30-يونيو-2016

احتل مسلسل مش أنا المرتبة الأولى رمضان هذا العام في لبنان(فيسبوك)

يتسابق الكتّاب والمنتجون في شهر رمضان من كلّ عام، فيصدرون أعمالاً جديدةً لمواكبة الشّهر، فبين أعمالٍ لبنانية خالصة، وأعمالٍ مشتركة، يجد المشاهد أمامه جدولاً يكفيه بعد الإفطار وقبله، مع قفزةٍ نوعيةٍ حققتها الدّراما اللبنانية لهذا العام.

تركيز الإنتاج اللبناني على الصورة، دون التركيز على إرسال رسالة هادفة، أو سرد رسالة تاريخية بقالبٍ درامي، دفع بالجمهور للحضن الدّرامي السّوري

لم تختلف الصّناعة الدّرامية اللبنانية في القرن الحادي والعشرين عن الأعوام التي سبقت، حتّى أنّها شهدت فترة تراجعٍ وضعف في المحتوى المقدّم، في الماضي، وبحكم كون تلفزيون لبنان الرّسمي، أول قناةٍ تلفزية عربيةٍ بدأت البثّ في العام 1960، نجح القطاع الدّرامي اللبناني في جذب العرب، وعكس الواقع المُعاش بصورةٍ درامية، ودراميةٍ-كوميديةٍ مشتركة، برزت مسلسلاتٌ كـ"عشرة عبيد زغار"، "المعلمة والأستاذ"، "نساء في العاصفة" و"العاصفة تهبّ مرتين" والعشرات من الأعمال التي كرّست الدّراما اللبنانية كلاعبٍ حاضرٍ على السّاحة الفنّية العربية، لكن هذا اللاعب، ما لبث أن تراجع أمام زخم تقدّم الدّراما السّورية والمصرية.

اقرأ/ي أيضًا: "الكينج منير" مطرود من رحمة "النوبة" مجددًا

حصرت الدّراما اللبنانية نفسها بدائرةٍ ضيّقةٍ وقصصٍ متشابهة، كأن الكتّاب والسّيناريست اتفقوا على القصّة ذاتها مع تغييرٍ في الأسماء، شابٌ غني يحب فتاةً فقيرةً فيعارض زواجه منها أهله، أو العكس، لتظهر أنّها أخته في النّهاية، أو وريثة ثروةٍ كبيرة. ملّ اللبنانييون القصة المعهودة، والتي تتشابه في مضمونها مع القصص الهندية والمسلسلات المكسيكية، تركيز الإنتاج اللبناني على الصّورة، دون التّركيز على إرسال رسالةٍ هادفة، أو سرد رسالةٍ تاريخيةٍ بقالبٍ درامي أو مولودرامي حتّى، دفع بالجمهور للحضن الدّرامي السّوري، الذي تميّز عن اللبناني بمعالجته القضايا التّاريخية بغضّ النّظر عن صواب المعالجة من عدمها، والذي أيضًا تميز بتناول قضايا نعيشها في كل يومٍ، إن في المجتمع، أو العمل.

شهر رمضان هذا العام كان مختلفًا، فالمسلسلات اللبنانية الخالصة، احتلت المراتب الأولى حسب شركة "IPSOS"، ليكرّس مسلسل "مش أنا"، للممثّلة والكاتبة كارين رزق الله نفسه ملكًا على المرتبة الأولى، فكارين "الممثلة" ومعها بديع بو شقرا "الممثل"، نجحوا في كسر القالب التّقليدي، وتحقيق انتفاضةٍ في الدّراما اللبنانية السّائدة.

كارين نجحت في مخاطبة اللبناني وجهًا إلى وجهٍ دون تصنّع أو تكلّف، كـ"فيلاتٍ" وقصورٍ فارهة، وسياراتٍ باهظة الثّمن، عالجت قضايا اجتماعية، كالبنت صاحبة الوزن الزّائد، المتعلمة المثقّفة والتي يعاملها المجتمع بإجحافٍ فقط بسبب جسدها، فالقصة التي يعدّ النّبيذ أحد أبطالها لوجوده بكثرةٍ في المشاهد، تعالج قضية الإيجارات القديمة والتي أثيرت العام الماضي، كأزمةٍ بين المستأجرين وأصحاب الإيجار، فأدخلتها كارين إلى أحداث المسلسل برجلٍ فقيرٍ لا يستطيع دفع إيجارٍ باهظ ويواجه الطّرد من منزله "المستأجر".

احتلت المسلسلات اللبنانية الخالصة المراتب الأولى حسب شركة "IPSOS"، وكان مسلسل "مش أنا" للممثلة والكاتبة كارين رزق الله صاحب المرتبة الأولى

اقرأ/ي أيضًا: معد برنامج الصدمة: غيرنا المعادلة الرمضانية

"مش أنا" كان له جانبٌ إنساني، تناولت فيه كارين قضية الأطفال المصابين بداء السّكري ومعاناتهم، إضافةً إلى الجانب الاجتماعي الاقتصادي، فأشارت إلى الشّركات التي تطرد العمال اللبنانيين لإبدالهم بعمالٍ أجانب بأجورٍ زهيدة ودون ضمانٍ اجتماعي، سيناريو "مش أنا" وأحداثه الغنية، وضعه بالمرتبة الأولى بحسب شركتي الإحصاء اللبنانيتين "IPSOS" و"GFK"، ثم ليحل "وين كنتي" ثانيًا.

"وين كنتي"، عنوانٌ يتحدّث عن بعض جوانب المسلسل، مأخوذٌ بلهجةٍ موجّهةٍ حصرًا للأنثى، لسؤالها عن سبب غيابها أو تأخّرها، يعالج "وين كنتي" بطولة ريتا حايك، جان قسّيس وكارلوس عازار أزمة العنف الأسري، وأهمية دور الجمعيات المدافعة عن المرأة، ليخلق كوّة في الجدار الدّرامي البحت الذي يحمله، بقصّة حبٍّ تجمع أبطاله وتتطور لاحقاً.

دخول المسلسل قلوب اللبنانيين وبيوتهم عائدٌ لأهمية القضية التي يحملها، أي العنف ضدّ المرأة، والتي شغلت حيّزًا كبيرًا في الإعلام اللبناني في العامين الماضيين، ونشطت جمعياتٌ عديدةٌ في هذا المجال، كجمعية "كفى عنف واستغلال" وغيرها. نجح الكتّاب هذا العام بحصد المراتب الأولى، متفوّقين على المسلسلات العربية المشتركة ومن فيها من نجوم، وعلى البرامج التي كلّفت ميزانياتٍ باهظة. ببساطة، المشاهد يفضّل ما يعكس معاناته اليومية، لا ما لا يمكن له تخيّله، كقصرٍ يستيقظ سكّانه، الرّجل مع سيجاره والمرأة بكامل تبرّجها.

اقرأ/ي أيضًا:

باب الحارة... "العرصات" تتكاثر

الجزائر.. فوضى البرامج في رمضان