07-أغسطس-2016

أوباما (Getty)

الاستراتيجية الأمريكية مكشوفة ومنشورة للعلن، يعلن عنها دائمًا المسؤولون العسكريون والسياسيون الأمريكيون بكل جلاء ووضوح لكل من يريد أن يرى الأمور على حقيقتها، صحيح أن السياسة الأمريكية سياسة مراوغة، لكنها، وبكل صراحة، تراوغ على سياسات تعلنها للعالم سابقًا ربما قبل شهور أو حتى قبل سنوات.

منذ العام 1979 بدا واضحًا أن الدين "الإسلامي" سيكون هو محور السياسية الأمريكية للسيطرة على الشرق الأوسط وإغراق شعوبه بدماء بعضهم وتفتيته

القاسم المشترك بين كل الخطط الأمريكية المعدة بإحكام أنها تعتمد على أن البشر انفعاليون ولن يؤمنوا بما ينشروه، فهم يعرفون مسبقًا أن الغالبية العظمى ستضع المخططات الأمريكية المدروسة ضمن خانة "المؤامرة" السخيفة التي تعمي هذه الشعوب عن تصديق ما ينشر وأخذ الحيطة والحذر تجاهها.

اقرأ/ي أيضًا: حلب..الشرقية تلتقي بالغربية

يبدو واضحًا اليوم من خلال سير الأحداث أن الاستراتيجية التي سأنقلها على لسان المسؤولين الأمريكيين أنفسهم وعلى أعلى المستويات، تشي بأن هناك عملية لخلق "وحوش بشرية" وإيقاظ شياطين القتل فيها، وهي سياسة خطيرة تعتمد على التشظية والتفتيت للديمغرافية والجغرافية معا، أي تعتمد على تشتيت الشعوب وتفتيت دولهم، ثم تفتيت الإنسان نفسه وجعله يعيش صراعًا مع مخاوفه وهواجسه للدرجة التي يخرج فيها للانتقام من العالم أجمع.

لنتذكر أوباما الذي تحدث قبل عامين عن تمزيق جيوش الدول والانتقال بهم خطوة خطوة وبكل هدوء إلى مجرد فصائل ومليشيات متناحرة ترسم هدفًا أبعد لتجعل من كل شخص قنبلة موقوتة تثير الذعر بين المدنيين وهو ما تحدث عنه صراحة في مؤتمره الصحفي الأخير، فمن ينظر كيف يقوم أشخاص بأعمال إرهابية فردية وهو ما اصطلح على تسميته بـ"الذئاب المنفردة" وذلك عبر التأثير الإعلامي وعن بعد على العقول الجاهزة مسبقًا لأي عمل تخريبي متوحش وهم أساسًا خارج الإطارات التنظيمية ولكن يمكن نسبة قذارتهم إلى بعض التنظيمات شرط أن يؤدي عملهم إلى موتهم.

العالم اليوم أمام منعطف خطير في الأعمال الإرهابية التخريبية وكلها تخدم سياسة "الفوضى الخلاقة" الأمريكية التي ستفرض من خلالها سيطرتها على العالم بأقل التكاليف وبدون جيوش لتصبح الدول كـ"النعاج المذبوحة" التي تشوى وتطهى "بدهنها" على مبدأ المثل الشعبي "من دهنه سقيلو".

إليكم التصريحات الأمريكية على مدى العامين السابقين من إطلاق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للسيطرة على العالم، ما عليكم فقط إلا أن تقارنوا بين ما يجري وبين هذه التصريحات.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما

2014/05/28 خطاب للرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام أكاديمية «ويست بوينت» الحربية تحدث فيها عن الاستراتيجية الأمريكية القادمة للولايات المتحدة:

ـ سأطوي "صفحة دامت أكثر من عقد، تركّزت فيه سياستنا في شكل خاص على الحروب في أفغانستان والعراق".

ـ "الإرهاب هو التهديد الأبرز للولايات المتحدة في المستقبل القريب" وهذا التهديد تحوّل من مركزية تنظيم القاعدة إلى فصائل تابعة له، وعلى الردّ الأمريكي أن يتغيّر أيضًا.

4/8/ 2016 مؤتمر صحفي للرئيس الأمريكي باراك أوباما في وزارة الدفاع الأمريكية عقب اجتماعه بمجلس الأمن القومي:

- "الخطر الذي يمثله مهاجم واحد أو خلية صغيرة ماثل وحقيقي ... ويمكن لتنظيم الدولة أن يعيد تفعيل شبكات موجودة فعلًا في الولايات المتحدة".

اقرأ/ي أيضًا: المعارضة السورية تواصل تقدمها في حلب

هيئة الأركان الأمريكية..سوريا مسلسل نزاعات 

الجنرال الأمريكي مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة هو المنصب العسكري الأعلى في القوات المسلحة الأمريكية وهو المستشار العسكري الأول لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ولمجلس الأمن القومي الأمريكي ومجلس الأمن الداخلي الأمريكي ولوزارة الدفاع الأمريكية.

على مدى 36 عامًا تتحرك الولايات المتحدة نحو "أدينة السياسة على طريقتها" ونحن نعيش اليوم آثار تلك الأدينة الكارثية في الشرق الأوسط

قال في مؤتمر عقدته مؤسسة أتلانتيك كاونسل للأبحاث والسياسة العامة في واشنطن منتصف 2014 ما يلي:

ـ مستقبل سوريا سيكون "مسلسلًا من النزاعات" "لدينا نزاع قائم حاليًا وسيكون هناك نزاع ثان هو نوع من النزاع الداخلي ثم سيكون هناك نزاع ثالث ضد المنظمات الإرهابية"..."إن هذه القضية ليست سوريا فقط بل هي من بيروت إلى دمشق إلى بغداد".

 4-6-2014 وزير الأمن الداخلي الأمريكي جي جونسون وبعد اجتماع لوزراء الداخلية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وبولندا قال حرفيًا بعد أن اعتبر أن سوريا باتت "مسألة أمن قومي" بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأوروبا:

 "استنادًا إلى عملنا وعمل شركائنا الدوليين نعلم أن أشخاصًا من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا يتوجهون إلى سوريا للقتال في معارك النزاع" هناك... "وبالطريقة نفسها يحاول متطرفون بشكل نشط تجنيد غربيين وأدلجتهم وإعادة إرسالهم إلى بلدانهم الأصلية لتنفيذ مهمات متطرفة".

منذ العام 1979 بدا واضحًا أن الدين "الإسلامي" سيكون هو محور السياسية الأمريكية للسيطرة على الشرق الأوسط وإغراق شعوبه بدماء بعضهم وتفتيته، منذ ذلك التاريخ ولدت جمهورية إيران الإسلامية وظهر حزب الله الشيعي وظهرت حركة طالبان والقاعدة وحركات الإسلام السياسي مثل حركة حماس حينها كانت الأمور متداخلة وغير واضحة المعالم تحت ستار محاربة إسرائيل والمقاومة، ثم تكشفت الحقائق وظهرت حقيقة الاصطفافات. وشاهدنا كيف انشطرت القاعدة إلى قواعد أبرزها تنظيم داعش ثم وبسرعة عجيبة تنشطر داعش إلى "ذئاب منفردة" وبعدها ستكون "الذئاب المنفردة" منفلتة من أي تنظيم.

على مدى 36 عامًا تتحرك الولايات المتحدة نحو "أدينة السياسة على طريقتها" ونحن نعيش اليوم آثار تلك الأدينة الكارثية في الشرق الأوسط، هذه الأدينة التي بدأت بكيان دولة كطالبان ثم كتنظيم كالقاعدة ثم كفصيل كداعش نجدها اليوم كأفراد اصطلح على تسميتهم بـ"الذئاب المنفردة"، هذه السياسة تهدد اليوم قلب أوربا التي يعاد إحياء إرثها "المسيحي والقبلي" رويدًا رويدًا لمواجهة "التطرف الإسلامي كموجة وكأفراد" وما كان صموئيل هنتغون يتحدث عنه من "صدام الحضارات" سيكون أمرًا حتميًا في المستقبل، وهو مما نشر سابقًا ولم نصدقه أو نحتَط له كعادتنا.

اقرأ/ي أيضًا: 

النازحون في العراق..مخيمات الموت المهملة

2016..النظرية التي تفسر عامًا سيئًا للغاية