15-مارس-2016

صار استعمال الدراجات النارية ظاهرة شعبية في المغرب (الترا صوت)

ضعف إنتاج المغرب من البترول، واعتماده على الاستيراد لهذه المادة الحيوية، خلق أنماطًا من الاعتماد على النفس لدى المواطن المغربي، وأنماطًا مثيرة للتأمل والإعجاب في كيفية تسيير الأمور المتعلقة بالنقل، إذ يُعد استعمال المركبات الكبيرة مثل السيارة، أمرًا مستنزفًا للجيب، في ظل غلاء الوقود وضريبة السير في الطرق السريعة، علمًا أن الأجر القاعدي في البلاد لا يغطي إلا نسبة 32% من الحاجات الأساسية.

صار استعمال الدراجات النارية ظاهرة شعبية في المغرب، وتستعملها كل الشرائح دون استثناء

من هذه الأنماط البديلة للمركبات الكبيرة، حتى أصبحت ظاهرة شعبية في المغرب، استعمال الدراجات النارية، ليس من طرف شريحة الشباب فقط، كما نجد في الجارة الجزائر مثلًا، أين تستعمل الدراجة غالبًا للتباهي، بل تشمل الشرائح كلها، بما فيها شريحة النساء.

اقرأ/ي أيضًا: من أحلام جنوب لبنان.. دراجة نارية

يقول الشاب "مهدي. ل"، الذي قابلناه على متن دراجته في جولة ليلية في مدينة الدار البيضاء، وهي التي تعد العاصمة الاقتصادية للمملكة، إنه "معروف عن الإنسان المغربي قدرته الفائقة على التكيف مع الظروف المختلفة، وشعاره في ذلك "المعيشة تدبير"، فهو ليس تواكليًا ولا يقف عاجزًا أمام ندرة الحاجيات المختلفة". ويضيف: "كثير من الشعوب يُنهكها عدم توفر مواد أساسية مثل الوقود، فتستسلم لواقعها بما يؤسس لفقرها وتراجعها، في المغرب يحدث العكس تمامًا، حيث تخلق الندرة في مجال ما روح التحدي والإصرار".

كان الوقت ليلاً، وقد رُكنت معظم السيارات إلى مواقفها، ما عدا سيارات الأجرة أو "التاكسي الأحمر" كما يسميها المغاربة، والدراجات النارية على اختلاف أنواعها، تغدو وتروح في أرجاء المدينة، حاملة أصحابها فرادى وثنائيات، ذكورًا وإناثًا، وقد شاهدنا ذلك في مدن أخرى أيضًا، مثل فاس ومراكش وإفران وخنيفرة ومريرت، غير أن الظاهرة تقل في العاصمة الرباط، بسبب كونها صغيرة بالمقارنة مع المدن الأخرى، وبسبب المستوى المعيشي لمعظم الأسر التي تقطنها، بحسب إسماعيل عشير الطالب في علم الاجتماع الثقافي.

الحجم الصغير للدراجة وسهولة التحكم فيها، يجعلان ركنها في أي مكان سهلًا، وهذا أمر عملي في المدن المزدحمة مثل الدار البيضاء، حيث يصعب على صاحب السيارة أن يجد موقفًا. يقول الشاب سعيد الذي يشتغل في توزيع مواد التجميل بدراجته التي كيّفها فجعل لها صندوقًا خلفيًا، بما حوّلها إلى ما يشبه شاحنة صغيرة، إنه يتوقف في أي مكان شاء، من غير أن يُعطَل حركة المرور، أو يخسر وقتًا كثيرًا. هنا تجدر الإشارة إلى توفر مواقفَ خاصة بالدراجات في كل شارع مغربي تقريبًا.

تتوفر مواقف خاصة بالدراجات في كل شارع مغربي تقريبًا

قصدنا الموقف المحاذي لسوق الأفارقة في الدار البيضاء ليلًا، فوجدنا ما لا يقلّ عن مائتي دراجة مركونة في صفوف متوازية. يقول أحد حراس الموقف: "تبقى هذه الدراجات الليلة كلها هنا، ليأتي أصحابها في الساعات الأولى من النهار لأخذها، إنه أمر عملي جدًا، يوفر لهم موقفًا آمنًا لدرجاتهم، ويوفر الشغل لكثير من العاطلين عن العمل، وخلال ساعات النهار، يمكن أن تركن عندنا دراجتك طيلة الوقت الذي تحتاجه في قضاء حاجاتك داخل المدينة".

اقرأ/ي أيضًا: الرجل الذي زار الدول التسع "الأصعب"

هذه الظاهرة في المغرب، خلقت خدمات عديدة متعلقة بها، منها تجارة قطع غيار الدراجات، وتجارة إصلاحها، أما الأسواق المخصصة للبيع والاستبدال والكراء، فهي مزدهرة بشكل يجعل دخولها متعة قبل كل شيء. يحدثنا "مروان. ف"، أحد الشباب المشرفين على موقع إلكتروني متخصص في الإعلان عن هذه التجارة: "ازدهرت في السنوات الخمس الأخيرة ظاهرة اللجوء إلى شراء الدراجات أو بيعها أو استبدالها عبر المواقع الإلكترونية، بالتوازي مع ارتفاع نسبة المغاربة المنخرطين في الإنترنت، نتلقى صورة عن الدراجة وعرضًا عن مواصفاتها، ووثائقها القانونية، حتى نتجنب عمليات السرقة، ونقوم بعرضها على الموقع لتلقي الطلبات، وعند البيع، نأخذ نسبة من البائع ومثلها من المشتري".

إلى غاية 30 تشرين الأول/أكتوبر 2015 كانت الدراجات في المغرب غير خاضعة لرقابة وزارة النقل، بعد هذا التاريخ، أصبح مالك الدراجة مطالبًا بتسجيلها على مستوى مركز السيارات، مقدمًا، بحسب عون في مركز تسجيل المركبات في مدينة مراكش، وثيقة تثبت ملكية الدراجة وتبيَن خصائصها التقنية، ووثيقة من مركز الفحص التقني، وتصريحًا بالشرف موقعًا ومصادقًا عليه من طرف السلطة، مع نسخة لبطاقة التعريف مصادق عليها.

في أعياد الميلاد وفي حالة نجاح الأبناء في استحقاقات مهنية ودراسية معينة، فإن إهداء دراجة للمعني، يُعد من المبادرات الجالبة للسعادة في المشهد المغربي، بما يجعل هذه المركبة الصغيرة والأنيقة والعملية التي ظهرت للوجود أول مرة على يد المهندس الألماني غوتليب ديملر عام 1885 في حكم أحد أعضاء الأسرة المغربية.

اقرأ/ي أيضًا:

عن رحلة الطالب الأردني مع المواصلات..

توفير النقل.. مطلب طلاب جامعة نواكشوط