02-ديسمبر-2024
زعمت فرنسا بوجود مخارج قانونية لعدم اعتقال نتنياهو وغالانت (منصة إكس)

زعمت فرنسا بوجود مخارج قانونية لعدم اعتقال نتنياهو وغالانت (منصة إكس)

أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية في نهاية الشهر الماضي بيانًا قالت فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والوزراء المستهدفين بمذكرة الاعتقال التي صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية يستفيدون من الحصانات الممنوحة للدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي، الذي أنشأ المحكمة.

وأشارت الخارجية الفرنسية إلى أنها ستأخذ هذه الحصانات في الاعتبار إذا طلبت المحكمة الجنائية الدولية من فرنسا اعتقالهم وتسليمهم. وبعبارة أخرى، فإن فرنسا لن تعتقل أو تسلّم القادة الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى العدالة الدولية إذا دخلوا أراضيها.

حاولت فرنسا حل هذا التضارب بين التزامها المبدئي بقرارات المحكمة الجنائية الدولية ودعمها لإسرائيل، عبر اللجوء إلى خطة وصفها بريسيلون بأنها لعبة "بهلوانية قانونية خطيرة"

وفي هذا الإطار، يلفت الصحفي الفرنسي المستقل، تييري بريسيلون، في مقال رأي بموقع "ميدل إيست آي"، إلى أنه على الرغم من تأكيد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على أن الامتثال بأحكام المحكمة الجنائية الدولية هو إلزامي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأن وزراء خارجية مجموعة السبع أعلنوا أنهم "سيفون بالتزاماتهم الخاصة" بخصوص مذكرة الاعتقال، فإن معظم الدول الغربية تبدو محرجة إلى حد ما، إن لم تكن رافضة تمامًا للقرار على غرار الولايات المتحدة والمجر، بتسليم المسؤولين الإسرائيليين.

الرضوخ لابتزاز نتنياهو

من جانبها، حاولت فرنسا حل هذا التضارب بين التزامها المبدئي بقرارات المحكمة الجنائية الدولية ودعمها لإسرائيل، عبر اللجوء إلى خطة وصفها بريسيلون بأنها لعبة "بهلوانية قانونية خطيرة"، تتضمن التأكيد على أن إسرائيل، بما أنها ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، فإن قادتها يستفيدون من الحصانة.

على الرغم من ذلك، فإن المسؤولين بمختلف الدرجات، بما في ذلك رؤساء الدول أو الحكومات، بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، لا يحق لهم التمتع بالحصانة، حتى لو كانوا ينتمون إلى دول غير أطراف في نظام روما الأساسي، مثل إسرائيل.

وأشار الصحفي الفرنسي إلى أن فرنسا لم تُبدِ أي تحفظات من هذا القبيل عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس/آذار 2023، ولم يكن هناك أي ذكر للحصانة.

وشددت وزيرة الخارجية الفرنسية آنذاك، كاثرين كولونا، بحزم على أنه "سيتم محاسبة أي شخص مسؤول عن جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، بغض النظر عن وضعه أو رتبته"، رغم أن روسيا انسحبت من نظام روما الأساسي في عام 2016.

ولفت بريسيلون إلى أنه ليس من قبيل المصادفة أن يأتي بيان الخارجية الفرنسية الذي كشف فجأة عن مخرج "الحصانة"، في اليوم نفسه الذي أُعلن فيه عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان.

وأورد ما قاله الصحفي بصحيفة "هآرتس"، أمير تيبون، بأن الحكومة الفرنسية نشرت هذا البيان على ضوء الإنذار الإسرائيلي والتهديد باستبعاد فرنسا من مفاوضات وقف إطلاق النار ومنعها من المشاركة في آلية تنفيذه. لذلك، وفي محاولة للحفاظ على دورها في الشرق الأوسط، يبدو أن الدبلوماسية الفرنسية رضخت لابتزاز نتنياهو، وحرفت تفسيرها للقانون.

واعتبر بريسيلون أن الفائدة التي قد تجنيها الدبلوماسية الفرنسية من هذا الموقف وهمية، لأن المعاملة التفضيلية الممنوحة لإسرائيل لا يمكن أن تؤدي إلا إلى مزيد من تآكل مصداقيتها. وبرأيه، فإن الدول التي تزعم مثل فرنسا أنها تعزز نفوذها الدولي، لا يمكنها تحقيق ذلك إلا بدعم وتعزيز نظام قائم على القانون وحقوق الإنسان.

ازدواجية المعايير

أورد صاحب المقال مثالًا على ازدواجية المعايير بوضوح، حين كتبت صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحيتها أن: "المحكمة الجنائية الدولية ليست المكان المناسب لمحاسبة إسرائيل. إن المحكمة الجنائية الدولية ضرورية للمساعدة في حل جرائم الحرب في روسيا والسودان وميانمار". وهذه دعوة صريحة لتطبيق القانون اعتمادًا على المصالح الغربية.

"الطابع الديمقراطي"

في تعليق أولي على إصدار مذكرات الاعتقال، أصرت وزارة الخارجية الفرنسية على أنه "لا يوجد أي تكافؤ ممكن بين حماس، وهي جماعة إرهابية، وإسرائيل، وهي دولة ديمقراطية".

وهنا تساءل بريسيلون: هل قتل عشرات الآلاف من المدنيين خلال أكثر من عام من الحرب على غزة، والتهجير القسري لأكثر من مليوني إنسان، وحرمانهم من الحد الأدنى من شروط البقاء، والقتل المتعمد للأطفال والعاملين في مجال الصحة والصحفيين، كلها جرائم تبررها "الطبيعة الديمقراطية" للدول التي ترتكبها؟

وأشار كاتب المقال إلى تأكيد الوزارة على تماهي المواقف بين فرنسا وإسرائيل، حين أشار البيان إلى أنهما "ديمقراطيتان ملتزمتان بسيادة القانون واحترام نظام قضائي مهني ومستقل".

وبحسب بريسيلون، فإن فرنسا تتجاهل في ذلك التطهير العرقي الذي حدث في عام 1948، وعدم الامتثال الممنهج لقرارات الأمم المتحدة، والاحتلال غير الشرعي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وبناء جدار الفصل العنصري، فضلًا عن الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي.

الاستمرار في الانحدار

واختتم الكاتب بالإشارة إلى بيان الخارجية الفرنسية الذي أكدت فيه أنها "تعتزم مواصلة العمل بالتعاون الوثيق مع رئيس الوزراء نتنياهو والسلطات الإسرائيلية لتحقيق السلام والأمن للجميع في الشرق الأوسط".

واعتبر بريسيلون أن فرنسا، إلى جانب كونها ضامنة للإفلات من العقاب لنتنياهو، تقدم دعمها للمشروع الاستراتيجي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لا يقتصر على إقامة نظام سياسي وعسكري يضمن التفوق الإقليمي لإسرائيل، بل يتكامل مع جهود اليمين المتطرف الإسرائيلي للقضاء على القضية الفلسطينية وإقامة "أرض إسرائيل الكبرى".

وأشار بريسيلون إلى أن هذه الموجة التي وصفها بـ"القومية الإثنية الاستبدادية"، التي تكتسب زخمًا عالميًا، تعد إسرائيل أحد أبرز تعبيراتها، وبدعم من إدارة ترامب المستقبلية. وختم بالقول إن التفاعل مع قرارات العدالة الدولية بهذه اللامبالاة مقابل نفوذ إقليمي وهمي، فإن الدبلوماسية الفرنسية تساهم في هذا التدهور.