07-أغسطس-2015

مقومات النجاح لا تنطبق على الدراما اللبنانية بأي شكلٍ من الأشكال (Getty)

ليس من مشهد درامي مؤثر كما في "غداً نلتقي". حين وقفت "وردة" أمام "جابر" في سجن المخفر حيث تم احتجازه، وأخبرته أن المبلغ الذي تمكنت من جمعه لا يكفي ثمن جلسة غسل كلى واحدة لأخيه "محمود"، الشاعر والصحافي السوري، الذي يعاني من قصور كلوي حادّ. في آخر المشهد بكى جابر بحرقة، فبكينا معه. تمنى أن يموت محمود لأنه ما عاد بإمكانه أن يفعل له شيئاً، في حلقة تستدعي التصفيق بحفاوة في ختامها. وإلى هذه الكليشيه، قد يتمنى المشاهد أن يموت بطل "مسلسل" لبناني "معروف" إثر فشل كلوي بدلاً من محمود.

لا يبدو أن أحدًا يولي أي اهتمام للجريمة الفنية المرتكبة بحق الدون فيتو كورليوني، فأسرة "العرّاب" احتفلت بـنجاح المسلسل قبل عرضه

وضع الدراما المحلية يجب أن يكون قد تحسن. هذه شائعة تستحق التفحص. ينبعث من التلفزيون صوت أنثوي يعلن عن بدء حلقة جديدة من "أحمد وكريستينا". (قهقهة هنا) "أحمد وكريستينا"؟ معقول؟ هذا عنوان حقيقي. آفة تُضاف إلى قائمة أسباب ضعف الدراما المحلية: الكليشيه. لكن إذا كان الهدف من العمل، الذي تدور أحداثه في ستينيات القرن الماضي، تسليط الضوء على قضية الزواج المختلط التي كان يرفضها المجتمع اللبناني ويعتبرها "تابو" وقتذاك، فهو بالتأكيد لم يقدم إضافات جديدة أو يحدث تأثيرًا كبيرًا في الرأي العام، سوى أن "سابين تقوم بدور البطولة"، ربما.

هكذا تميز ندى، وهي متابعة جدية للدراما، المسلسلات عن بعضها البعض. تتابع "أحمد وكريستينا"... "لتشوف سابين كيف طالعة". ومن لا يعرف الأخيرة، سيتذكر حتماً الصبية التي أدت أغنية "ابعتلي ايمايل واحكيني". تميّز ندى العمل اللبناني الجيد من السيىء "على الرغم من قلته"، لكنها تبرر مشاهدتها أعمالاً "دون المستوى" بعدم اختلاف مضمون تلك الأعمال كثيراً عن المسلسلات التركية.

أما سنان، فهو ليس متابعاً، ولا يبالي "بكل هالهرطقة". وفي حساباته، مارلون براندو، "رحمه الله"، كان سينتحر إذا شاهد مسلسل "العراب"، النسخة اللبنانية - السورية المقتبسة عن رواية ماريو بوتزو الشهيرة. لم نخبر سنان أن مُعدي "العراب" أعلنوا أنهم دخلوا مرحلة الإعداد لتصوير جزأيه الثاني والثالث. يكفيه صدمة أداء عاصي الحلاني دور البطولة في العمل. وبالنسبة إلى حنين، التي تعير اهتماماً للدراما السورية بالدرجة الأولى، فهي ترى في "العراب" شخصية أراد الحلاني ربط اسمه بها، وهذه شائعة لا يمكن نفيها إذا اطلعنا على مجموعة من المقالات التي أنصفت الممثل "الموهوب"، فكان عنوان إحداها: "فارس الأغنية العربية "العراب" في الدراما الرمضانية". الحلاني بالنسبة إلى حنين "عيّاش"، وتستطيع أن تؤكد أنه منتج المسلسل، فحين تراه "على الـTV" يخيل إليها أن 400 مليون دولار ترقص على أنغام "سألوني إذا كنت بحبك". إنها مسألة آراء شخصية. في النهاية، لا يبدو أن أحداً سيولي أي اهتمام للجريمة الفنية التي ارتكبت بحق الدون فيتو كورليوني، فأسرة "العراب" احتفلت بـ"النجاح" قبل أن يبدأ عرض المسلسل.

يقال إن العمل الدرامي الناجح يحتاج إلى نص وممثل ومخرج جيد، وإن تصنيف أي عمل في خانة النجاح أو الفشل يعتمد بشكلٍ أساسي على إجماع جمهور "واعٍ" يرفض البلاهة وتسطيح الواقع، ويُنصف العمل الجيد. وإذا كان هذا المزيج يشكل جزءًا من مقومات الدراما الناجحة، فإن تلك المقومات لا تنطبق على الدراما اللبنانية بأي شكلٍ من الأشكال. وبالنسبة إلى الأسباب فهي واضحة منذ سنوات عدة، واستحضارها الآن سيكون كإعادة إنتاج مسلسل لرموز الدراما اللبنانية كمروان نجار أو لشكري أنيس فاخوري، لا فرق. فالأعمال البائسة، بالنسبة للجمهور، هي نفسها، واللائحة تطول.

الكثير من الممثلين اللبنانيين الموهوبين شاركوا مضطرين في مسلسلات هشة

ليس المقصد تسخيف أي جهد يُبذل منذ سنوات للنهوض بالدراما اللبنانية، المسألة ليست شخصية. وليس المقصد جلد الكتاب والممثلين والمخرجين الموهوبين الذين شاركوا "مضطرين" في العديد من المسلسلات الهشة والتافهة، وهم للمناسبة كثر. لكن الضحك حتى انقطاع النفس أثناء عرض مشهد درامي من انتاج محلي، تقول فيه إحدى الممثلات للبطل "خلصني من حياة الجحيم"، يستدعي، على الأقل، وصف الجحيم الذي تنمو فيه مفاهيم الدراما اللبنانية.

وإن كان الأمر يستدعي أن يتحمل أحداً ما مسؤولية "الجرائم" التي ترتكب بحق الدراما، فلا بدّ أن يتحمل كتاب السيناريو بالدرجة الأولى جزء منها. وهذا ما تثني عليه الكاتبة كلوديا مرشليان، التي اعتبرت أن العمل الدرامي لوحة مكتملة العناصر "يرسم تفاصيلها الكاتب الموهوب، قبل أن يصبح العمل جماعي"، في إشارة إلى أهمية دور الممثل والمخرج في إبراز تفاصيل اللوحة كما يجب. لكن مرشليان ترفض أي انتقاص من واقع الدراما اللبنانية، أو تسميتها بـ"السطحية". فالدراما المحلية "ماشية" و"المحاولات كثيرة". توضح الكاتبة أنه على الرغم من قلة الإنتاج اللبناني، مقارنةً بالعدد المهول للانتاج المصري والسوري و"العربي المشترك"، فإن "نوعية الأعمال المحلية التي عرضت في رمضان أفضل بكثير من عشرات المسلسلات التي لا يتذكر الجمهور منها شيئاً".

أما نقيب الممثلين اللبنانيين جان قسيس، فاعتبر أن "المنتج أو شركة الانتاج يتحملان المسؤولية في الدرجة الأولى"، وذلك لأن معظم الشركات أصبحت تولي الربح المادي اهتماماً أكبر بكثير من نوعية العمل. لا يهم من يكتب السيناريو، فلتذهب الموهبة إلى الجحيم، "المهم ألا يتقاضى الكاتب ثمن أتعاب الحلقة الواحدة أكثر من 800 دولار"، يقول. ولا يعفي قسيس "الكتاب الجيدين" من المسؤولية. فنجاح مسلسل واحد للكاتب لا يعني بالضرورة أن كافة أعماله "ضاربة" وأنه "يجب أن يتحفنا بعمل جديد كل عام". في أية حل، ثمة من لا يريد أن يعترف أن الدراما اللبنانية بعيدة كل البعد عن الارتقاء إلى المستوى المطلوب.

ثمة من لا يصدق أن الدراما ليست كاميرا وإضاءة وكادر مناسب في اللقطة، وليست مبالغ طائلة يتم صرفها ليصبح العمل "ضخماً". نتحدث هنا عن كتاب ما زالو يعيشون على أطلال تسعينيات القرن الماضي، وعن كاتب سيناريو معروف مثلاً، يرى أن إنتاج عمل يتناول سيرة حياة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري قد يحدث "نقلة نوعية في الدراما اللبنانية"!