد الميداني وتنظيم لقاءات مباشرة تمكن من تجميع معطيات لفهم الوضع واستيعاب خصوصياتهم، أيضاً حاولنا تحسيس النساء الرحل بأهمية الحصول على وثائق الهوية، وتوثيق عقود الزواج، للأسف أغلبهم لا يملكون أوراقًا ثبوتية".

حاولت السلطات إنشاء المحاكم المتنقلة بهدف استفادة هؤلاء الرحل من توثيق عقود الزواج، وتسجيل الأطفال في الوثائق المدنية، وقد استفاد عدد منهم من هذه المبادرة، لكن الاستفادة محدودة نوعًا ما، إذ سرعان ما يتم إنجاب أطفال آخرين تحت الخيام، بعيدًا عن مؤسسات الدولة.

"بعد هذه القافلة من المنتظر أن ينجز المنظمون تقريرًا يكون موضوعًا لنقاش عمومي وفتح خطة للعمل قصدَ إيجاد الحلول، دون وصاية على تلك الفئة التي لها في النهاية الحق في اختيار مصيرها"، توضح سارة لـ"ألترا صوت".

عدد الرحل المغاربة في انخفاض..

يخشى الرحل أن ينقرض نسلهم، فالأرقام أيضًا تدل على أن عددهم في انخفاض مستمر، رغم غياب الإحصائيات الرسمية عن عددهم الإجمالي في المغرب، غير أن هناك من يقدر أن نسبتهم تمثل حوالي 2% من مجموع السكان، بينما كانوا قبل سنة 1912(تاريخ دخول الاستعمار الفرنسي إلى المغرب) يمثلون حوالي 80%، وكان لهم دور تاريخي في مقاومة الاحتلال الفرنسي.

ويختلف نمط عيش الرحل حسب المناطق، فهناك رحل يقطعون مسافات بعيدة من أجل البحث عن المراعي الجيدة، وإن تطلب الأمر قطع آلاف الكيلومترات، وينتشرون بالصحراء والجنوب الشرقي للمغرب، بينما هناك رحل يتنقلون فقط بين قمم الجبال وسفوحها (أسفل الجبال) في نفس المنطقة، ويتمركزون في جبال الأطلس، وسط المغرب.

ومن النادر أن يلتقي الرحل بمن هم خارج قبيلتهم إلا في بعض مواسم الانتخابات، والتطور الوحيد الذي عرفوه خلال السنوات الأخيرة هو حصول البعض منهم على بطاقات الهوية.  

اقرأ/ي أيضًا:

الخيمة تزاحم المباني في موريتانيا

الوشم في ثقافة الأمازيغ.. ذاكرة الجسد