03-فبراير-2020

هيرست مع أحد المراسلين بعد عودته إلى مدينة نيويورك من كاليفورنيا (The Atlantic)

 

خلال رحلة مع والدته إلى أوروبا، أخبرها عن رغبته في العيش بقلعة وندسور، وطلب منها أن تشتري له متحف اللوفر. لقد سمح له ثراء عائلته بتحقيق أهواءه المادية منذ سن العاشرة.

شعر الأب بخيبة أمل عندما علم أن ابنه الشاب وليام راندولف هيرست يرغب بالتوظف في مجلة "سان فرانسيسكو اكسامينر (The San Francisco Examiner)" الفقيرة، التي كان يملكها، فعرض عليه مقابل الوظيفة منجم ومزرعة تبلغ مساحتها ألف فدان، لكن الشاب رفض مصرًّا على فكرته في طلب التوظف في الجريدة فقط.

عندما غزت الولايات المتحدة كوبا في النهاية، نشرت صحيفة نيويورك جورنال 43 طبعة خاصة، وصلت إلى مليون نسخة تباع يوميًا

خلال وقت قصير، كان هيرست قد أصبح رئيس التحرير خلفًا لوالده، وبدأت الجريدة الفقيرة بتوسيع نشرها لتصل إلى جميع القرى التي يمر خلالها القطار، كان انتشارها السريع يرجع بشكل أساسي إلى نشر أخبار شائعة، لكنها مثيرة، إذ كانت فاضحة أثارت اعتلال القراء، كما ساهمت الصور والرسومات في ذلك. لم يكن هيرست مهتمًا فيما إذا كانت هناك قصة قد حدثت بالفعل أو كانت تخص صحيفة أخرى: "خذوها واجعلوها ملكًا لنا، كما لو أننا قد اكتشفناها للتو، انسوا البقية".

اقرأ/ي أيضًا: 4 وقفات في أرشيف الصحافة

لم يهتم هيرست بالمراسلين، إذ عمل على توظيف صبايا عشرينيات وقام بنشرهن في الدوائر الحكومية والوكالات بغرض إقامة علاقات حميمة مع موظفيها، وبهذه الطريقة كان هيرست يسرق الأخبار السرية والعاجلة ويقوم بنشرها بشكل دوري. لقد صمّم هيرست صحيفة للأغلبية، مع محتوى يستهدف الفقراء والمهاجرين والعمال. لقد أعلن نفسه "ملك الصحف".

في عام 1895، وبعد أن احتل السوق الصحافي في سان فرانسيسكو والمناطق المحيطة، نقل هيرست مركز إدارته إلى نيويورك، حيث دخل في حرب مؤسساتية مع جوزيف بوليتزر، مالك مجلة "نيويورك ورلد " (New York World).

دعا هيرست أهم محرري جريدة جوزيف بوليتزر إلى الغداء، وبمجرد أن جلس، أسقط كمية كبيرة من النقود على الطاولة، وقام بتوظيفهم لديه. بهذه الطريقة، أصاب عصفورين بحجر واحد، فقد حصل على فريق ممتاز وأزاح منافسه الرئيسي.

بعد أن اشترى هيرست جريدة نيويورك جورنال (The New York Journal) بدت الانطلاقة محفوفة بالمخاطر، إذ كان في المدينة 14 صحيفة، لكن لدى هيرست خطته القديمة، البسيطة والقوية.

كان حول هيرست أصدقاء اعتبروا أنه ينفق أمواله بلا جدوى، إلا أن أغراضه كانت قد تجاوزت العلامة التجارية، وكان هدفه الجديد يتمحور حول السياسة.

في عام 1897، وصل أحد مصوريه إلى كوبا لتغطية الحرب بين الولايات المتحدة وإسبانيا، لكنه أدرك أن الحرب لم تكن موجودة بعد، فأرسل إلى هيرست للحصول على إذن العودة، لكن الرد كان: "ابق حيث أنت، ستقدم الصور وسأقدم الحرب".

عندما غزت الولايات المتحدة كوبا في النهاية، نشرت صحيفة نيويورك جورنال 43 طبعة خاصة، وصلت إلى مليون نسخة تباع يوميًا. فقد قرّر هيرست المشاركة بنشاط في تلك الحرب. هذا الفعل كان وسيلة أراد منها الوصول إلى البيت الأبيض.

دخل هيرست في السياسات الداعمة للقوانين التي من شأنها أن تفيد الفقراء والعمال، ذلك لتشجيعهم على انتخابه عضوًا في الكونغرس. ثم كانت الخطوة التالية، وهي شراء الصحف من جميع أنحاء البلاد، وبالتالي تشكيل أكبر سلسلة إعلامية، وصل عددها إلى 30 صحيفة، تنشر رأيه فقط.

سرعان ما أصبح موقعه العام ضعيفًا، ذلك بعد أن حرضت صحفه على اغتيال الرئيس ماكينلي، ثم قام شخص يدعى ليون تشوجوز بإطلاق النار عليه في السادس من أيلول/ سبتمبر 1901، ما أدى إلى مشاكل شعبية وتجارية وسياسية.

تدريجيًا، بدأت حياة هيرست السياسية بالانهيار، وخسر في ترشيحاته لمنصب رئيس بلدية وحاكم نيويورك، ثم شارك في ترشيحات الرئاسة الديمقراطية لكنه لم يُنتخب.

في عام 1915، وقع في حب ماريون ديفيس، راقصة وهاوية تمثيل، إذ وجد فيها ما يعوضه عن إخفاقاته السياسية. كان هيرست 52، أما ماريون 18 سنة.

وقع هيرست في حب ماريون ديفيس، راقصة وهاوية تمثيل، إذ وجد فيها ما يعوضه عن إخفاقاته السياسي

انتقلا سويًا إلى كاليفورنيا، إلى مزرعة طفولته، وانخرطا في عالم الفن، لقد قدم ما تسمح به أمواله لجعل ماريون نجمة سينمائية، وبنى إمبراطورية مهيبة وباهظة في مزرعته، حيث اشترى كل ما يحب، بغض النظر عن التكلفة أو المسافة، كما بنى طريق سكة حديد إلى مزرعته لنقل لوازمه. فعليًا، قام هيرست بتخزين القطع الفنية، حيث وصل مجموعها إلى 25% من سوق الفن، ما جعل من هيرست رمزًا للكساد الكبير، إذ أثّر بشكل كبير على ثروته وأنهاها، أثناء ذلك، كانت صحفه قد فقدت مكانتها ومصداقيتها.

اقرأ/ي أيضًا: عصر "النيومكارثية".. عشق أمريكي للتجسس على الصحافة

نوبة قلبية أنهت حياة ويليام راندولف هيرست بمدينة كاليفورنيا، في الرابع من آب/ أغسطس عام 1951. الحياة التي كان يعيشها ذات يوم، تبددت إلى الحد الذي اشتهر به الفيلم الذي رفضه هيرست كونه مستلهمًا من قصة حياته: المواطن كين (Citizen Kane)، عرّفه بخطئه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يسيطر وادي السيليكون على مستقبل الصحافة للأبد؟

آنا بوليتكوفسكايا واغتيال الصحافة الحرّة في روسيا