02-مايو-2023
Getty

في إطار تقوية العلاقات المشتركة بين الولايات المتحدة والفلبين التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس الإثنين، في البيت الأبيض نظيره الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور الذي يزور الولايات المتحدة في جولة تستغرق أربعة أيام، ويأتي اللقاء في وقت عبّر فيه الجانبان الفلبيني والأمريكي عن قلقهما من تزايد وتيرة نشاط الصين في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

الزيارة تترافق مع زيادة التوتر بين الفلبين والصين في منطقة بحر الصين الجنوبي

وخلال اللقاء، أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الفلبيني فرديناند ماركوس، التزام الولايات المتحدة "الصارم" بالدفاع عن حليفته مانيلا، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي الذي تتعرض فيه الفلبين إلى ضغوط من الصين.

من جانبه، أكد ماركوس في أول زيارة للبيت الأبيض يقوم بها زعيم فلبيني منذ 10 أعوام، على أهمية الولايات المتحدة كحليف وحيد لبلاده في منطقة "يمكن القول إن الوضع الجيوسياسي الأكثر تعقيدًا في العالم في الوقت الحالي"، وفق وصفه.

Getty

وقال مسؤولون أمريكيون إن الزعماء سيوافقون على مبادئ توجيهية جديدة لتعاون عسكري أقوى، بالإضافة إلى تكثيف التعاون الاقتصادي.

وجاء في بيان مشترك بين بايدن وماركوس أن "أي هجوم مسلح على القوات المسلحة الفلبينية أو السفن العامة أو الطائرات في المحيط الهادئ، بما في ذلك في بحر الصين الجنوبي، من شأنه أن يستدعي الالتزامات الدفاعية للولايات المتحدة بموجب معاهدة الدفاع المشترك لعام 1951 مع الفلبين".

وتشير التقديرات إلى أن واشنطن تعتبر أن الفلبين هي مفتاح أي جهد لمواجهة غزو الصين لتايوان. يترافق ذلك مع زيادة التعاون الأمريكي الفلبيني العسكري، والذي يشهد ذروته في هذه الأيام، حيث وافقت مانيلا مؤخرًا على السماح للولايات المتحدة بالوصول إلى أربع قواعد عسكرية أخرى بموجب اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز.

وقال البيان المشترك إن القادة "أكدوا أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان كعنصر لا غنى عنه للأمن والازدهار العالميين".

Getty

قال المسؤولون الأمريكيون إن المبادئ التوجيهية الجديدة ركزت على التنسيق العسكري عبر البر والبحر والجو والفضاء والفضاء الإلكتروني، بينما ستنقل الإدارة الأمريكية أيضًا ثلاث طائرات من طراز C-130 وتتطلع إلى إرسال سفن دورية إضافية إلى الفلبين.

وقال الرئيس الفليبيني ماركوس: "من الطبيعي أن تتطلع الفلبين إلى شريكها الوحيد في المعاهدة في العالم لتقوية وإعادة تعريف العلاقة التي لدينا والأدوار التي نلعبها في مواجهة التوترات المتصاعدة التي نراها الآن حول جنوب الصين". 

وتشمل الزيارة ملفات اقتصادية، حيث قال البيان المشترك إن بايدن سيرسل بعثة رئاسية للتجارة والاستثمار إلى الفلبين لتعزيز الاستثمار في الانتقال للطاقة النظيفة، وقطاع المعادن، والأمن الغذائي. كما سيشترك البلدان في استضافة منتدى الأعمال الهندي والمحيط الهادئ لعام 2024 في مانيلا، والذي من شأنه أن يعزز الفلبين كمركز رئيسي لسلاسل التوريد الإقليمية.

يشار إلى أن الولايات المتحدة طالما كانت مؤيدًا صريحًا للفلبين، وبدا ذلك جليًا عندما أصدرت واشنطن بيانًا شديد اللهجة ضد الإجراءات الصينية الأخيرة، حيث اعتبر البيان الأمريكي الصادر الأحد الماضي أن أي "هجوم على القوات المسلحة الفلبينية أو سفينة عامة من شأنه أن يستدعي ردًا أمريكيًا ضمن مقتضيات التزامات الدفاع المشتركة الأمريكية الفلبينية"، وذلك في إشارة إلى معاهدة الدفاع المشتركة بين واشنطن ومانيلا التي تعود لعام 1951، وهذا ما أعاد بايدن التأكيد عليه.

وكانت سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني قد اقتربت الأحد الفائت من سفينة دورية فلبينية، ما كاد أن يتسبب في تصادمهما.

وبالتزامن مع وقوع تلك الحادثة دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر "بكين إلى الكف عن سلوكياتها الاستفزازية وغير الآمنة"، معتبرًا أن أي "هجوم على القوات المسلحة الفلبينية من شأنه أن يؤدي إلى رد أمريكي".

يذكر أن بكين زادت من أنشطتها التوسعية في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، حيث تدعي السيادة على الكثير من تلك المناطق، وذلك على الرغم من أحكام المحكمة الدولية في 2015-2016 التي خلصت إلى أن مطالبها ليس لها أساس قانوني. وقدمت الفلبين أكثر من 200 احتجاج دبلوماسي ضد الصين منذ العام الماضي ، بما في ذلك ما لا يقل عن 77 احتجاجًا منذ تولى ماركوس منصبه في حزيران/يونيو.

وكان وزير الخارجية الصيني تشين جانج عبّر أثناء اجتماعه مع الرئيس الفلبيني  في مانيلا يوم السبت عن استعداد بلاده للعمل مع الفلبين لحل الخلافات.

وتأتي التوترات الحالية في بحر الصين الجنوبي "في نفس الوقت الذي تبني فيه بكين جيشها وتستعد لضم قوي محتمل لتايوان" حسب صحيفة الغارديان التي ترى أن احتمال نشوب صراع حول تايوان - التي تعتبر الولايات المتحدة واحدة من أكبر داعميها على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية - يجبر الدول في شرق وجنوب شرق آسيا على تقييم العلاقات مع الصين والولايات المتحدة.

وفي هذا الصدد تعد اليابان وكوريا الجنوبية من بين أولئك الذين يقفون بقوة ضد عدوان بكين، لكن الدول الأخرى كانت أكثر حذرا أو غير راغبة في الضغط على الصين.

Getty

الرئيس الفلبيني يطمئن الصين

استبق الرئيس الفلبيني زيارته لواشنطن بتصريحات مطمئنة لبكين قال فيها إن حكومته لن تسمح بأن تصبح بلاده "نقطة انطلاق" لعمل عسكري، مع العلم أن مانيلا أتاحت للولايات المتحدة مؤخرًا استخدام قواعد عسكرية إضافية، من بينها قاعدة بحرية قريبة من جزر سبراتلي المتنازع عليها واثنتان قريبتان من تايوان، لكن الرئيس الفلبيني ماركوس أكّد للصحفيين الأحد على متن طائرته المتوجهة إلى واشنطن أنّ حكومته "لن تشجع أي عمل استفزازي من جانب أي دولة، من شأنه توريط الفلبين"، مردفًا القول "لن نسمح باستخدام الفلبين كنقطة انطلاق لأي عمل عسكري من أي نوع".

في المقابل حض رئيس الفلبين الصين على الالتزام باتفاق، أبرمه مع الرئيس شي جينبينغ في وقت سابق هذا العام في بكين، لإقامة "آلية تواصل مباشرة" حول مواضيع تتعلق بمطالبات سيادية متداخلة في بحر الصين الجنوبي، حيث بادرت مانيلا، حسب الرئيس الفلبيني "إلى تشكيل فريقها بعكس بكين التي تلكّأت".

وأكّد الرئيس الفلبيني أنه لن يسمح للصين "بتجاهل حقوق الفلبين في مياه البحر" ويبدو أن تقربه من الولايات المتحدة يندرج ضمن مساعيه "لتعزيز العلاقات الدفاعية مع واشنطن" تحسبا لأي تصعيد صيني محتمل.

أزمات ماركوس في واشنطن

وكان بايدن أول مسؤول تواصل مع ماركوس بعد انتخابه. في الوقت نفسه، بعث أعضاء من الكونغرس رسالة إلى بايدن تطالب بإثارة "أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في الفلبين"، خلال اجتماعه مع ماركوس.

وأشارت الرسالة إلى انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في عهد الرئيس السابق، واستمرار الإفلات من العقاب، مع استمرار الاعتقالات السياسية في عهد ماركوس.

وبحسب الواشنطن بوست فإن اجتماع بايدن نقطة فارقة بالنسبة لعائلة ماركوس، حيث كان والده رئيسًا للفلبين أيضًا وأدين نظامه بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتشير الصحيفة إلى تحول العائلة من "منوذ سياسيًا إلى ضيوف شرف في العاصمة الأمريكية"، رغم أن الولايات المتحدة دعمت سابقًا ماركوس الأب على الصعيد السياسي، مع السماح بإحالة القضايا المتهم بها إلى المحاكم، وحول ذلك تعليق الواشنطن بوست على تفوق المصالح الجيوسياسية لأمريكا على القضايا الأخرى.

Getty

وقال المفوض السابق للجنة الرئاسية للحكم الصالح في الفلبين ، المكلفة باستعادة ثروة عائلة ماركوس غير المشروعة روبن كارانزا: "هذا هو المكان الذي تتداخل فيه مصالح ماركوس والولايات المتحدة". مضيفًا: "إن الولايات المتحدة بحاجة إلى ماركوس الابن كبواب لفتح الباب أمام القوات الأمريكية. من ناحية أخرى، يحتاج ماركوس إلى الولايات المتحدة للبقاء في السلطة، وللحد من طموحات أي فصيل عسكري تتودد إليه سلالات سياسية متنافسة، وللحفاظ على الحصانة الدبلوماسية التي تسمح له بالعودة إلى الولايات المتحدة".

وبعد فترة وجيزة من فوزه في الانتخابات، قال ماركوس الابن إنه يأمل في "إعادة تقديم الفلبين إلى أمريكا والعالم". يترافق ذلك مع حرص الولايات المتحدة على هذه العلاقات التي تأتي بعد سنوات من التوتر في عهد سلفه رودريغو دوتيرتي.

بعث أعضاء من الكونغرس رسالة إلى بايدن تطالب بإثارة "أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في الفلبين"، خلال اجتماعه مع ماركوس

يشار إلى أن بايدن بصفته عضوًا في الكونغرس في الثمانينات، كان من أشد المنتقدين لماركوس الأب، الذي شهد حكمه الذي دام 20 عامًا اعتقال الآلاف وقتلهم وتعذيبهم. كما عارض بايدن جهود إدارة ريغان لحماية الزعيم الفلبيني ، الذي فر إلى المنفى في هاواي بعد ثورة شعبية أطاحت به في عام 1986.