30-سبتمبر-2018

غلاف "الديوان الإسبرطي"

بعد روايته الأخيرة "الدوائر والأبواب"، يعود الكاتب والروائي الجزائريّ عبد الوهاب العيساوي ليُصدر رواية جديدة جاءت تحت عنوان "الديوان الإسبرطي"، عن (دار ميم للنشر، الجزائر). الرواية هي الخامسة في رصيد الروائي الجزائريّ الحائز على جائزة (آسيا جبّار للرواية) عام 2015 عن روايته "سييرا دي مويرتي: جبل الموت".

جاءت الرواية الجديدة لعبد الوهاب العيساوي "الديوان الإسبرطي" من أزمنةٍ بعيدة مضت، لتضعنا في الفترة الزمنية الممتدّة بين 1815 وحتّى سنة 1833، دون مكان ثابت

يقول العيساوي في حديث مع "ألترا صوت" عن روايته الجديدة، إنّ للمكان سطوته على فضاء رواياته، منذ الرواية الأولى وحتّى الأخيرة الطازجة. وبالتالي، يصير المكان عنصرًا مهمًّا من عناصر تأثيث الفضاء الروائي عنده. وفي بعض الأحيان، يتجاوز ذلك ليصير شخصية قائمة بنفسها داخل العمل، تُقاسم بقية الشخصيات همومها وتحوّلاتها واضطّراباتها النفسية أيضًا. إذًا، من الممكن القول إنّ هذا الأمر بات ثابتًا لا يتغير في تجربة العيساوي الروائية. أمّا المتغيِّرات التي طرأت عليها منذ بدايتها وحتّى اللحظة، فمن الممكن حصرها في مستوى البنية الفنية للنصّ الروائي، أو اللغة الروائية، وأخيرًا القالب السردي الذي تُطرح الرواية من خلاله، وهذا ما يُعتبر هاجسًا عند عبد الوهاب العيساوي منذ أن دخل فضاء الأدب والرواية، ولا ينفكّ يسعى إلى تطويره.

ولضيفنا الذي قدّم رواية "سينما جاكوب"، وكما كلّ الروائيين، سؤال وجودي واحد يشغلهُ في أعماله السردية. وهو سؤال نجده مُتعدِّدًا في منجزاته الأدبية، فيأخذ في كل عملٍ من أعماله شكلًا مختلفًا عن سابقه. فالروائي، بحسب عبد الوهاب العيساوي، لا يكتب في النهاية إلّا متنًا واحدًا، ما يجعل كلّ النصوص المتبقّية مجرّد هوامش له. وهذا السؤال نجده دائمًا ما يدور في جذور الأزمات الإنسانية. "الحب والكراهية، العنف والاستبداد، كلّها أزمات إنسانية قديمة تتجدّد يومًا بعد آخر. لذا، آثرت أن أبحث عنها في أمكنتها الأولى، ووجدت أنّ الكتابة عن التاريخ والتاريخ المتخيّل، هي الطريقة الأقرب إلى بحثي هذا".

اقرأ/ ي أيضًا: آسيا جبار.. تمنح "بركتها" للشباب

بناءً على ما سبق، جاءت الرواية الجديدة لعبد الوهاب العيساوي "الديوان الإسبرطي" من أزمنةٍ بعيدة مضت، لتضعنا في الفترة الزمنية الممتدّة بين 1815 وحتّى سنة 1833، دون أن يكون للرواية مكان ثابت. فهي تبدأ من "معركة واترلو" الشهيرة التي وقعت في الثامن عشر من شهر حزيران/ يونيو 1815. وهي المعركة التي وقعت بين الجيش الفرنسي والبريطاني على أطراف العاصمة البلجيكية بروكسل، وتمكّن الإنجليز حينها من هزيمة جيش نابليون بونابرت الذي كانت تلك المعركة معركته الأخيرة. وتنتهي الرواية عند مغادرة اللجنة الإفريقية من الجزائر. وبين هذين التاريخين، يضعنا العيساوي أمام 5 شخصيات بمصائر متشابكة، على الرغم من أنّ لكلّ شخصية حكاية متفرّدة ومختلفة، ولكنّ ما يجمعها معًا، ويدخلها ببعضها البعض، هي مدينة المحروسة، أي الجزائر العاصمة التي تتشارك مع هذه الشخصيات تفاصيل كثيرة ومتشعّبة.

 يكتب عبد الوهاب العيساوي في "الديوان الإسبرطي" رواية تاريخية بحتة. ولكنّ التاريخ هنا لا يحضر إلّا ليكون مرآةً يقرأ الكاتب من خلالها واقع بلده الجزائر

شيئًا فشيئًا، تبدأ ملامح وسلوك هذه الشخصيات بالتبلور عند قارئ "الديوان الإسبرطي"، فنتعرّف أوّلًا إلى صحفي يُدعى ديبون، وصل إلى الجزائر كمراسل صحفي إبّان الحملة عليها. ومن بعده "كافيار" الذي كان جنديًا في جيش نابليون ليجد نفسه في نهاية المطاف أسيرًا في الجزائر، قبل أن يصير فجأة واحدًا من أبرز مهندسي الحملة عليها.  هنا، يصير حضور هاتين الشخصيتين الفرنسيتين، وتباين موقفهما من الحملة، مساحة يستعرض من خلالها عبد الوهاب العيساوي أهداف هذه الحملة ومآلاتها. 

على الجانب الآخر، نتعرّف إلى ثلاث شخصيات جزائرية هي "ابن ميار" و"لحمّة السّلاوي" و"دوجة". شخصيات لها هي الأخرى مواقف متباينة من الوجود العثماني في الجزائر، والحملة الفرنسية عليها أيضًا. ولكنها من ناحية أخرى، تتفق إلى حدٍّ ما في طريقة التعامل مع الفرنسيين. فنجد ابن ميار ميّالًا في مواقفه إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات وتحسينها مع العثمانيين، وحتّى الفرنسيين أيضًا. بينما نجد عند لحمّة السّلاوي موقفًا مغايرًا، حيث إنه يرى في الثورة وسيلة وحيدة لتغيير الأوضاع القائمة. أمّا الشخصية الأخيرة، دوجا، تظهر في الرواية معلّقة بين هذه الشخصيات الأربعة، وكلّ ما يشغلها هو النظر إلى تحوّلات المحروسة/ الجزائر العاصمة، ومحاولاته المستمرّة في التعايش معها، ذلك إنّه لا يستطيع إلّا أن يكون جزءًا منها، ومرغمًا على العيش فيها وفقًا للشروط التي تضعها هي، أو يصير مجبرًا على المغادرة.

إذًا، يكتب عبد الوهاب العيساوي في "الديوان الإسبرطي" رواية تاريخية بحتة. ولكنّ التاريخ هنا لا يحضر إلّا ليكون مرآةً يقرأ الكاتب من خلالها واقع بلده الجزائر. ويحاول من خلاله تحليل تفاصيل وتحوّلات كثيرة يعيشه هذا البلد.

 

اقرأ/ ي أيضًا:

تولستوي يحطّ رحاله في الجزائر

مخلوف عامر.. ألوان السرد الجزائري