10-يونيو-2016

لاجئون سوريون على الحدود التركيا

لا ينكر سوري مُنصِفٌ حجم ما قدمته تركيا حكومة وشعبًا، ومنظمات من نصرةٍ وإعانة للشعب السوري خلال ثورته ضد الأسد، ولا تخفى هذه الحقيقة على صاحب كل بصيرة. ولم تنسجم المساعدات الإنسانية مع منسوب الدعمين السياسي والعسكري، إذ أدت مواقف الحكومة التركية في هذين المجالين لنتائج كارثية على السوريين وثورتهم ولعل ما تشهده حلب اليوم من مجازر تتحمل تركيا جزءًا من المسؤولية فيه. 

ما تشهده حلب اليوم من مجازر تتحمّل تركيا جزءًا كبيرًا من المسؤولية فيه

وضعت تركيا كثيرًا من الخطوط الحمراء بدءًا من مدينة حماة، مرورًا بتدخل تركيا بجبال الأكراد والتركمان وتهجير الأهالي، وليس انتهاء بالريف الشمالي والشرقي لحلب، لكن هذه الخطوط الحمراء تبددت حيث لم تحرك الحكومة التركية ساكنًا عند تجاوزها، واقتصر الرد كلامًا لا يغني ولا يسمن من جوع. 

اقرأ/ي أيضًا: التطرف في رمضان.. من ينهي التكفير؟

وسمحت تركيا بداية بمرور جهاديين عبر أراضيها ظنًا منها أنهم جاؤوا لنصرة الثورة السورية، فتحول جزء وافر من هؤلاء الجهاديين لتكفيريين أعملوا سيوفهم برقاب الثوار لا النظام، فبسط تنظيم الدولة سيطرته على المناطق المحررة دون سواها بل أخذ يسلمها للنظام والكرد منطقة تلو أخرى. 

وكان التكفير عن هذا الخطأ الاستراتيجي بخطأ أشد شناعة إذ لم تسمح للفصائل الثورية التعاون مع جبهة النصرة لطرد التنظيم من الريف الشمالي لحلب، ما دفع النصرة للانسحاب من المنطقة، فتوغل التنظيم وسيطر على مزيد من القرى، وكانت الطامة الكبرى عندما أرسلت عشرات المقاتلين (الفرقة 99) ممن تدربوا في تركيا لدحر التنظيم متجاهلة أن قتال التنظيم يحتاج لآلاف لا لعشرات، فتوغل التنظيم مجددًا في الريف الشمالي حتى لم يبق سوى مناطق محدودة جدًا بيد الثوار. 

أما الخطأ الميداني الآخر فتمثل بفوضوية الدعم، حيث سمحت تركيا للأفراد والجماعات بتقديم الدعم للفصائل العسكرية من دون حسيب أو رقيب، ما أدى حقيقة لإضعاف المعارضة العسكرية، فقد أدت فوضوية الدعم لتشرذم المعارضة من خلال ظهور أمراء حرب، خلافًا للدعم الإيراني المقنن رغم عشرات الميليشيات الشيعية، لكنها جميعًا تتبع لمخطط عسكري واحد، وتخدم توجهًا سياسيًا واحدًا. بينما لم تعمل تركيا بشكل حقيقي على توحيد صفوف المعارضة العسكرية في حلب، على الأقل، رغم قدرتها على ذلك. 

ما زالت تركيا أسيرة الموقف الأمريكي الرافض تقديم أي سلاح نوعي للثوار

ولاحظ السوريون مقدار الشرخ بين الأقوال والأفعال، إذ لم تقدم تركيا حتى الآن ما يغير المعادلة العسكرية على الأرض، سواء ضد النظام أو داعش أو ميليشيا الحماية الكردية، فما زالت تركيا أسيرة الموقف الأمريكي الرافض تقديم أي سلاح نوعي للثوار. وقد يبدو غريبًا القول إن المخيمات التي آوت النازحين السوريين في تركيا وغيرها تركت أثرًا سلبيًا، فمن المفروض أنها مؤقتة، ومقتصرة في المدى الطويل على النساء والأطفال والشيوخ، لكننا مع الأسف نجد شريحة من الشباب استكانت للكسل في هذه المخيمات، وبالتالي حرم الداخل منها، وحرمت سوريا المستقبل منها، فقد استمرأت الكسل وخصوصًا من الضباط المنشقين، ولا نريد قول شيء آخر. 

اقرأ/ي أيضًا: ذكرى "مسيرة العودة" من اليرموك إلى فلسطين

ومن مثالب السياسة التركية منعها النخب العلمية السورية من أطباء ومهندسين وغيرهم العمل في اختصاصاتهم، فبت ترى الطبيب السوري عاملًا في معمل في سبيل أن يؤمن قوت عياله، ولم تنتهِ المأساة هنا فقد كانت هذه الشريحة أول من هاجر لأوروبا عندما فتح الطريق لأوروبا، والسبب الرئيس حرمانها العمل في مجالها، وبالتالي تضاءل احتمال عودتها لسوريا مستقبلًا، ما يعني كارثة جديدة تضاف للكوارث السورية. 

يمكن القول صراحة إن تصريحات الحكومة التركية على مختلف المستويات ولّدت حالة من الإحباط واليأس في الشارع الثوري السوري، لا سيما أن الأقوال التركية قابلها أعمال إيرانية روسية على الأرض، لتستمر معاناة الداخل السوري ألمًا وقتلًا ونزوحًا وتشريدًا وحرمانًا وفقرًا وجهلًا.

اقرأ/ي أيضًا:

حين قررت ألا أكون متدينة!

العراق.. بيئة خصبة للإفلات من العقاب