يجري الرئيس اللبناني المُنتخب حديثًا، جوزاف عون، استشارات مع النواب المستقلين والكتل النيابية لتكليف شخصية سياسية بتشكيل حكومة جديدة للبلاد، بعد أكثر من عامين على إدارة الحكومة الحالية مهام تصريف الأعمال، حيثُ من المتوقّع أن يسمي النواب إما رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية، نجيب ميقاتي، أو القاضي في محكمة العدل الدولية، نواف سلام.
وسيقوم عون بتكليف الاسم الذي يحظى بأكبر عدد من الأصوات، ويحصر الدستور اللبناني منصب رئيس الوزراء بالطائفة السنية في لبنان، وفي الوقت الذي كان يُنظر إلى النائب، فؤاد مخزومي، على أنه مرشح تحالف المعارضة الذي يضم حزب القوات اللبنانية إلى جانب الكتائب اللبنانية، ومجموعة من النواب المستقلين، فإن ميقاتي يُعتبر مرشح الثنائي الشيعي، لكن مخزومي أعاد خلط الأوراق بإعلانه انسحابه من السباق، ودعمه ترشيح سلام للمنصب.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر مقرب من حزب الله أن إعادة تسمية ميقاتي تُعد "جزء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه" في إشارة إلى مضي الثنائي الشيعي في انتخاب عون رئيسًا، وهو ما تأكد بعد أن لجأ الثنائي الشيعي إلى خيار الورقة البيضاء في الدورة الأولى، قبل أن يقوم بانتخابه في الدورة الثانية، لكن ميقاتي نفى ذلك، مؤكدًا استعداده "إذا كانت هناك أي ضرورة" من أجل "خدمة البلد".
سيقوم الرئيس اللبناني، جوزاف عون، بتكليف الاسم الذي يحظى بأكبر عدد من الأصوات، ويحصر الدستور اللبناني منصب رئيس الوزراء بالطائفة السنية في لبنان
وقال مخزوني في بيان إعلان انسحابه إنه جاء: "انطلاقًا من قناعتي بأن وجود أكثر من مرشح معارض سيؤدي حكمًا إلى خسارة الجميع، وبأن لبنان بحاجة إلى تغيير جذري في نهج الحكم، وإلى حكومة تواكب تطلعات العهد الجديد السيادية والإصلاحية، وتساهم في تطبيق خطاب القسم، ما يتطلب أوسع تحالف ممكن من التلاقي"، مضيفًا أن هذا القرار سيمنح "المجال للتوافق بين كل من يؤمن بضرورة التغيير حول اسم القاضي نواف سلام".
وترفض أحزاب تكليف ميقاتي مرة أخرى بتشكيل حكومة جديدة باعتباره جزءًا من المنظومة السياسية السابقة التي جاءت بانتخاب الرئيس السابق، ميشال عون، بدعم من الثنائي الشيعي، لكن زعيم حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أكد الأسبوع الماضي أن "ثمّة عهد جديد بدأ"، مضيفًا "أنه شئنا أم أبينا الرئيس ميقاتي كان مع المجموعة الماضية"، في إشارة إلى حزب الله.
وكان عون قد أشار في أول كلمة له عقب انتخابه رئيسًا للبنان، الخميس الماضي، بعد فراغ في المنصب دام أكثر من عامين، إلى أنه "كقائد أعلى للقوات المسلحة ورئيس للمجلس الأعلى للدفاع"، سيعمل "على تأكيد حق الدولة باحتكار حمل السلاح، دولة تستثمر في جيشها الذي يساهم بضبط الحدود، وتثبيتها جنوبًا، وترسيمها شرقًا وشمالًا وبحرًا، ويمنع التهريب، ويحارب الإرهاب، ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية".
شرفني نواب قوى المعارضة، وعدد من النواب المستقلين بدعم ترشيحي لتولي مسؤولية رئاسة الحكومة لأتشارك مع فخامة رئيس الجمهورية مسؤولية الإنقاذ في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان، ما يجعلني المرشح الأقوى لمنافسة مرشح المنظومة.
بالرغم من ذلك، وانطلاقاً من قناعتي بأن وجود أكثر من…— Fouad Makhzoumi (@fmakhzoumi) January 13, 2025
وفي إشارة إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، أكد أن الجيش اللبناني سيطبق "القرارات الدولية، ويحترم اتفاق الهدنة، ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب، ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور"، مشددًا على ضرورة "تفعيل عمل أجهزة القوى الأمنية على اختلاف مهامها كأداة أساسية لحفظ الأمن وتطبيق القوانين".
وسيكون على الحكومة الجديدة التعامل مع إرث من الأزمات والتحديات التي يعيشها لبنان، والتي ياتي في مقدمتها ملف إعادة الإعمار جراء العدوان الإسرائيلي الذي استهدف لبنان العام الماضي، وأدت إلى دمار كبير في جنوب وشرق لبنان، فضلًا عن ضاحية بيروت الجنوبية، المعقل الرئيسي لحزب الله. كما أن على الحكومة الجديدة إجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة لتدارك الانهيار المالي الذي تعيشه لبنان منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول/اكتوبر 2019.
وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فإن خسائر البنية الأساسية جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان 8.5 مليار دولار، مشيرًا إلى تضرر 99209 وحدة سكنية، من ضمنها 18 بالمئة تدمرت بشكل كامل. ووفقًا لتحليل أجراه المركز الوطني للمخاطر الطبيعية والإنذار المبكر في لبنان، فإن 353 مبنى دمر بالكامل، فضلًا عن تضرر ستة آلاف منزل.