30-يناير-2025
طفل يرفع علم الثورة في المسجد الأموي بدمشق

(Getty) طفل يرفع علم الثورة في المسجد الأموي بدمشق

 

شكّل سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 نقطة تحول فارقة في تاريخ سوريا. وبينما يسعى النشطاء المؤيدون للديمقراطية إلى التعاون مع الحكومة المؤقتة، لرسم مسار نحو سوريا جديدة حرة وديمقراطية، فإن الطريق يبدو حتى الآن مليئًا بالتحديات.

تكمن هذه التحديات في الانقسامات الأيديولوجية، والضعف الهيكلي، والديناميكيات الجيوسياسية. ومع ذلك، يمكن التغلب عليها من خلال التخطيط الاستراتيجي، والوحدة، والكثير من التفكير الدبلوماسي والبراغماتي بعيدًا عن التعصب والتفكير الأيديولوجي.

من أبرز التحديات التي تواجه النشطاء المؤيدين للديمقراطية هي عدم قدرتهم على تقديم جبهة موحدة. يعكس هذا الانقسام حالة عامة بين الحركات الديمقراطية الليبرالية حول العالم، وبالأخص بين المجموعات الديمقراطية التي كان عليها أن تبقى على قيد الحياة في سياقات استبدادية، لكنه يحمل عواقب أكثر خطورة في السياق السوري الذي يتطلب العمل مع قوى منظمة مثل الفصائل الإسلامية المحررة والموثوقة من قبل الناس، ومواجهة بقايا النظام السابق الانتقامية في الوقت نفسه.

إن غياب قيادة مركزية أو قادة معروفين، وعدم وجود برنامج سياسي واضح وحازم، يؤديان إلى تشتت الجهود وإضعاف الحراك الديمقراطي. للتغلب على هذا الوضع، يجب على النشطاء توحيد صفوفهم، حتى لو بطريقة غير عضوية، ووضع رؤية مشتركة، حتى لو مبسطة، لمستقبل سوريا.

يعتمد نجاح الثورة السورية على قدرة قادتها على التعلم من الأخطاء السابقة وبناء رؤية شاملة وواضحة ومطمئنة للشعب بأكمله

يمكن تحقيق ذلك من خلال التركيز على شخصيات معروفة وأهداف عملية مثل العمل على ضمان حرية التعبير والرأي، ووضع حد لبنية الفساد أو ضمان سيادة القانون لجميع المواطنين. يتعين على الناشطين المؤيدين للديمقراطية أن يفهموا أن الناس يريدون أن يتصوروا أنفسهم مشاركين بشكل مباشر في حوار وطني. وإذا لم يتمكن هؤلاء الناشطون من جعل السوريين يشعرون بأنهم يعكسون محادثاتهم الداخلية، فإنهم سيخسرون التصويت الشعبي، تمامًا كما حدث في مصر.

التحديات لا تقتصر على الانقسامات الداخلية، فالنشطاء المؤيدون للديمقراطية يواجهون أيضًا صعوبات في إقناع الشارع السوري بقدرتهم على تحقيق آمالهم بالاستقرار والأمان، خاصةً في ظل تركيزهم الكبير على قضايا حقوق الإنسان والحريات الفردية. وفي حين أن هذه القيم أساسية للديمقراطية، فإن الكثير من السوريين يبحثون عن حلول ملموسة للمشكلات اليومية، مثل توفير الوظائف والكهرباء والخدمات الأساسية.

وللتعامل مع هذه المخاوف، يجب على النشطاء إعادة صياغة رسائلهم لتشمل الجانب العملي من التحول الديمقراطي الليبرالي، وتسليط الضوء على كيفية تحقيق الاستقرار والتنمية من خلال المؤسسات التكنوقراطية. من المهم أن يُظهروا أن الخدمات والحريات والحقوق ترتكز على نفس الفعل ونفس الأسس.

يجب على النشطاء السوريين إعادة صياغة رسائلهم لتشمل الجانب العملي من التحول الديمقراطي الليبرالي، وتسليط الضوء على كيفية تحقيق الاستقرار والتنمية من خلال المؤسسات التكنوقراطية. من المهم أن يُظهروا أن الخدمات والحريات والحقوق ترتكز على نفس الفعل ونفس الأسس

بالإضافة إلى ذلك، يواجه النشطاء تحديات أخرى تتعلق بانخراط الشباب في العمل المؤسسي. فالكثير من القادة الشباب الذين اعتادوا على العمل بشكل غير رسمي وبعيدًا عن القنوات التقليدية، ويُبدي كثيرون منهم بشكل عام مقاومة للانضمام إلى الأحزاب السياسية أو المؤسسات الناشئة، وقد حدث هذا فعليًا في كل من مصر والعراق وتونس. ورغم أن طاقة هؤلاء الشباب وابتكاراتهم تعد ضرورية لنجاح التحول الديمقراطي، فإن غيابهم عن الهياكل الرسمية يضعف الجهود الجماعية ويقلل من تأثيرها. يمكن حل هذه المشكلة من خلال تعزيز الحوار بين الأجيال والاعتراف بأن هذا هو الوقت المناسب للشباب لإطلاق العنان لخيالهم ولتولي المسؤولية بشكل فعال في صنع القرار. فهم في نهاية المطاف من حرر البلاد.

التعامل مع الفصائل الإسلامية يشكل تحديًا آخر أمام النشطاء المؤيدون للديمقراطية. الانقسامات حول كيفية التعاطي مع هذه الفصائل - بين من يدعو للاعتراف بأن دورهم أساسي في تحرير سوريا وحتى ديمقراطيتها، ومن يدعو للتعاون الحذر ومن يعتبرها تهديدًا للديمقراطية - تؤدي إلى إضعاف الحراك الديمقراطي ككل وثقة الناس في الجماعات المختلفة، وهذا ليس أمرًا جيدًا في هذه المرحلة من المرحلة الانتقالية.

للتغلب على هذه الإشكالية، يجب اعتماد استراتيجية مزدوجة تجمع بين الانفتاح على جميع الفصائل لبناء شراكات حقيقية تخدم المصالح المشتركة، والتصدي للأيديولوجيات المتطرفة (دينية وغير دينية) التي تهدد الديمقراطية والتطلعات المعتدلة. وكما يوضح عبد الرحمن الكواكبي وغيره من المفكرين، فليس هناك تعارض ضروري بين الإسلام والديمقراطية.

يمكن أن يؤدي التعاون في قضايا عملية مثل البناء المؤسسي والصحة والبنية التحتية إلى تعزيز الثقة وتقليل التوترات بين مختلف الأطراف. ففي نهاية المطاف، الاعتراف بحق كل فرد وكل جماعة في المشاركة المباشرة في قاعدة حكم جديدة يلغي التعددية المرتبطة بالانتماء ويساعد في خلق شعور بالمواطنة وبالتوحد.

التحديات الخارجية تعقد الوضع أكثر. تبنت القوى الدولية نهجًا يتسم بالواقعية السياسية، حيث تفضل الاستقرار الإقليمي على حساب دعم التحولات الديمقراطية. تاريخيًا، أظهر الغرب استعدادًا لدعم الأنظمة الاستبدادية لضمان مصالحه الاستراتيجية مثل أمن الطاقة والتجارة وأمن إسرائيل. وقد أدى هذا النهج إلى إحباط الحركات المؤيدة للديمقراطية في المنطقة. في سوريا، تتجلى هذه الديناميكيات في التأثير الكبير لروسيا وإيران ودول إقليمية أخرى التي تدعم قوى غير ديمقراطية. 

لتجاوز هذه العقبة، يحتاج النشطاء المؤيدون للديمقراطية إلى بناء تحالفات دولية مع الحكومات (إسبانيا وأيرلندا على سبيل المثال) والمجتمعات المدنية التي تدعم قيم الديمقراطية ولا تخاف من تواجدها في سوريا. كما يمكنهم استخدام منصات محلية ودولية للترويج لفكرة أن سوريا الديمقراطية ستساهم في تعزيز الثروة والاستقرار الإقليمي.

الاعتراف بحق كل فرد وكل جماعة في المشاركة المباشرة في قاعدة حكم جديدة يلغي التعددية المرتبطة بالانتماء ويساعد في خلق شعور بالمواطنة وبالتوحد

يجب أن تركز جهود المناصرة على إبراز الفوائد طويلة الأمد لدولة ديمقراطية مستقرة في قلب الشرق الأوسط، وخاصةً أن الغرب كان يعمل على تخريب إمكانية إقامة شرق أوسط ديمقراطي منذ أواخر القرن التاسع عشر على الأقل. إن هذا يستلزم صناعة ثورة في الخيال السياسي لدى الزعماء الغربيين، إذ يبدو أن الغرب لا يتصور بعد مثل هذا الاحتمال. وربما يكون السبيل إلى إقناع العالم هو أن السماح بنظام ديمقراطي قابل للاستمرار من شأنه أن يخفف من حدة الغضب والارتباك في المنطقة.

ولا يمكن للنشطاء إغفال الدروس المستفادة من تجارب الربيع العربي، خاصةً في مصر، حيث أدت قائمة غير واقعية من التوقعات والمطالب إلى استعادة النظام العسكري السلطة. لتجنب تكرار هذا السيناريو، يجب أن يبقى النشطاء السوريين متيقظين وأيضًا واقعيين بشأن ما يريده الناس حقًا، وما يمكن للحكومة المؤقتة أن تحققه بالفعل في غضون سنوات قليلة. إنشاء آليات رقابية مستقلة وتعزيز ثقافة الممكن بالإضافة إلى المساءلة تعد خطوات ضرورية في هذا السياق.

يواجه النشطاء المؤيدون للديمقراطية في سوريا طريقًا صعبة، لكن الإرادة والتعاون والعمل البراغماتي يمكن أن يحققوا التغيير المنشود. بتوحيد الصفوف، وتعزيز الحوار مع المحررين والأطراف المختلفة، واتباع نهج عملي شامل ومتسامح وطويل الأمد بدلًا من الأيديولوجية والعقائدية، يمكنهم تحقيق تطلعات الشعب السوري إلى الحرية والعدالة والاستقرار.

يعتمد نجاح الثورة السورية على قدرة قادتها على التعلم من الأخطاء السابقة وبناء رؤية شاملة وواضحة ومطمئنة للشعب بأكمله وليس فقط للطبقة المتوسطة المثقفة، حتى لا تربح القوة الشعبوية والغوغائية.