22-يناير-2025
بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي في مكتب "غوغل" بتل أبيب (AFP)

بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي في مكتب "غوغل" بتل أبيب (AFP)

 

كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، أن شركة التكنولوجيا العملاقة "غوغل" ساعدت جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر توفير تقنيات متطورة للذكاء الاصطناعي، رغم نفي الشركة سابقًا تورطها في الحروب أو دعم إسرائيل.

وبحسب وثائق داخلية تحصلت عليها الصحيفة الأميركية، فإن "غوغل" سعت بشكل مكثف لتوفير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة للجيش الإسرائيلي بعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. الطلبات التي تقدمت بها وزارة الأمن الإسرائيلية جاءت في إطار تعزيز العمليات العسكرية لجيش الاحتلال في قطاع غزة.

"غوغل" سعت بشكل مكثف لتوفير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة للجيش الإسرائيلي بعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023

وأثارت هذه الخطوات أسئلة حول الدور المتنامي لشركات التقنية الكبرى في النزاعات المسلحة، خاصة مع تصاعد المخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية.

 

غوغل وعقد "نيمبوس": بوابة التعاون التقني

تعود جذور التعاون بين "غوغل" وإسرائيل إلى عام 2021، عندما أبرمت شركتي "غوغل" و"أمازون" عقدًا مع إسرائيل، اشتهر باسم "نيمبوس"، وهذا العقد بلغت قيمته مليارات الدولارات يهدف إلى تحسين البنية التحتية التكنولوجية للحكومة الإسرائيلية.

 

 

ويضمن العقد بناء مراكز بيانات داخل إسرائيل، مع التزام الشركتين بتوفير خدمات الحوسبة السحابية وتخزين البيانات للوزارات الحكومية الإسرائيلية، بما في ذلك وزارة الأمن.

رغم تأكيد "غوغل" مرارًا أن العقد لا يشمل أي استخدامات عسكرية أو استخباراتية حساسة، أظهرت تصريحات مسؤولين إسرائيليين عكس ذلك. ففي مؤتمر استضافته وسائل إعلام إسرائيلية عام 2024، أشار مدير هيئة الأمن السيبراني الإسرائيلية، غابي بورتنوي، إلى أن "نيمبوس" لعب دورًا حاسمًا في العمليات العسكرية لجيش الاحتلال، قائلاً: "بفضل نيمبوس، تحدث أشياء مذهلة أثناء القتال، وهي جزء كبير من النصر".

 

طلبات وزارة الأمن الإسرائيلية بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023

بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023، تصاعدت الطلبات من وزارة الدفاع الإسرائيلية للوصول إلى خدمات غوغل، خاصة أداة "Vertex" ، التي تتيح للعملاء استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات. وأظهرت الوثائق الداخلية أن "غوغل" سارعت لتلبية هذه الطلبات، خوفًا من أن تتحول إسرائيل إلى شركة "أمازون"، منافستها الرئيسية في عقد "نيمبوس".

وبحسب الوثائق، تضمنت الطلبات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات تحليل البيانات وتسريع معالجة المعلومات الاستخباراتية. كما طلبت إسرائيل في وقت لاحق من عام 2024 الوصول إلى تقنية "Gemini" من غوغل، وهي أداة ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل المستندات والبيانات الصوتية.

وأوضحت الصحيفة أنه حتى تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما كانت الغارات الجوية الإسرائيلية قد حولت أجزاء كبيرة من غزة إلى أنقاض، تُظهر الوثائق أن الجيش الإسرائيلي كان لا يزال يستعين بآخر تقنيات الذكاء الاصطناعي من "غوغل".

 

التكنولوجيا والعمليات العسكرية

كشف التقرير عن أن الجيش الإسرائيلي استخدم تقنيات ذكاء اصطناعي متطورة لتحسين كفاءة العمليات العسكرية. إحدى هذه الأدوات، تدعى "حَبْصورة"، طورت داخليًا لتوفير آلاف الأهداف المحتملة للقصف في غزة. تعتمد الأداة على تحليل بيانات مثل الصور الفضائية والاتصالات المُعترَضة لتحديد مواقع الأنفاق والصواريخ. ومع ذلك، أثيرت تساؤلات داخلية في الجيش الإسرائيلي بشأن دقة هذه الأداة والاعتماد المفرط عليها، مما أدى إلى تآكل جودة التحليل البشري التقليدي.

أشار مسؤول عسكري إسرائيلي كبير في مقابلة صيف 2024 إلى أن الجيش استثمر بشكل كبير في تقنيات السحابة الحاسوبية وأنظمة الحوسبة الخلفية بالتعاون مع شركات أميركية. وذكر المسؤول أن الجيش اختبر تقنيات الذكاء الاصطناعي لفحص البيانات الصوتية والفيديوهات كنظام تدقيق داخلي لعملياته.

 

ردود أفعال داخل "غوغل"

أثارت هذه التطورات احتجاجات داخلية داخل "غوغل". في العام الماضي، قامت الشركة بفصل أكثر من 50 موظفًا احتجوا على التعاون مع إسرائيل بموجب عقد "نيمبوس". عبّر الموظفون عن مخاوفهم من أن تُستخدم تقنيات "غوغل" في عمليات تنتهك حقوق الفلسطينيين.

في رسالة داخلية وقّعها أكثر من 100 موظف، طالب العاملون في شركة التكنولوجيا العملاقة بمراجعة التزامات الشركة تجاه حقوق الإنسان، إلا أن "غوغل" تجاهلت الطلبات وفقًا لمصادر داخلية.

الانتقادات لم تقتصر على الموظفين، بل امتدت إلى منظمات حقوقية اعتبرت أن هذا التعاون يعزز هيمنة إسرائيل العسكرية على حساب حقوق الفلسطينيين. وقد أشار التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه في مهام إدارية بعيدة عن الخطوط الأمامية، لكن الغموض حول تفاصيل استخدام التقنيات يثير الشكوك حول مدى توافق هذا التعاون مع التزامات "غوغل "الأخلاقية.

 

"نيمبوس" ومستقبل النزاعات

رغم الجدل، يظل عقد "نيمبوس" أحد أبرز التحالفات التكنولوجية التي أبرمتها إسرائيل. الصفقة سمحت بإدخال تقنيات متطورة إلى عمليات الجيش الإسرائيلي، مما ساهم في تغيير شكل النزاعات الحديثة. مع ذلك، فإن الطبيعة المزدوجة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، سواء في الأغراض المدنية أو العسكرية، تجعل من الصعب الفصل بين الاستخدامات السلمية والاستخدامات التي قد تؤدي إلى تصعيد النزاعات.

يكشف تقرير حديث لـ "واشنطن بوست" عن دور الشركات التكنولوجية الكبرى في النزاعات المسلحة، خاصة مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية

وبحسب "واشنطن بوست"، الوثائق لم تكشف تفاصيل دقيقة حول كيفية استخدام وزارة الأمن الإسرائيلية لهذه التقنيات، لكنها أكدت أن التعاون التقني لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية، خاصة في مجال تحليل البيانات وتحديد الأهداف.

يكشف تقرير الصحيفة الأميركية عن دور الشركات التكنولوجية الكبرى في النزاعات المسلحة، خاصة مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية. وبينما تؤكد "غوغل" التزامها بمعايير حقوق الإنسان، فإن الوثائق تشير إلى تضارب بين هذه الالتزامات وواقع العمليات التي تدعمها الشركة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو مدى مسؤولية هذه الشركات عن النتائج المترتبة على استخدام تقنياتها في النزاعات، خاصة في سياقات تنطوي على انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.