12-أكتوبر-2015

من فيلم Human Centipede

دائمًا، يبدأ الأمر كمزحة، فالعلموية Scientology بدأت كذلك، فكاتب الخيال العلمي ل. رون هابرد (1911-1986) إذ صرّح عدة مرّات بأنه "عليك أن تؤسس ديانة جديدة، هذه أسهل طريقة لجني المال"، وفعلًا نجح هابرد، أصبح للعلموية الآن كنيسة تم الاعتراف بها عام 1953، تحوي أكثر من ثمان ملايين "مؤمن"، منهم بعض المشاهير كالممثلين جون ترافولتا وتوم كروز، ذات الشيء حصل مع المخرج الهولندي توم سيكس، حيث ألقى مرة نكتة لأصحابه بأن أفضل طريقة لمعاقبة أحد المتحرشين بالأطفال الذي رأوه على التلفاز، هي تخييط فمه إلى مؤخرة سائق شاحنة بدين. 

ماذا لو قام الرؤساء المهووسون بمحاكاة فكرة فيلم "الدودة البشرية"؟

وهذا ما حصل، طور سيكس الفكرة وتحولت إلى فيلم سينمائي، أُنتج الجزء الأول منه عام 2009، ثم الجزء الثاني عام 2011، وآخر الأجزاء كانت هذا العام، الفيلم في الجزء الأول يحكي قصة طبيب مهووس يخيط أجساد ثلاثة سيّاح سذج "فم –مؤخرة" ليصنع ما يعرف The Human Centipede أو الدودة البشريّة، وتتالت العملية في الأجزاء التالية لتشمل أعداد أكبر من البشر مع اختلاف الحكاية.

اقرأ/ي أيضًا: "الولد الصغير".. الفن كأداة للتدليس

مرة أخرى فلنمزح ذات المزحة، ماذا لو أن حفنة من قادة الدول، كانوا يجلسون ليلًا وشاهدوا فيلم The Human Centipede وقرروا أن يجربوا نظامًا سياسيًا هجينًا أو "دودة دوليّة"، تكون فيها الدول مرتبطة بعضها مع بعض وفق ثنائية "فم –مؤخرة"؟ وكما في الفيلم يختار الرؤساء واحدًا منهم مصاب بمس عقلي ليشرف على العمليّة، وكما الفيلم أيضًا لا بد من ترياق يعطى لأجساد الدول الثلاثة للحافظ على مقومات الحياة فيها نظراً لتغيّر نظام الغذاء، لا، مستحيل. ضحكوا بين بعضهم، ثم ما لبثت الفكرة أن نالت إعجابهم، فهي بالنهاية مزحة، ولا بد من الضحك في عصر الملل والمآسي هذا.

الفيلم صُنف بوصفه غروتيسك، ومجرد انعكاس لهلوسات ومخاوف شخصيّة للمخرج، ورغم ادعاءات سيكس بأن العمليات في الفيلم دقيقة طبيًا ويمكن تنفيذها، إلا أن ذلك نُفي من قبل المختصين، وهذا ما شكل تحديًا للرؤساء، لا بد من ضمان استمرار الجسد الجديد للدول.

قام الرؤساء بالبحث باستخدام غوغل لفهم التقنية، وباستخدام الخبراء الإعلاميين والسياسيين لاختبار صحة أجساد الدول والأنظمة، وجدوا أن هذه الفكرة لم تطبق سابقًا سوى في الفيلم الرعب الذي شاهدوه، وفي فيلم إباحي بعنوان The Human Sexipede، كذلك في إحدى حلقات مسلسل كرتون للراشدين باسم South park، بدأ الرؤساء الخطة، نأخذ ثلاث بلدان متجاورة، ونحاول وصلها "فم –مؤخرة"، بحيث البلد في المقدمة يستهلك مقومات الدولة الاعتيادية، والباقيان يستهلكان المخلفات، ومن أجل الحفاظ على حياة "الجسد الموحد" أو الدودة الدوليّة، لا بد من ترياق يغذي الأجساد الثلاثة بالطعام-العنف، كي لا تحصل حالات وفاة مفاجأة لأحد هذه الكيانات، الغذاء يجب أن يكون منظمًا، تيارات متشددة، تيارات طائفية مسلحة، براميل، طائرات بأسماء روسيّة، بحيث لا يواجه هذا الكيان الدولي الجديد أي معوقات قد تؤدي لموته، وكالفيلم، باستخدام الخيوط، تم رسم حدود جديدة لـ(الجسد/ الدول)  بحيث أصبحت متصلة بعضها ببعض من أجل عمليات الاستهلاك والإنتاج.

اقرأ/ي أيضًا: سينما من أجل الحرية

الوصول إلى هذه الدودة الدوليّة الجديد تطلب جهود هائلة من هؤلاء الرؤساء المازحين من أجل إتمام العمليّة، سلاح، أموال، عتاد، طائرات، لكن نهايةً، الضحك المتقن والكوميديا الدائمة بحاجة لعمل وجهد حثيثين، لا تهريج ودعابات تنتهي فورًا كحالة ليبيا ونظام القذافي الذي انتهى الغروتيسك بموته، لا بد من ضحك مستمر، سلسلة من الدول التي تقتات على بعضها، بحيث يستمر الضحك لسنوات، وكلما اختلفت نوعية "الدعم" اختلفت تغيرات هذه الدودة الدوليّة الهجينة.

جرح عميق للبشرية ومفاهيمها بأن نكون ضحية مخبولين وهلوساتهم

مع إطلاق الجزء الجديد من الفيلم، وجد الرؤساء إلهامًا جديدًا لتطوير هذا الشكل الجديد من الدول/الجسد، ماذا لو أضفنا لسلسلة الدول المتصلة (الدودة) دولًا أخرى، تنظيمات مسلحة، دولة حديثة النشوء تنمو فقط من مفرزات الدول السابقة وما خسرته من ثروات. تابع الرؤساء العمل، والدودة الدولية الهجينة تَكبر، وتثير ضحك تلك الثلة المهووسة بالأفلام سيئة الإنتاج، بالرغم من أنها (الدودة الدوليّة)، كالفيلم، نالت بعض الجوائز واستحسان البعض دولًا وشخصيات اعتباريّة، إلا أن الأغلبية العامة من الجمهور/ الشعب تقف مذهولة تجاه ما يحصل، كيف من الممكن أن تستمر هذه الأشكال الهجينة لما لم يعد من الممكن أن يسمّى دولاً، بل تنظيمات متصلة تقتات على بعضها "فم –مؤخرة".

الجمهور لم يعد يضحك، لكنه متورط في هذا الكيان، هو يخسر دائمًا، يهجر هذه الدول/ الأجساد التي تقتاته وتقتات نفسها، المزحة لم تعد مضحكة، أن تعيش في أحلام وتصورات المخبولين ممن يجدون أنفسهم فوق البشر والأنظمة، مأساة، جرح عميق للبشرية ومفاهيمها بأن نكون ضحية مخبولين وهلوساتهم. 

اقرأ/ي أيضًا: "الزيارة".. على خطوات الذاكرة