10-مايو-2019

من مسلسل الكاتب

لا تعيش الدراما السورية أفضل أيامها دون شك، لا سيما بعد عشرات السقطات والثغرات في السنوات السبعة الأخيرة، جعلت منها دراما رديئة أو مُسيّسة لا تلبّي رغبات المشاهد، في المواسم الرمضانية بشكلٍ خاص. هذا العام، يبدو أنّ هناك انفراجات وتعافيًا خجولًا، ولكن ليس مؤكّدًا. فالدراما لا زالت تدور في فلك السلطة، تلمّع وتخدم أجنداتٍ معيّنة. بينما لا تزال دراما البيئة الشامية على حالها، دون تغيّراتٍ ملحوظة. وقد يبدو من المبكّر أن نحكم على الأعمال المُفرج عنها لهذا الموسم، ولكن، كما يُقال، "المكتوب مبين من عنوانه".

دراما سورية بأموالٍ إماراتية

قاطعت القنوات الإماراتية، منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية، الدراما السورية. وامتنعت عن عرض الأعمال دون سبب واضح. فالمقاطعة كانت مقاطعةً للدراما فقط، بينما بقيت العلاقات قائمةً بين النظام وإمارات محمد بن زايد، وإن في الخفاء. ما معناهُ أنّ المقاطعة ليست نتيجة موقفٍ أخلاقي من انتهاكات النظام، أو تأييدٍ للانتفاضة الشعبية. نتحدّث عن دولةٍ كانت سبّاقة في التطبيع معه، وذلك من خلال إعادة افتتاح سفارتها في قلب العاصمة التي شهدت مجازر بحقّ المدنيين في الغوطة الشرقية، قبل أن يهجَّروا نحو مناطق سيطرة المعارضة.

كانت المقاطعة الإماراتية لسوريا مقتصرة على الدراما فقط، بينما بقيت العلاقات قائمةً بين النظام وإمارات محمد بن زايد سرًّا

بالتزامن مع افتتاح السفارة، تدفّق المال الإماراتيّ سريعًا ليسجّل حضورًا كبيرًا على صعيد الدراما لهذا الموسم. في المقابل، جهدت الأعمال المُنتجة بهذا المال لتسويق المناطق السياحية في الإمارات، وتحديدًا إمارة أبو ظبي، من خلال تصوير عملين هناك. الأوّل "حرملك"، حيث صوِّر جزءًا كبيرًا منه في جزيرة السعديات، مقابل تغطيه نفقات الجزء الأكبر من ميزانية الإنتاج. والثاني هو "أحلى أيام" (الجزء الثالث من أيام الدراسة).

اقرأ/ي أيضًا: 4 من المسلسلات اللبنانية في رمضان 2019

انصبّ تركيز المال الإماراتيّ على ثلاثة مسلسلات؛ "الحلاج" (تأجّل عرضه لأسباب تسويقية)، و"مقامات العشق"، و"عندما تشيخ الذئاب". الأوّل والثاني قدّما أجواءً صوفية، وضمن هذه الأجواء الزاهدة، دخلت على الخط الخلافات والصراعات بين التيّار المتطرّف والمتشدّد من جهة، وتيار الإسلام المعتدل من جهةٍ ثانية. وبينما تأجّل عرض الأوّل، جاء الثاني محمّلًا بعدّة رسائل المبطّنة، تقول إنّ الإسلام المعتدل هو زهد وعبادة وتقرّب من الله فقط، بمعنى أنّ لا علاقة للإسلام بالسياسة. وهذه مقولات لا شكّ في أنّ الإمارات اشتغلت على تصديرها في السنوات السابقة لمواجهة الإسلام السياسي. ووظّفت شخصيات ومؤسّسات عدّة لأجل ذلك، كـ"منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" ورئيسه عبد الله بن بيّه.

العمل الثالث "عندما تشيخ الذئاب" (إخراج عامر فهد، سيناريو وحوار حازم سليمان) جاء عملًا اجتماعيًا يركّز على تطويع الدين والسلطة والجنس لتحقيق المصالح الشخصية. وحول المحاور الثلاث هذه، يدور المسلسل المأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتب الأردنيّ الراحل منتصف العام الفائت جمال ناجي.

هكذا، ظهرت في العمل ثلاث شخصيات رئيسية: جبران، الشيخ عبد الجليل، وعزمي الوجيه. الأوّل سياسيّ يساريّ ومعتقل سابق في سجون النظام بسبب خلفيته السياسية. الثاني شيخ منافق ومقرّب من السلطة، يحتمي بالدين لتحقيق مصالحه: إشباع رغباته من خلال الزواج بنساء أرامل، وكسب المال من خلال نهب جمعية خيرية يديرها. الثالث، عزمي الوجيه، يقف في المنتصف، بين جبران وعبد الجليل قبل أن يخطّ لنفسه طريقًا متمايزًا، فيؤسّس بالأموال التي ورثها عن أمّه جماعة إسلامية، في وقتٍ تحوّل فيه جبران إلى واحدٍ رؤوس الأموال بعد أن تخلّى عن مبادئه وقيمه تحت ضربات الفقر والحاجة.

سامر رضوان.. اختراق حصون السلطة الأمنية مجدّدًا

بعد غياب طويلٍ عن المشهد الرمضانيّ، يعود السيناريست السوريّ سامر رضوان بمسلسل جديد يضع نصب عينيه اختراق حصون السلطة القمعية لنظام الأسد. "دقيقة صمت" عنوان جديدِ رضوان بعد "الولادة من الخاصرة"، العمل الذي فضح ممارسات النظام وفساده وكيفية تعاطيه مع المظاهرات الشعبية.

يقدّم مسلسل "دقيقة صمت" ما هو مخبوء خلف كواليس سلطة النظام السوري القائم على الفساد والابتزاز

قدّم "دقيقة صمت" (إخراج التونسّي شوقي الماجري، وإنتاج إيبلا الدولية، وصبّاح إخوان) ما هو مخبوء خلف كواليس هذه السلطة. الحكاية تبدأ بالحكم على سجينين بالإعدام، ووصول الأوامر لمدير السجن بتنفيذ الحكم فورًا. غير أنّ جُملةً من الأحداث غيّرت هذا المسار، حيث سادت حالة من الفوضى داخل السجن، انتهت بالتهام النيران لجزءٍ منه، وإعدام سجناء سياسيين، وهرب المحكومين، قبل أن يُغلق ملفهما بتدوينها ضمن سجل الأموات. في المقابل، سنشاهد ضابطًا نافذًا أشبه يقود ما بشبه مافيا تبتزّ وتهدّد وزراء وضبّاطًا ومسؤولين وشخصيات مرموقة في الدولة دون رقيب أو حسيب. مدعومًا من شخصياتٍ نافذة وكبيرة في الدولة. إنّه نسخة جديدة من شخصية "أبو نبال" في "الولادة من الخاصرة".

الأعمال المشتركة... بين الأخطاء والسرقة

الأعمال المعروفة بالأعمال المشتركة (خليط ممثّلين سوريين ولبنانيين)، حجزت حصّة كبيرة من مسلسلات الشهر المبارك، حيث دخلت أكثر من 5 أعمالٍ درامية على خط المنافسة لهذا الموسم، متسلّحةً، كما جرت العادة، بكاريزما الممثّلين السوريين، على أن تكون البطولة النسائية من حصّة ممثّلات لبنانيات ثابتات وغير قابلات للتغيير على ما يبدو. من بين هذه الأعمال، سنشاهد "الكاتب" (معرّب عن عدّة أعمال إنجليزية. سيناريو وإخراج الشقيقين ريم ورامي حنّا. بطولة باسل خياط ودانييلا رحمة).

اقرأ/ي أيضًا: أبرز 5 شخصيات ثانوية في مسلسل "House of Cards"

العمل المًراد له أن يكون امتدادًا لتجربة "تانغو" (رمضان 2018)، وقع في السقطات والثغرات الكبيرة. فمن جهة، جاء بحبكةٍ ضعيفة، وحكاية غير مقنعة أيضًا، تتحدّث عن كاتبٍ بوليسي يُتهم بقتل فتاة يربطه بها علاقة سريّة جدًا. الفتاة تُقتل في غابة قريبة من منزل الكاتب، حيث يعتزل هناك لأجل الكتابة والهرب من الصحافيين، ما يُضاعف من احتمالية أن يكون الفاعل، بينما تسعى محامية لإثبات براءته. ما يبدو غير مقنعًا في الحكاية أنّه لا وجود لكتّاب أثرياء إلى هذه الدرجة في الوقت الراهن. وأنّ الصحافة لا تُطارد الكتّاب بهذا الشكل. وبعيدًا عن هذه الثغرات، تُطارد كاتبة ومخرجة العمل اتّهامات بالسرقة. جاءت أوّلها من السيناريست خلدون قتلان. أما الثانية، فكانت من قرّاء رواية التونسيّ كمال الرياحي "عشيقات النذل" الذين نبّهوه إلى سرقة محتّمة قامت بها حنّا.

ضمن قائمة الأعمال المشتركة، هناك أيضًا مسلسل "خمسة ونص" (سيناريو إيمان السعيد، وإخراج فيليب أسمر. بطولة قصي خولي ومعتصم النهار واللبنانية نادين نسيب نجيم). تدور أحداث العمل حول عائلةٍ غنية. فالأب زعيم حزب سياسيّ كبير، يُصاب بالسرطان الذي يقعده أسير الفراش، ويموت نجله الأكبر في عملية اغتيالٍ ضخمة، الأمر الذي يدفع الأب إلى إعادة ابنه الصغير والمُغيّب عن منزل العائلة، ليكون زعيمًا جديدًا للحزب، وأملاك العائلة. سيناريو كهذا، دون شك، يعيد المشاهد إلى سنواتٍ مضت، حين ورّث حافظ الأسد الحكم لابنه بشّار، بعد اشتداد مرضه، ووفاة ابنه الأكبر باسل. الأمر الذي دفع بالسوريين للتساؤل حول ما إذا كان الممثّلون يعرفون أنّهم يلعبون دور عائلة الأسد.

يُضاف إلى هذه القائمة الأعمال التالية: "هوا أصفر" (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي. إخراج أحمد إبراهيم أحمد. بطولة يوسف الخال ونادين تحسين بك وسلاف فواخرجي). و"صانع الأحلام" (مأخوذ عن عمل روائي لهاني النقشبندي. سيناريو بشار عبّاس وإخراج محمد عبد العزيز. بطولة مكسيم خليل وأميرة الدرويش وطوني عيسى). و"الهيبة – الحصاد" (سيناريو وحوار باسم السلكا، إخراج سامر البرقاوي. بطولة تيم حسن وسيرين عبد النور). ومن المعروف أنّ العمل الأخير دخل من جديد على خطّ منافسة المسلسلات الأشدّ رداءةً.

البيئة الشامية... مناعة ضدّ الانتقادات ومحاولات للتجديد

يُعرف عن مسلسلات البيئة الشامية، لا سيما في السنوات الأخيرة، شدّة رداءتها وتناقضها مع التاريخ الحقيقي لمدينة دمشق، ما جعل منها مجرّد مصادر ضخمة لربح الأموال، وغالبًا هي صفقات ربحية أكثر منها أعمالًا فنية. في هذا الإطار، أفرجت الدراما السورية عن عددٍ من هذه المسلسلات. منها الجزء العاشر من "باب الحارة" (كتابة مروان قاووق وإخراج محمد زهير رجب، وإنتاج شركة قبنض التي انتزعت ملكية المسلسل من بسّام الملا).

يُعرف عن مسلسلات البيئة الشامية شدّة رداءتها وتناقضها مع التاريخ الحقيقي لمدينة دمشق

وأيضًا مسلسل "حرملك" (سيناريو سليمان عبد العزيز، وإخراج تامر اسحق. بطولة جمال سيلمان وسامر المصري وسلافة معمار). والذي يدور داخل مكان يُدار من خلال حبك المؤامرات والمكائد. إنّها العاصمة دمشق، والمُدارة داخل خان يسمّى "خان الدكّة"، حيث يجتمع هناك علية القوم، ليرتّبوا للمدينة ما يقوّض استقرارها. هكذا، افتُتِحً العمل بمقتل المسؤول عن قضايا الأمن والجيش في المدينة، ليخلفهُ مسؤولٍ آخر يفتحُ تحقيقًا حول الحادثة، فتكرُّ سبحة أحداث المسلسل.

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل "الندم".. ولكن ما سبب "الأزمة"؟

الحديث يدور حول احتلال العمل السابق، "حرملك"، الصدارة، إلى جوار عملٍ آخر بعنوان "سلاسل دهب" (كتابة سليمان عبد العزيز، وإخراج تامر اسحق. بطولة بسام كوسا وكاريس بشّار وعبد الهادي الصبّاغ). وتدور قصّته حول صائغ محتال يشتغل على إيقاع مجموعة نساء في غرامه، والهدف الزواج منهنّ لغاياتٍ معيّنة. وبالإضافة إلى الأعمال الثلاثة المذكورة أعلاه، ثمّة عملان آخران؛ الأوّل "شوارع الشام العتيقة"، و"عطر الشام" (الجزء الرابع).

 

اقرأ/ي أيضًا:

النظام السوريّ يحوّل "أبو عصام" إلى فيمينيست

4 من أهم المسلسلات السورية في الموسم الماضي