07-نوفمبر-2015

تختزل قصص مصطفى تاج الدين الموسى الحدث السوري (فيسبوك)

قائمة طويلة من الوفيات الحية، حاكم انتصر في كل معاركه ضد شعبه، حب انتهى تحت سرير مغبر الأرضية بدمعة صامتة، خوف واسع يملأ فزاعة لم تعد تثير ريبة طيور الحقل الواسع. تلك هي الأجواء التي يضعنا فيها القاص السوري مصطفى تاج الدين الموسى في مجموعته القصصية الجديدة "الخوف في منتصف حقل واسع" (منشورات المتوسط).

تسير قصص "الخوف في منتصف حقل واسع" في منحنيات الحدث السوري المليء بالدم والقلق

يسير الموسى مرة أخرى في منحنيات الكتابة للحدث السوري المليء بالدم والقلق، متجاوزًا معطيات الحاضر، عائدًا إلى الماضي، بقصص تؤسس لأجواء الراهن من خلال خلفية مشبعة بالقمع المسايرة لتاريخ سورية، والتي انتهت بثورة شعب تماهت معها ثورة أدب خلقتها الضرورة، كشافة من خلالها أبعاد القيامة السورية التي يحاول الكاتب أن يرصدها بقصصه التسع والتسعين، المنسوجة بكثافة لغوية وفكرية أثقلت قصرها!

يبتعد صاحب "مزهرية من مجزرة" عن رؤية السطحي من الحدث، منطلقًا إلى أبعاد نفسية تختبئ وراءَ شخوصِ  قصصه وأحداثها المكثفة المتخمة بالخيال المؤدي إلى الحقيقة، حيث يرسم بقصصه أنماطًا لأفرادِ مجتمعٍ ربما لا يثير انتباه من يمر به للوهلة الأولى، ليجبر قارئه فيما بعد على الإمعان بما يطرحه عبر التقاطاتٍ ذكية لأفكارٍ تعبر عن لمسٍ واضحٍ للواقع السوري الراهن منه والماضي، لتكون التشكيلة القصصية المتضمنة في المجموعة الأخيرة، عبارة عن مزجٍ واضحٍ بين طرفي حيواتنا الواقعية والمرمية في أحضان الخيال.

يندثر الحب في قصص موسى على وقع حرب كانت نفسية في البدء، وتحولت مع اندلاع الثورة إلى جسدية وحياتية، مشكلةً ما يمنع من فعل الحب الضروري لنا جمعيًا، عبر سرديات تأخذ مجراها الخيالي من وقائع يعيشها جل الشباب السوري، الملاحق عبر قنوات الأمن والتشدد، أو النازح إلى بلاد اخرى يبتعد فيها عن حبيبته المهاجرة إلى دنيا بعيدة عنه، وغير ذلك مما خلقته الحرب من موت وهجرة جعلت الحب فكرة هامشية تقتلها القصص الملفقة التي تبرز في "الفيديو المسرب للقبلة الحلوة"، التي لا تغفل عن تقريع لعبة الإعلام الذي تحول للتلفيق القصص بدل إظهار حقيقتها.

كذلك فإنه ثمة حرب ضرورس بين القاص وأصنام الزعامة والألوهية، فالإله الذي لا يستجيب لدعاء الطفل، يدعوه لأن يذهب للخياط ويطلب تفصيل إله جديد، والزعيم الذي يحتل كل شيء في الحياة وصولًا إلى الكلمات المتقاطعة التي تصبح كلها باسم القائد الذي قاتل وحرر وانتصر.

هنا لا يجد الموسى بدًا من سؤال وجودي عن طرفي الإشكالية السورية، فيما يتعلق بتعظيم الطرفين على حساب النفس الإنسانية، خصوصًا ما يحصل من قتل باسم الجانبين، وهنا لا نجد لدى الكاتب اعتراض متأصل على خيار الآخر بالعبادة أو التبعية، بل ينأى بذلك إلى ناحية أخرى تتعلق بجوهرية الطرفين في المعركة القائمة بين جوانب الصراع السوري، وما كان خلف اتباع أحدهما من دمار وتشريد وقتل واجهه الإنسان السوري، ليصل إلى زاوية ضيقة من الشك والأسئلة المتعلقة بالله والزعيم.

 الجثث مرمية بين القصص، المفردات غارقة في دمائها، والحديث عن وطن بلا موت ضرب من الخيال بالنسبة للكاتب السوري

لا يبدو الموت شيئًا جديدًا في قصص موسى، الجثث مرمية بين القصص، المفردات غارقة في دمائها، والحديث عن وطن بلا موت ضرب من الخيال بالنسبة له. فالموت لدى تاج، إكمال للسردية السورية المؤلمة، تصل معها إلى فكرة ألا حياة ممكنة بغير فناء، هذا الحدث الذي لم يعد جللا لدى السوريين على عظمه، بعد أن تآلفت النفوس معه فأصبح ضيفًا يوميًا لا تكفيه عتبة المشهد، إنما أصبح في صدر منازل السوريين وقصصهم، لتطول قائمة الوفيات كل لحظة وتنطوي كل جثة في خزانة لشكلت مجموعة حكايا اخترعها الرحيل.

تختزل قصص مصطفى تاج الدين الموسى الحدث السوري، بماضيه وحاضره، مجردة إياه من الستائر التي تختفي خلفها قصص الوجع والموت في هذا البلد الدامي، منذ عقود حتى اليوم، لتقول إن الخوف من صنع كل ذلك، وألقى بالكثير من السوريين بعيدًا عن المشهد في سقيفة ينهكها الغبار، وتخنقها الكراكيب المشوهة.

اقرأ/ي أيضًا:

اثنان وسبعون عامًا في لوحةٍ تشكيليّة

محمود دسوقي متنكرًا في شخصياته