03-مايو-2018

خلف ميغيل دياز كانيل آل كاسترو في السيطرة على حكومة الحزب الواحد الشيوعية في كوبا (Getty)

شهدت الجزيرة الكاريبية الشيوعية تحولًا في دفة السلطة خلال الشهر المنصرم جاء أقرب للتوريث السياسي الصريح من حقبة الأخوين كاسترو، فيديل وراؤول، إلى أحد أهم دعائم حكمهما ميغيل دياز كانيل. في هذا التقرير المترجم عن مجلة "ذا وورلد ويكلي" الجنوب أفريقية، يتم التطرق لمستقبل قمة الأمريكيتين، خاصة بعد الخلافات الحادة بين الدول المشاركة، والاتهامات المتبادلة بمعاداة الديمقراطية، وبعد التغيرات التي طرأت في الشهر الأخير على دول لاتينية عدة. 


عندما سيطر ميغيل دياز كانيل على حكومة الحزب الواحد الشيوعية في كوبا في 19 من شهر نيسان /أبريل الماضي، أنهى بذلك أسبوعًا حافلًا مر على البلاد. فقبل أيام قليلة كانت الدولة اليسارية قد أدينت في تجمع لدول نصف الكرة الأرضية الغربي بسبب افتقارها للمبادئ الديمقراطية. أدى هذا بدوره إلى التشكيك في تقاليد أميركا اللاتينية في دبلوماسية القمة، وما إذا كانت أداة فعالة بالدرجة الكافية للدفاع عن الديمقراطية في المنطقة.

قام وفد من كوبا في قمة الأمريكيتين بمضايقة لويس ألماغرو، وهتفوا ضده قائلين "كاذب" ونادوا بسقوطه

بدأت بوادر الخلاف بين كوبا والدول الأعضاء الأخرى قبل يومين من بدء قمة الأمريكتين، التي عقدت في ليما، عاصمة دولة بيرو. وقد حث 37 من رؤساء دول أمريكا اللاتينية السابقين المشاركين على رفض الحكومة الكوبية الجديدة، التي خلفت، ظاهريًا على الأقل، نظام كاسترو في السلطة. وصدر بيان من ائتلاف الرؤساء السابقين، جاء فيه "رفض الانتخابات الرئاسية التي دعت إليها الديكتاتورية، ورفض الاعتراف بشرعية الأعضاء المنتخبين الجدد للجمعية الوطنية ومجلس الدولة ورؤسائها لأنهم لا يمثلون إرادة الشعب".

في عشية قمة الأمريكيتين، صرح لويس ألماغرو، الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية (OAS)، وهي مجموعة قارية  تجتمع دولها الأعضاء كل ثلاث سنوات للقمة، بدعمه هذا الرأي خلال اجتماع مع نشطاء المجتمع المدني. وقال: "لا يمكننا أن نسمح بأن يظل الشعب الكوبي مضطهدًا في ظل دكتاتورية شائنة، تلك الديكتاتورية التي تحمل ثقل عقود من انتهاكات حقوق الإنسان".

اقرأ/ي أيضًا: ماريو فارغاس يوسا: الصوابية السياسية عدوة الحرية

وقام وفد من كوبا في الحشد في قمة الأمريكيتين بمضايقة ألماغرو، وهتفوا ضده قائلين "كاذب" ونادوا بسقوطه. في وقت لاحق، حاول السفير الكوبي في بيرو، خوان أنطونيو فرنانديز، تبرير تصرفات مواطنيه على وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة من خلال الإشارة إلى النفاق الواضح في وصف كوبا بأنها غير ديمقراطية عندما منع مؤتمر القمة نيكولاس مادورو، رئيس فنزويلا، من الحضور.

قال فرنانديز: "إنهم هم نفس الأشخاص الذين قرروا عدم وجود فنزويلا هنا". وأضاف: "يتحدثون عن الحوار والديمقراطية، ولكن كيف يفعلون ذلك عندما يكون أحد الزعماء غير موجود؟". وكما تبين، كانت مقدمة القمة بمثابة إنذار مسبق لما سيحدث. وأثناء اجتماع الدول، أصدرت 16 دولة من أصل 33 دولة حضرت القمة بيانًا على هامش الاجتماع حثت فيه فنزويلا على إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وقد أدى هذا إلى حدوث صدامات بين الولايات المتحدة، التي أيدت البيان، وكوبا التي رفضته، وقد امتدت آثارها إلى مناقشات القمة.

وقال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، الذي حضر قمة الأمريكيتين نيابةً عن دونالد ترامب، إنه "ينبغي على كل أمة حرة حاضرة هنا أن تتخذ إجراءات لعزل نظام مادورو". قبل أن يهاجم كوبا لتصديرها الفكر الفاشل عبر المنطقة الأوسع. وأضاف أنه "وبينما نحن نتكلم، يساعدون ويحرضون الدكتاتورية الفاسدة في فنزويلا ". ووصف وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز، الذي حضر نيابةً عن راؤول كاسترو، الولايات المتحدة بأنها تعاني من "الفراغ الأخلاقي" وشكك في حروبها في الخارج وحتى إطلاق النار في مدرسة في فلوريدا. وقد أفادت التقارير أن الوفد الأمريكي انسحب بعد ذلك.

دبلوماسية النفط

لم تكن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في قمة الأمريكيتين التي انتقدت الانتخابات "الصورية" التي ستجري في فنزويلا الشهر المقبل. لكن لم تكن كوبا الدولة الوحيدة أيضًا التي دافعت عن الدكتاتورية. قال هارولد ترينكوناس، أحد كبار الباحثين عن مبادرة أمريكا اللاتينية في معهد بروكينغ، إن "الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية وصلت إلى طريق مسدود تمامًا بشأن تعزيز الديمقراطية في الأمريكيتين مع وجود عدد كبير يعارض البرنامج المؤيد للديمقراطية في المنطقة".

اقرأ/ي أيضًا: "الهستيريا الجماعية" قد تفسر ما حدث للدبلوماسيين الأمريكيين في كوبا

ويعتقد العديد من الخبراء أن الإخفاق ينشأ عن غياب توافق الآراء حول ما يشكل الديمقراطية، بالإضافة إلى التأثير الدائم للنفط على دبلوماسية أمريكا اللاتينية. على سبيل المثال، ووفقًا لما قاله ترينكوناس، صُممت بعض المجموعات الإقليمية "بشكل متعمد من قبل قادة مثل هوغو تشافيز، الذي استخدم دبلوماسية النفط لتأمين الدعم من الدول الأصغر، خاصة في منطقة الكاريبي وأمريكا الوسطى، وفي المنظمات الإقليمية القائمة مثل منظمة الدول الأمريكية، أو في مؤسسات جديدة مثل التحالف البوليفاري (ألبا). "

وصلت الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية  إلى طريق مسدود تمامًا بشأن تعزيز الديمقراطية في الأمريكتين

يسري الولاء الأيديولوجي بعمق في أمريكا اللاتينية. "فقد قدم نظام  فنزويلا مساعدات إلى كوبا، المتوافقة معه فكريًا، منذ فترة طويلة على شكل إمدادات نفطية مهمة للغاية، حسبما أفادت صحيفة "ذي إيكونوميست". وفي المقابل، أشار تقرير بروكنجز عام 2014، إلى أن كوبا تقدم "أطباء ومدرسين ومدربين رياضيين ومستشارين عسكريين".

منظمة ضعيفة!

عندما أدان ألماغرو النظام الكوبي عشية قمة الأمريكيتين، أشار إلى أنه على الرغم من منع الحكومة الكوبية، وليس الدولة نفسها، من حضور اجتماعات منظمة الدول الأمريكية، امتلكت المنظمة الأدوات اللازمة للضغط على هافانا. وقال إن "هذا الإجراء لا يعفي الحكومة من القيام بمسؤولياتها، ولهذا نطالب بالديمقراطية في كوبا".لكن على نقيض ألماغرو، يرى العديد من المراقبين أن منظمة الدول الأمريكية لا تملك أدنى قوة. على سبيل المثال، انتقدت المنظمة علنًا محاولات مادورو لتوطيد السلطة وقمع المعارضة السياسية، لكنها لم تفعل الكثير في ذلك الشأن عن طريق فرض العقوبات.

قال ترينكوناس إنه "ليس لدى منظمة الدول الأمريكية أدوات خاصة للضغط لتحقيق التغيير في كوبا". وأضاف: "من الناحية النظرية، يمكن أن تمثل منتدى لتنسيق نظام العقوبات، ولكن هذا الأمر لن يجد دعمًا بين عدد كبير من الدول الأعضاء، وسيكون غير مرغوب فيه إلى حد كبير لدى الرأي العام في المنطقة". كما أشار إلى أنه باستثناء كندا والبرازيل، لا تعتبر الدول الأعضاء شركاء تجاريين مهمين مع كوبا. وأردف قائلًا: "حتى الآن الصين هي أهم شريك تجاري لكوبا".

ووفقًا لما قاله كريستوفر ساباتيني، وهو محاضر في العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، يُمكن تلخيص المسألة في  ضعف  قمة أمريكا اللاتينية، التي تعد واحدة من أكثر المناطق "التي تشهد انعقاد قمم" في العالم. أولًا، يقول ساباتيني لموقع وورلد ويكلي، "تستند القمة على القرب الجغرافي أكثر مما تستند على المعايير الأخرى"، مع عدم وجود معتقدات مشتركة بين الأعضاء.

ثانيًا، كما يؤكد أن مؤتمرات القمة في المنطقة غالبًا ما ترتكز على "شعارات مبتذلة". ويُمكن القول بأن جداول الأعمال التي تناولتها مؤتمرات القمة الأخيرة لمنظمة الدول الأمريكية، ومكافحة الفساد هذا العام في بيرو، هي في الواقع مسائل داخلية مُبسّطة بشكل مفرط، وليست على المستوى المعتاد لأهداف القمم العالمية، مثل مناقشة الأهداف المالية، والحواجز التجارية، والتعاون الأمني. أخيرًا، كان لعمليات الوساطة الدولية الناجحة في الماضي جدول زمني تهدد بفرض جزاءات لإعطاء قوة إنفاذ، كما هو الحال في قناة السويس والبوسنة، وهو أمر لا يرتبط في كثير من الأحيان بمؤتمرات قمة الأمريكيتين.

عام 2021 وما بعده

قد لا يحقق مؤتمر قمة الأمريكيتين الثامن سوى إبراز كيف أن الانقسامات الأيديولوجية الإقليمية تجعل دبلوماسية القمة في نصف الكرة الغربي غير قابلة للتطبيق. كان هذا العام هو الأكثر ضعفًا من حيث الحضور، ويعتقد الكثيرون أن تزايد غياب العديد من الشخصيات البارزة ينذر بأن المنظمة أوشكت على الانهيار. بعد فترة وجيزة من القمة، أكد مايك بنس التزام الولايات المتحدة "بالاستمرار في تعزيز قضية الديمقراطية والحرية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في مؤتمر القمة القادم للأمريكتين".

عندما تأتي قمة الأمريكيتين التاسعة، التي عرضت الولايات المتحدة استضافتها، عام 2021، يأمل دعاة الديمقراطية أن يكون هناك تغيير، إلا أن ساباتيني يقول: "ليست لدي توقعات كبيرة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يلجأ قادة العالم إلى الكذب؟

بعد الاتحاد الإفريقي.. توجّه مغربي حذِر نحو أمريكا اللاتينية