09-أكتوبر-2022
الذباب الإلكتروني الأمريكي

الذباب الإلكتروني قد يكون ظاهرة أمريكية أيضًا (Getty)

تحت صخب الحرب الدائرة في أوكرانيا وأزمة الطاقة المربكة عمدت شركتا تويتر وميتا (فيسبوك) خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس 2022 إلى إزالة مجموعتين متداخلتين من الحسابات التي تنتهك أحكام الاستخدام على المنصات التابعة لها. الحسابات على ما يظهر ترتبط بعمليات تأثير وبروباغاندا مؤيدة لمصالح الولايات المتحدة، وتوجيه الانتقادات لحكومات دول بعينها، هي الصين وروسيا وإيران.

قد تكون الولايات المتحدة متورطة في الاعتماد على الحسابات الزائفة والذباب الإلكتروني للترويج لسرديّات مؤيدة لمصالحها

عمليات التأثير التي كشف عنها تقرير مطوّل بالتعاون بين مرصد ستانفورد للإنترنت (Stanford Internet Observatory) وشبكة "غرافيكا" (Graphika)، تنتظم ضمن شبكة واسعة من الحسابات على تويتر وفيسبوك وإنستغرام وخمس منصات تواصل اجتماعي أخرى، اعتمدت على أساليب مخادعة ومضللة من أجل الترويج لسرديات غربية على نحو منسّق، في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وبحسب التقرير فإن شبكات الحسابات المنظّمة على تلك المنصات قد عملت ضمن سلسلة من الحملات المكثفة والموحّدة على مدى خمس سنوات على الأقل، ما يعني أنها لا تتبع عملية منفردة قصيرة المدى.

ووفق ما ورد في الملخص التنفيذي للتقرير المؤلف من 57 صفحة، فإن هذه الحملات المنسقة قد روّجت بشكل متواصل ومكثف لسرديات ومعلومات تدافع عن مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها، وتنال في المقابل من مصالح الصين وروسيا وإيران وتنتقدها. فعلى سبيل المثال، انخرطت الحسابات في هذه الحملات المنظمة بتوجيه انتقادات شديدة ضد الكرملين بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ شباط/فبراير الماضي، والتي تمثل "المطامح الإمبريالية" لروسيا، بحسب أحد التعبيرات المعتمدة في الحملة. ولترسيخ هذا الاتهام، فإن تلك الحسابات نشطت في مشاركة ونشر مقالات من منصات إعلامية ممولة من الحكومة الأمريكية والجيش الأمريكي، مع تبني رسائل مناهضة للإرهاب والتطرف.

ورغم الطبيعة الضخمة لهذه الحملات طويلة المدى، وإقدام شركتي تويتر وميتا على ملاحقتها وحذف الحسابات المرتبطة بها، إلا أن الشركتين لم تفصحا عن الكثير من التفاصيل التقنية بشأن التحقيقات التي جرى الاعتماد عليها لاتخاذ مثل هذه الخطوات العقابية، كما لم تشر الشركتان الأمريكيتان إلى الجهة أو الجهات التي قد تكون مسؤولة عن تشغيل وإدارة مثل هذه الحملات المخالفة لقواعد استخدام المنصات. فقد اكتفت شركة تويتر بالإشارة إلى الدول التي نشطت فيها الحسابات، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما فعلته شركة "ميتا" أيضًا، والتي ذكرت بأن مصدر الحملة هو الولايات المتحدة، دون ادعاء ارتباطها بجهات حكومية. 

وقد نجح مرصد ستانفورد وغرافيكا بالتعاون معًا في تحليل قواعد بيانات ضخمة، من أجل الكشف عن حجم ونطاق وطبيعة نشاط هذه الحسابات ومدى تأثيرها المفترض، بالإضافة إلى محاولة تحديد الجهات التي تقف وراءها. ففي حالة تويتر، حصل القائمون على التحقيق على قاعدة بيانات من حوالي 300 ألف تغريدة من 146 حسابًا. هذه الحسابات تصنف في مجموعتين ذات نمطي سلوك متباين، الأولى ترتبط بحملة تأثير حكومية أمريكية تعرف باسم "Trans-Regional Web Initiative" والتي يمكن ترجمتها إلى "مبادرة الشبكة العابرة للأقاليم"، وهي مبادرة كانت موضوعًا للعديد من الدراسات والتقارير الصحفية والأكاديمية خلال الأعوام الماضية. أما المجموعة الثانية فترتبط بحملات ذات طبيعة سريّة يصعب تحديد مصدرها. مثل هذه الحملات مجهولة المصدر كانت حاضرة كذلك في قاعدة البيانات الخاصة بحسابات وصفحات ومجموعات نشطت في فيسبوك لنفس الأغراض الدعائية، إضافة إلى 26 حساب إنستغرام ظلت نشطة بين العامين 2017 و2022.

نشر التقرير المشترك في 24 آب/أغسطس الماضي، وهو بعنوان "صوت غير مسموع: نظرة على خمس سنوات من حملات التأثير السري المؤيدة للغرب"، وقدم تفاصيل حول الآليات التي اتبعتها الحملات المشبوهة المستهدفة من قبل توتير وميتا، والتي وصفت بأنها تمثّل "حالة قصوى من حملات الدعاية المؤيدة للغرب على وسائل التواصل الاجتماعي التي تضع للمراجعة والتحليل من قبل الباحثين حتى اليوم"، وهي مثال بالغ الخطورة على تورّط دول ديمقراطية، في حملات دعاية وتضليل على الإنترنت، وذلك على اعتبار أن معظم الأنشطة المشابهة التي تم الكشف عنها في السنوات الماضية، ترتبط بأنظمة توصف بالسلطوية، مثل الصين وإيران وروسيا إضافة إلى بعض الدول في الشرق الأوسط. وبحسب التقرير، فإن العمليات على الجانبين تتبع نطاقًا متشابهًا من الأساليب، مثل إنشاء عدد كبير من الحسابات الزائفة بصور شخصية مولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، والاعتماد على أسماء منصات إعلامية تدعي أنها مستقلة، والاستفادة من الميمز والفيديوهات القصيرة، وحملات تصعيد الوسوم وترويجها، وإنشاء العرائض الإلكترونية، إضافة إلى استخدام الحسابات الآلية.

ومن الجدير بالذكر أن البيانات التي اعتمد عليها التقرير تكشف بشكل واضح عن حجم النجاح المحدود لعمليات التأثير وحملات الدعاية المنظمة على منصات التواصل الاجتماعي، ولاسيما في هذه الحالة، ويظهر ذلك في الحجم المتواضع لوصول المنشورات والتغريدات التي خضعت لمراجعة فريق البحث، والعدد المحدود من الإعجابات أو التفاعل وإعادة النشر والتغريد من قبل المستخدمين على المنصات. وعلى سبيل المثال، فإن 19% فقط من الحسابات التي خضعت للمراجعة تابعها أكثر من 1000 حساب، أما التغريدات فكان معدل التفاعل معها أقل من "نصف" إعجاب، أما عمليات إعادة التغريدة فلم يتجاوز معدلها لمجموع الحسابات المعنية 0.02 إعادة تغريد. في المقابل، فإن النصيب الأكبر من التأثير كان لحسابات تعلن بوضوح بأنها ذات ارتباط بالجيش الأمريكي.

الذباب الإلكتروني قد يكون أمريكيًا 

في أول تعليق على التقرير، الذي لم يخلص إلى وجود علاقة مباشرة للحكومة الأمريكية بالحملة، أوضح متحدث باسم "ميتا" الأمريكية إن تلك هي المرة الأولى التي تعمد فيها الشركة إلى إزالة شبكة حسابات تأثير أجنبية تروّج لمصالح الولايات المتحدة"، إلا أن ثمة خيطًا يربط هذه الحملة مع حملة أمريكية سابقة تعود للعام 2018، ذات ارتباط واضح بوزارة الدفاع الأمريكية، عملت على تطوير برمجيات تساعدها على التحكم بعدد كبير من الحسابات الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التأثير والترويج للبروباغاندا الأمريكية في عدد من القضايا والشؤون، ولاسيما المتعلقة بمناهضة الصعود الصيني مثلًا. 

نشر التقرير المشترك في 24 آب/أغسطس الماضي، وهو بعنوان "صوت غير مسموع: نظرة على خمس سنوات من حملات التأثير السري المؤيدة للغرب"

وبحسب متابعين، فإن التقرير يؤكّد أن ظاهرة الحسابات الآلية والزائفة وحملات الترويج المدعومة من جهات ذات ارتباطات حكومية ليست ظاهرة مقتصرة على حكومات أو أنظمة بعينها، وأن الأنظمة الغربية ومصالحها ليست هي الضحية دائمًا بحسب الانطباع السائد عمومًا عند النقاش حول هذه الظاهرة ودراستها والتعاطي معها في وسائل الإعلام.