22-أبريل-2020

من مسلسل العاصوف

خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت ملامح الدراما الخليجية تتغيّر بشكلٍ مُلفتٍ ومُثيرٍ للانتباه، وذلك تماشيًا مع المُتغيّرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة منذ صعود محمد بن سلمان وليًّا لعهد العرش السعوديّ، وحاكمًا بأمره في بلاد الحرمين، وحليفًا وثيقًا لوليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي أمّده بتفاصيل التجربة الإماراتية في القضاء على الخصوم السياسيين، والتخلّص من أصحاب الأصوات النقدية العالية، ناهيك عن الاستراتيجيات المُتّبعة في تقديم صورة لامعة تروّج لاعتدال وانفتاح الأمير الشّاب في الدول الغربية، وتُبين له كيف يكون حاكمًا مُطلقًا على العائلة المالكة نفسها قبل الشّعب.

بدأت ملامح الدراما الخليجية تتغيّر بشكلٍ مُلفتٍ ومُثيرٍ للانتباه، وذلك تماشيًا مع المُتغيّرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة منذ صعود محمد بن سلمان وليًّا لعهد العرش السعوديّ

البداية كانت في إعادة صياغة خطاب القنوات والأدوات الإعلامية المملوكة والمموّلة من قبل السعودية، بحيث تكون متوافقة مع رؤية الأمير الجديد، بل ومنبرًا لها أيضًا، كمرحلةٍ أولى مهّدت لمراحل أخرى ظهرت فيها عدّة مؤسّسات بدت دخيلة على البيئة السعودية المُحافظة، كالهيئة العامّة للترفيه وغيرها من المؤسّسات التي أُنشأت لإثبات جدّية محمد بن سلمان، وعزمه على نقل المملكة من التطرّف والتشدّد إلى الوسطية والاعتدال.

اقرأ/ي أيضًا: الدراما التلفزيونية والسياسة.. لا صوت يعلو على الأيديولوجيا!

في سياق هذه المساعي المحمومة لاستبدال الصورة التقليدية للسعودية بأخرى مُشتهاة أو مُتخيّلة، أعلنت مجموعة قنوات "MBC" عن إنتاجها عملًا تلفزيونيًا بعنوان "العاصوف"، بثّت الجزء الأول منه خلال رمضان 2018، ثمّ عادت بجزءٍ ثاني في رمضان الفائت، على أن تعرض الجزء الثالث والأخير في وقتٍ لاحق لا يزال مجهولًا بعد إعلان المجموعة الإعلامية السعودية غيابه عن الموسم الرمضانيّ الحاليّ.

المسلسل الذي استدعى في جزأيه جدلًا كبيرًا شقّ صفّ المجتمع السعوديّ، وقسمه بين فئة تؤيّده وتراهُ مُعبّرًا عمّا كانت عليه السعودية قبل الصحوة، وأخرى تُعارضه وتراهُ تزييفًا لتاريخ المملكة؛ وضع نصب عينيه إعادة قراءة فترة زمنية شديدة الحساسية في تاريخ السعودية، وهي فترة السبعينيات التي شهدت مُتغيّراتٍ كبيرة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، بيد أنّ هذه القراءة نفسها كانت انطلاقًا من رؤية محمد بن سلمان لتلك الفترة وقناعته بأنّ السعودية انتقلت من الاعتدال إلى التشدّد نهاية السبعينيات.

"السعودية لم تكن كذلك قبل عام 1979 (...) نحن لم نكن بالشكل هذا في السابق"؛ هذا بالضبط ما يودّ المسلسل قولهُ لمشاهديه، في محاولة لتأكيد صحّة كلام ابن سلمان الذي يُشكِّك المؤرّخون به، ويعتبره البعض أقرب إلى أساطير يرويها كدعاية لعهده الذي بدأه بحادثة "الريتز كارلتون" الشهيرة. وبالتالي، يكون دور المسلسل هنا هو محاكاة ما يرويه وليّ العهد حرفيًا، وتقديم وثيقة مرئية زائفة تُدعّمه، أو مُعادلًا بصريًا الهدف منه اللعب على مشاعر المُشاهد السعوديّ والعربيّ، وإقناعه بما يدّعيه ابن سلمان.

يبدأ "العاصوف" من الفترة التي سبقت الصحوة، حيث يغيب النقاب عن المشهد تمامًا، ويُستبدل بقماشة شفّافة تُغطّي الوجه أو تُخفِّف من وضوح ملامحه تقريبًا. في المقابل سيكون المُشاهد على موعدٍ مع علاقة بين أحد أبطال المسلسل، خالد (ناصر القصبي)، وامرأة متزوّجة تُخبره بأنّها حامل، ولا تعرف إن كان الجنين من صلبه أو صلب زوجها. في هذا السياق، لا تبدو العلاقة بين الرجل والنساء بذلك التعقيد، ولا تظهر "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" كمؤسّسة دينية فاعلة، وذلك في الوقت الذي يُحمّل فيه المسلسل، قصدًا، الوافدين إلى السعودية مسؤولية نشر التشدّد والتطرّف داخلها، من خلال شخصية الشيخ محمد سعيد (فادي صبيح) الذي يحملُ فكر الإخوان المسلمين في مُحيط يُقال إنّه حافل بالتعدّدية الفكرية.

مسلسل "العاصوف" مجرد محاكاة لما يدعيه محمد بن سلمان حرفيًا، ومحاولة في تقديم وثيقة مرئية زائفة تُدعّمه

جاء الجزء الثاني الذي عرضته شبكة MBC خلال شهر رمضان الفائت ليُبيّن الكيفية التي انتقلت عبرها السعودية من الاعتدال إلى التشدّد والتطرّف. وكان القائمون على المسلسل قد أفردوا في هذا الجزء مساحة لحكاية جماعة جهيمان العتيبي التي احتلّت الحرم المكّي عام 1979، حيث يروي "العاصوف" تفاصيل عملية تحرير الجيش السعوديّ للحرم، في الوقت الذي بات فيه معروفًا أنّ مجموعة قوّات خاصّة فرنسية هي التي حرّرت الحرم بعد عجز السعوديين.

اقرأ/ي أيضًا: إساءة سعودية متجددة للمرأة المغربية!

بعد "العاصوف" بجزأيه الأوّل والثاني، تكون السعودية قد ضربت موعدًا شبه ثابت مع رمضان من خلال أعمال درامية تخدم توجّهاتها السياسية والدينية، وذلك من خلال مجموعة "MBC" التي أعلنت مطلع هذا العام تأجيل عرض الجزء الثالث من "العاصوف" الذي عوّضته بمسلسلٍ آخر أثار زوبعةً من الجدل قبل عرضه، وهو مسلسل "أم هارون" الذي ستعرضه القناة خلال الموسم الرمضانيّ 2020 الذي سيبدأ بعد أيام قليلة من الآن.

المسلسل الذي يُريد القائمون عليه أن يكون عملًا دراميًا خليجيًا، على عكس "العاصوف" الذي كان سعوديًا خالصًا، أشعل حربًا ضروسًا في مواقع التواصل الاجتماعيّ بين مؤيديه ومُعارضيه، كونه يتناول موضوع الوجود اليهوديّ في دولة الكويت في أربعينيات القرن الماضي، ويلعب على وتر المظلومية اليهودية وإثارة تعاطف المُشاهد مع اليهود الذين تُحاول الفنّانة الكويتية حياة الفهد اختزال ما يوصف بـ "معاناتهم" داخل الكويت ودول الخليج من خلال دور "أم هارون"، المرأة اليهودية التي ستكون شاهدةً على ما سيحلّ بأبناء جلدتها داخل المجتمع الكويتيّ.

يربط عدد كبير من المُتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي مسلسل "أم هارون" بالمساعي الأخيرة لبعض الدول الخليجية للتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيونيّ، واعتباره تبريرًا فجًّا لأي تطبيع علنيّ مع الكيان خلال السنوات القادمة، وأولى رحلات التطبيع الفنّي معه، لا سيما وأنّ المسلسل سيُعرض على شاشة MBC السعودية، بعد أن صوِّر بالكامل في دولة الإمارات التي موّلت عملية إنتاجه، في الوقت الذي ذهب فيه دور البطولة إلى فنّانين كويتيين تتقدّمهم حياة الفهد التي دافعت عن العمل بقولها إنّ اليهود "كانوا موجودين بكل مكان، وهذا كتاب منزل من الله سبحانه وتعالى، ما نقدر ننكره، والكويت فيها ديانات كثيرة".

يربط عدد كبير من المُتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي مسلسل "أم هارون" بالمساعي الأخيرة لبعض الدول الخليجية للتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيونيّ

التوجّهات الجديدة للدراما الخليجية قابلتها جهودٍ إماراتية دؤوبة لاتّخاذ الدراما مسارًا جديدًا في محاربة خصومها، وشفاء غليلها السياسيّ، وذلك من خلال تمويل وإنتاج أعمل درامية تُترجم سياساتها وتوجّهاتها داخل الشاشة الصغيرة. من بين هذه الأعمال نذكرُ مسلسل "المُهلّب بن أبي صُفرة" الذي حاولت دولة الإمارات من خلاله نسب أصول المُهلّب إليها، وإنكار حقيقة أصوله العُمانية، بالإضافة إلى مُحاولة نسب قطري بن الفجاءة، زعيم الخوارج الأزارقة الذي قضى عليه المُهلّب، إلى دولة قطر التي سُمّيت باسمها هذا، ووفقًا للمسلسل نفسه، نسبةً إلى قطري، الأمر الذي جعل من المسلسل مُحاولةً لشرعنة عداء الإمارات لدولة قطر.

اقرأ/ي أيضًا: كيف رسمت السينما المصرية صورة الرجل الخليجي؟

بالإضافة إلى "المُهلّب بي أبي صفرة"، هناك مسلسل "العاشق: صراع الجواري" الذي أُجِّل عرضه من قبل الجهة المنتجة حتّى رمضان الفائت، أي دولة الإمارات التي تريد تكريس الصوفية كمدرسةٍ إسلامية معتدلة وبديلٍ وحيد عن الإسلام السياسي أيضًا، مُحاولةً بذلك حصر الدين في العبادات والممارسات الروحية، دون الاقتراب من السياسة، وذلك من خلال شخصية الحلّاج التي تمثّل نموذجًا لاعتدال تقول أبو ظبي إنّها تتبنّاه وتُحاول تعميمه في المنطقة. بالإضافة إلى مسلسل "ممالك النار" الذي ينبش ماضي المنطقة منذ انتهاء فترة حكم المماليك وبداية الحكم العثماني، وذلك انطلاقًا من وجهة نظر حاقدة تسعى إلى تشويه التاريخ إرضاءً لرغباتها ودعمًا لمواقفها العدائية تجاه الدولة التركية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لوبي ابن سلمان في الإعلام الغربي.. "تطبيل" للكوارث

الصهيونية إذ تحاور ابن سلمان.. تبشير بإسرائيل