1. عشوائيات
  2. مجتمع

الذكاء الاصطناعي ومنصات التواصل: كيف تؤثر السياسات الرقمية على الصحفيات ومحتواهن؟

1 أغسطس 2025
منصات التواصل
تعتمد الصحفيات على المنصات الرقمية كوسيلة أساسية لنشر محتواهن الصحفي (اليونيسكو)
أفنان أبو يحيى أفنان أبو يحيى

حاولت الصحفية غادة الشيخ، 39 عامًا، قبل أشهر، النشر عبر حسابها على منصة "إكس" دون جدوى، لتكتشف لاحقًا أن المنصة قد قيدت حسابها لمدة أربعة أيام بسبب منشور تضمّن مادة صحفية لها تناولت قضية فتاة تعرضت للتعنيف.

خلال تلك الفترة، لم تتمكن غادة من نشر محتواها وتقاريرها الصحفية على المنصة التي تعتمد عليها بشكل رئيسي للتفاعل والنشر، كما عجزت عن تقديم اعتراض على قرار المنصة في ظل غياب آليات واضحة لذلك. وزاد من وطأة التجربة ما تولّد لديها من رقابة ذاتية، فرضتها على نفسها خشية تكرار تقييد الحساب.

تشير تقارير دولية إلى تزايد اعتماد منصة "إكس" على أنظمة الذكاء الاصطناعي في إدارة الحسابات والمحتوى، ما يؤدي إلى فرض مزيد من القيود الرقمية، لا سيما في المنطقة العربية.

وليست هذه مشكلة "إكس" وحدها؛ إذ كشفت تسريبات صحفية أن شركة "ميتا" — المالكة لتطبيقي "فيسبوك" و"إنستغرام" — تتجه أيضًا إلى رفع اعتمادها على الذكاء الاصطناعي في تقييم المحتوى ليصل إلى 90%، ضمن خطة للتحوّل الكامل إلى إدارة مؤتمتة. ويُخشى أن يُفضي هذا التوجه إلى تقليص حرية النشر والتعبير، ويُقيّد قدرة الصحفيات على إيصال أصواتهن في الفضاء الرقمي.

قمع فوري للمحتوى 

 

تلجأ غادة إلى وسائل التواصل الاجتماعي كجزء أساسي من عملها الصحفي، الذي يركّز على قضايا حقوق الإنسان والشأنين السياسي والاجتماعي. يبدأ ذلك من رصد مواضيع للكتابة، إذ تقول:"أحيانًا بقرأ التعليقات، بتخطر لي تغطيات صحفية مهمة، وهذا إشي مهم لأن إنتاج الأفكار هو أكبر تحدٍ للصحفي."
كما تستخدم هذه المنصات للتواصل مع الناس، ورصد القصص، والبحث عن شخصيات محددة، وهي طريقة تراها فعالة، خاصة بعد أن بنت ثقة وخطوط تواصل قوية مع جمهورها، وقاعدة جيدة من القرّاء والمتابعين.

من جهة أخرى، تعتمد غادة بنسبة تتجاوز 90% على هذه المنصات لنشر محتواها الصحفي وتعزيز وصوله، في وقت ترى فيه أن قدرة الجمهور على قراءة المواد الطويلة أو مشاهدة الفيديوهات المطوّلة باتت تتراجع. لذلك، فإن معدل قراءات تقاريرها، وكذلك مشاهدات البودكاست المصوّر الذي تنتجه، يتراجع بشكل حاد عندما يتعرّض حسابها لقيود رقمية تفرضها سياسات منصات التواصل.

تضيف غادة أن اعتماد هذه المنصات على الذكاء الاصطناعي في إدارة المحتوى وتصنيفه، جعل الرقابة أسرع وأكثر آلية، خصوصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر 2023. فالخوارزميات ترصد خلال دقائق كلمات تعتبرها مخالفة لمعايير النشر.
وقد أشار تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" إلى أن اعتماد شركة "ميتا" على الذكاء الاصطناعي في الإشراف على المحتوى أدى إلى تطبيق خاطئ لسياساتها، بما في ذلك حذف محتوى لا ينتهك القواعد، فقط لأنه يدعم فلسطين على "إنستغرام" و"فيسبوك".

على الصعيد الشخصي، تعرّضت عشرات المنشورات التي شاركتها غادة حول الحرب على غزة للتقييد على "إنستغرام". تقول: "أنا مش موجودة في غزة وما بقدر أغطي الأحداث ميدانيًا، فكان أقل شيء أقدر أعمله هو مشاركة عمل الصحفيين والمنصات الفلسطينية."
وتوضح أن منشوراتها التي تناولت مستشفى الشفاء وجرائم الإبادة في غزة، تلقت تحذيرات من المنصة قد تؤدي إلى تعطيل الحساب. كما تؤكد أن صفحة صحيفة "الغد" — التي تعمل فيها — تعرّضت لتقييد النشر مرتين، إحداهما استمرت شهرًا كاملًا، لم تتمكن خلاله الصحيفة من مشاركة أي مستجدات مع الجمهور.

 

تتفق الصحفية راما سبانخ (27 عامًا) مع غادة فيما يتعلق بانحياز منصات التواصل الاجتماعي وتقييدها للمحتوى الفلسطيني. ورغم أن راما تستخدم هذه المنصات بوتيرة أقل ولغايات أبسط—مثل متابعة الأحداث الجارية أو الاطلاع على الحوارات الدائرة بين الناس لاستلهام أفكار متنوعة لتقاريرها الصحفية—فإنها لم تكن بمنأى عن القيود الرقمية التي تفرضها تلك المنصات، والتي تتخذ في كثير من الأحيان أشكالًا غير مباشرة.

تلاحظ راما باستمرار تراجعًا في عدد مشاهدات "القصص" (الستوريات) على حسابها في إنستغرام بنسبة تتجاوز 40% خلال العامين الماضيين، نتيجة تفاعلها مع أحداث الحرب على غزة، في ما يُعرف بظاهرة "الحظر الظلي" (Shadow Banning). وهي آلية تعتمدها بعض المنصات لتقييد وصول المحتوى من دون إشعار المستخدم، وذلك عبر تقليل ظهوره ضمن نتائج الخوارزميات أو منعه من الوصول إلى المتابعين، من دون حذفه أو حظر الحساب صراحة.

تعلق راما: "مش ضروري الخوارزمية تحذف محتواك أو تسكّر حسابك عشان تقيدك، بتقدر ببساطة تخليك غير مرئي". وتشير إلى أن هذه المنصات باتت تدفع المستخدمين نحو رقابة ذاتية مبالغ فيها، من خلال محاولة التحايل على الخوارزميات باستخدام رموز أو كلمات بديلة يصعب رصدها.

 

بالنسبة لراما، تُضاف قيود منصات التواصل الاجتماعي إلى عشرات القيود التشريعية التي تُضيّق الخناق على الصحفيين رقميًا، وتَحول دون نشر محتواهم وإيصال رسائلهم. وإلى جانب ذلك، لا تُعد هذه المنصات بالضرورة مفيدة في التفاعل مع الجمهور، في ظل التغييرات المستمرة التي تطرأ على سياساتها. وتقول راما: "أحيانًا المنصات بتعطيك شعورًا مزيفًا بالوصولية للجماهير"، مشيرة إلى أن هذه الأدوات الرقمية قد تُنتج فقاعات رقمية جديدة تتنبأ بسلوك الأفراد وتُظهر لهم المحتوى المقبول وفقًا لخوارزميات المنصة، ما يُضعف إمكانية التفاعل مع القضايا ووجهات النظر المخالفة.

عملت راما لأسابيع على إنتاج حلقة بودكاست لصالح منصة "صوت" تناولت المشاركة الفاعلة للمرأة الفلسطينية في العمل الثوري. وإذ تدرك أن موضوعًا كهذا قد يجعلها عرضة للتقييد الرقمي، حرصت على التنبؤ بتصرفات الخوارزمية، وقررت مشاركة مقطع مصوّر من المقابلة يُظهر الحوار بينها وبين الضيفة، بدلًا من نشر صورة أرشيفية تُجسّد سيدة مقاومة بشكل مباشر.

وترى راما أن المحتوى الفلسطيني قد يكون حاليًا من بين أكثر أنواع المحتوى تعرّضًا للتقييد الرقمي، إلا أن المحتوى النسوي بدوره كثيرًا ما يُواجه ضغوطًا مماثلة، خاصة عند تناوله مواضيع حساسة مثل العنف الأسري، والتحرش، والحملات المطالِبة بالمساواة، أو الدعوات إلى تعزيز تمثيل النساء في الحياة السياسية والنقابية. ففي كثير من الحالات، تُصنَّف هذه المنشورات على أنها "محتوى حساس"، مما يؤدي إلى تقليل انتشارها أو وضع تحذيرات عليها.

 

ترويج لخطاب الكراهية
لا تقتصر القيود التي تفرضها سياسات منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما تلك المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، على قمع المحتوى بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بل قد تسهم أحيانًا في الترويج لخطاب الكراهية ونشر الأخبار المضللة.

في هذا السياق، تنسّق الصحفية المتخصصة في قضايا العمال وحقوق المرأة، رانيا الصرايرة (45 عامًا)، شبكةً لمناهضة العنف الرقمي ضد الصحفيات في الأردن، أسّستها عام 2022 بالتعاون مع مجموعة من الزميلات. ومن خلال هذه الشبكة، استقبلت رانيا عشرات الشكاوى المرتبطة بالعنف الرقمي، والتي جرى توظيفها لاحقًا كمدخلات في مسح بحثي كشف أن نحو 54% من الصحفيات في الأردن تعرّضن لواحد أو أكثر من أشكال هذا النوع من العنف.

 

"الناس بتتعامل بشكل مختلف مع المحتوى الصحفي لما تنتجه صحفية"، تقول رانيا، في إشارة إلى كيف تصبح الصحفيات أنفسهن محورًا للنقاش على منصات التواصل الاجتماعي، بدلًا من التركيز على مضمون ما يقدّمنه. وتنهال التعليقات التي تتناول مظهرهن، وأخلاقهن، وأسرهن، وخصوصياتهن، في نمط من الخطاب قد يصل إلى مستوى خطاب الكراهية، وهو ما يقيّد حريتهن الصحفية، ويدفع بعضهن أحيانًا إلى تغيير مسارهن المهني.

تعرّضت رانيا شخصيًا لحملة من الذم والقدح على منصات التواصل الاجتماعي قبل سنوات، عقب ظهورها في مقابلة تلفزيونية حول تعديلات قانون الضمان الاجتماعي في الأردن، لا سيما أن كثيرًا من هذه القنوات تعتمد على المنصات لتحقيق ذروة التفاعل. وتقول: "ولا تعليق كان له علاقة بالكلام اللي حكيته، وهاي الإساءة كانت مزعجة جدًا إلي ولابني في المدرسة"، في إشارة إلى التعليقات التي شككت في أخلاقها، وانتمائها، وكفاءتها المهنية، بل وهاجمت عائلتها.

وتتفاقم الأزمة عندما تُكرّس المنصات هذا النمط من التفاعل السلبي، أولًا عبر استجابتها المحدودة لحذف الحسابات أو التعليقات المسيئة، وثانيًا من خلال تعزيز انتشار هذا المحتوى، حتى لو كان ضارًا. وتوضح رانيا أن هذه المنصات تسعى لإبقاء المستخدمين أطول وقت ممكن، ما يدفع خوارزمياتها إلى الترويج تلقائيًا لأي محتوى يحقق تفاعلًا عاليًا، حتى وإن تضمّن خطاب كراهية. ونتيجة لذلك، تصبح الصحفيات أكثر عرضة للتهديد، خصوصًا حين يُعاد تداول المحتوى المسيء وتضخيمه في دوائر مسيئة، بما يؤدي في أحيان كثيرة إلى تحريفه أو إخراجه من سياقه.

قبل عام، نشرت رانيا تغريدة على منصة "إكس" تضامنًا مع زميلة حقوقية تعرضت لهجمة رقمية بسبب موقفها النسوي. لكنها فوجئت بأن منشورها انتشر على نطاق واسع بطريقة لا تفهمها، لتبدأ موجة من التفاعل العدائي من عشرات الحسابات، الحقيقية والوهمية، التي بحثت في تاريخها ونشرت تفاصيل خاصة بها، وصولًا إلى التهجم على حالتها الاجتماعية كامرأة أرملة، وتلقيها رسائل تهديد مباشرة عبر الرسائل الخاصة.

وترى رانيا في هذه الحادثة دليلًا على كيف تُسهِم المنصات في توسيع نطاق الإساءة بدافع تعزيز التفاعل، حتى وإن كان ذلك على حساب سلامة المستخدمين. وهي تتعامل مع هذه الانتهاكات بحسب الحالة، سواء عبر الإبلاغ للمنصة، أو التوجه إلى مختصي السلامة الرقمية، أو إلى وحدة الجرائم الإلكترونية.

بالنسبة لرانيا، تُشكّل منصات التواصل الاجتماعي مساحة ضرورية للصحفيات، لكنها ليست دائمًا مساحة آمنة. وتشدد على أن تقنيات الذكاء الاصطناعي المعتمدة في إدارة المحتوى تُفاقم أحيانًا هذه الانتهاكات، ما يجعل من الضروري تطويرها لتكون أكثر وعيًا وحساسية تجاه استهداف الصحفيات، مع مراعاة السياقات النفسية والاجتماعية المحيطة بالمحتوى.

 

تعكس تجارب الصحفيات كيف غدت منصات التواصل الاجتماعي فضاءً مزدوجًا: تتيح النشر والتفاعل من جهة، وتُكرّس الإقصاء الرقمي والتضييق من جهة أخرى. وفي ظل التوسع المتسارع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تبرز الحاجة الملحّة إلى تطوير سياسات تقنية أكثر عدالة، تراعي خصوصية السياقين المحلي والجندري، وتضمن حماية الصحفيات ومحتواهن من الرقابة الجائرة والعنف الرقمي.

تم إعداد هذا المقال والصور المرفقة بدعم من منظمة اليونسكو في الأردن. وتُعبّر الآراء ووجهات النظر الواردة فيه عن رأي الكاتبة والمصوّر فقط، ولا تمثّل بالضرورة سياسات اليونسكو أو مواقفها الرسمية.

كلمات مفتاحية
صورة تعبيرية

لماذا تدفع أوروبا لاجئين للعمل بمهن لا تتناسب مع شهاداتهم العلمية؟

أيًا كانت الشهادة العليا التي يحملها، يصطدم اللاجئ في أوروبا بعروض العمل التي تنحصر بوظائف كالحدادة والتنظيف والتوصيل

التدخين

"عض قلبي ولا تعض سيجارتي".. كيف تحوّل تدخين المصريين من عادة إلى اقتصاد قائم بذاته

رغم الوعي المتزايد بمخاطر التدخين الصحية، فإن الملايين في مصر ما زالوا أسرى لهذه العادة

صدمات نفسية

بعد حرب غزة: صدمات نفسية متفاقمة وحالات انتحار متزايدة بين جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي

باتت الصحة النفسية لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في الحرب على غزة قضية مطروحة في النقاش الإعلامي، مع تزايد حالات الانتحار

شركة "كلاود فلير"
تكنولوجيا

عطل في خدمات "كلاودفلير" يتسبب بشلل رقمي واسع حول العالم

شهدت شبكة الإنترنت، اليوم الثلاثاء، واحدًا من أكبر الانقطاعات الرقمية في الأشهر الأخيرة

الشيباني في بكين
قول

سباق دبلوماسي سوري في سياق التنافس الأميركي والصيني والروسي

تشهد الساحة الدولية حراكًا دبلوماسيًا سوريًا نشطًا، في ظل التحولات الكبرى التي تمر بها المنطقة

البرلمان المصري
قول

عزوف وإحباط: الفجوة المستمرة بين المصريين وبرلمانهم على مدار التاريخ

شرع المصريون في ممارسة أولى صور المشاركة السياسية المنظمة، وعلى امتداد ما يقرب من قرنين

tsamym-altra-wyb-qyas-jdyd.png
نشرة ثقافية

بعد 45 عامًا من النجومية والعطاء.. توم كروز يحصل على جائزة الأوسكار الفخرية

توح كروز يحصل على الأوسكار الفخرية