04-فبراير-2017

مقابلة مع الكاتبة الفرنكفونية هدى كرباج مع راديو لبنان (يوتيوب)

تقلّص حجم الراديو في لبنان من صندوق خشبي وثير ارتفع على قطعة من "الكروشيه" في صدر البيت، إلى "ترانزيستور" رافق اللبنانيين إلى الملاجئ ليمدّهم بأخبار المعارك ويبشّرهم بغير المتوقع من الهدن، مؤنسًا لياليهم الطويلة والمظلمة بما يزيد من لوعتهم لفراق الأحبّة أو ينقلهم للحظات من مصيرهم المجهول إلى مصائر تكاد تبدو "سوريالية" في تفاؤلها المتخيّل وسط ظروف الاقتتال والحرب.

في مراحل السلم غلب الكاسيت على "الراديو" في آلة واحدة يتشاركانها على هيئة ستيريو أو "واكمان"، ليعيد ويزيد الشريط المسجّل الأغنيات نفسها، على أن يوفّر الانتقال بكبسة زر إلى خدمة الراديو، إمكانية تبديد الضجر المفترض من المكرّر عبر ما يأتي به من القريب والبعيد بأحدث الأغنيات وآخر الأخبار. وما أحدثته ثورة الهواتف الذكية وضّب الراديو بكل ما فيه في تطبيق مرئي ولكن غير محسوس. متوافر ولكن هذه المرة بالمفرق لا بالجملة، والتحميل يكون لكل إذاعة على حدى. دون أن يلغي ما تقدّم حضور الراديو تمامًا في يوميات اللبنانيين، إن لم يكن ذلك في منازلهم ففي سياراتهم وخلال أوقات الازدحام الشديد في المدن وعلى مدار الساعة.

لم يعد اللبنانيون يستقصون أخبارهم كما السابق من الراديو ولا يختبرون الحوارات الشيقة التي عرفتها التجربة اللبنانية في عالم الأثير

وبرامج الإذاعة تقلّص دورها أيضًا عبر العقود والسنوات والأيام المتلاحقة. فالأثير الذي نشرته الإذاعة اللبنانية في ما مضى، وكان يغطّي بـ"مادته" وأهدافها مختلف المناطق اللبنانية، تقاسمته الإذاعات التي ظهرت تباعًا لتتقاسم "الهواء" وتقسّم الجمهور المنقسم أصلًا بين متابع ومُعادٍ. مع وضد. إلى أن بات الحراك الإذاعي على مستوى الجمهور صعبًا. فالإذاعات المدرجة ضمن الفئة الأولى، والتي تبث برامج سياسية وتتبع كل واحدة منها بالأصل إلى جهة سياسية ما لتعبر عنها وتنطق باسمها، لكل منها جمهورها الذي يستمع إلى نشراتها الإخبارية ويتابع برامجها التحليلية و"يُطرب" لحواراتها التي تدغدغ أذنه بما يحب أن يسمع. حتى يصبح الانتقال المقصود أو غير المقصود إلى إذاعة أخرى من المحور المقابل، "سمة بدن" تستفز الأمزجة وتقلبها رأسًا على عقب.

اقرأ/ي أيضًا: رجا ورودولف.. الصحافة الصفراء تلفزيونيًا

إذاعات هذه الفئة والتي تواكب التطورات السياسية عبر برامجها و"هوائها المفتوح" للتواصل مع الجمهور، تصبّ غالبًا الزيت على النار عند الاستحقاقات الحامية، فتمارس بشكل عام حصتها من التحريض الإعلامي الذي يزيد طينة الأوضاع بلّة. وإذا ما استثنينا البرامج السياسية ستتشابه إذاعات الفئتين الأولى والثانية (الفنية)، في إعداد وتقديم البرامج الفنية والثقافية، ثم في توزيعها على مختلف ساعات اليوم. ففي الصباح، ترافق الإذاعات المواطنين في رحلتهم من المنازل إلى أماكن العمل. بين أغاني فيروز ووديع الصافي، الأخبار السريعة والاتصالات التي تُهدي التحيات أو تنقل تذمّر الشارع ومن فيه، يمرّ ما يقرب الساعة إلى الساعتين من الوقت يصل خلالها الموظفون إلى أعمالهم بأقل ضرر "عصبي" ممكن.

 

تتعامل محطات الراديو كما القنوات التلفزيونية على مبدأ "مع وضد" وتقدم مادة لجمهور فئوي

في أوقات أخرى، تُبثّ برامج اقتصادية تتناول إنتاج لبنان واستهلاكه الصناعي والحرفي، وبين الحين والآخر تُنقل عبر الأثير حوارات مع شعراء أو فنانين تشكيليين، وفي مواعيد يومية أو أسبوعية ثابتة تفتح هذه الإذاعة أو تلك هواءها لشكاوى المواطنين على وعد متابعتها مع الجهات المعنيّة. بعض الإذاعات لا تبخل في إنتاج مسلسلات إذاعية مستعينةً بأصوات على قدر كبير من الشهرة. الإذاعات الدينية تُترجم عظاتها في هذا النوع من البرامج، لذا ستكون أكثر رواجًا عليها، دون أن يعني ذلك ضمان استقطاب المستمعين. من هنا كان توجه إحدى الإذاعات (من الفئة الأولى) إلى نقل برامجها مباشرة على صفحة الفيسبوك للوصول إلى الجمهور حيث هو اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي.

في المقاهي الشعبية القليلة المتبقيّة في بيروت، والتي تحافظ على بساطتها في وجه "ديكورات" الكلاسيك والمودرن في الأثاث والجدران، يظلّ الراديو أساسًا في مقاهي دوغان والبرجاوي، هناك حيث يجتمع "الزلم" على لعب الـ "أربع مئة" و"الليخة" (ألعاب شَدّة) وشرب الشاي وتدخين نرجيلة "التنباك" المرصوص على رأس من الفخار. فعلى أنغام "الزمن الجميل" يُطرب الحاضرون في رحلة بحث "إبرة" الراديو عن أغنيات حليم وصافي وكوكب الشرق.

اقرأ/ي أيضًا:

"#الأخبار_من_عندك".. نشرة النسخ واللصق

"نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية