23-يوليو-2018

ما زالت زيمبابوي أمام التحديات نفسها (Getty)

بعد تجاوز عشرات السنين من هيمنة الأقلية البيضاء في زيمبابوي ثم استبداد وتفرد روبرت موغابي بالسلطة، لا يبدو أن البلاد قد تخلصت من هذا الإرث الثقيل. حيث تشهد الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في نهاية شهر تموز/ يوليو الجاري، انقسامًا حادًا داخل المعارضة، في مواجهة احتمال عودة النظام القديم. ويوضح هذا التقرير المترجم عن صحيفة نيويورك تايمز، عمق الأزمة التي تواجهها البلاد.


عندما تنحى روبرت موغابي عن رئاسة زيمبابوي في الخريف الماضي، تدفق المواطنون المبتهجون إلى شوارع العاصمة هراري، معربين عن أملهم أن تؤدي نهاية حكمه الذي دام 37 عامًا إلى انتخابات تنافسية متعددة الأحزاب وإلى إحياء الاقتصاد المحتضر.

يُمثل الآن الحزب السياسي الذي تزعمه موغابي لعقود، إمرسون منانغاغوا، المُتهم بتنظيم عمليات قمع وحشية 

ولكن مع تزايد حدة الحملات التي سبقت الانتخابات المزمع انعقادها في الـ 30 من شهر تموز/ يوليو الجاري، والتي تُعد الانتخابات الأولى التي تُجرى دون وجود اسم موغابي على بطاقات الاقتراع منذ استقلال البلاد في عام 1980، يظل إرث الرئيس السابق الثقيل مخيمًا على البلاد.

يُمثل الآن الحزب السياسي الذي تزعمه موغابي لعقود، إمرسون منانغاغوا، الذي شغل منصب نائب الرئيس السابق والمُتهم بتنظيم عمليات قمع وحشية خلال فترة حكم موغابي. أما المعارضة فقد تمزقت وضعفت بعد وفاة مورغان تسفانغيراي الذي تزعم المعارضة منذ فترة طويلة وتحدى موغابي في ثلاثة انتخابات متتالية في الأعوام 2002 و2008 و2013.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أشياء يجب معرفتها عن رئيس زيمبابوبي المُحتجز روبرت موغابي

أعقبت الانتخابات التي جرت في عام 2008 أعمال عنف مميتة، ويخشى المراقبون تكرار الأمر ذاته هذا العام في المنافسة بين منانغاغوا وزعيم المعارضة الجديد، نيلسون تشاميسا. وهناك بالفعل اتهامات بالتهديدات والترهيب والتلاعب في الأصوات. وقد أخطأت قنبلة يدوية الشهر الماضي انفجرت في تجمع حاشد، بالكاد منانغاغوا، مما أسفر عن مقتل اثنين من مساعديه وإصابة عدة أشخاص آخرين بجراح. ولم يُعرف حتى الآن من المسؤول عن تفجير هذه القنبلة، بيد أن الشكوك تحوم حول أعضاء فصيل منافس في الحزب الحاكم، حزب الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي - الجبهة الشعبية (زانو-الجبهة الشعبية).

ويبدو أن الزيمبابويين أقل اهتمامًا بالمؤامرات السياسية مما هم بارتفاع معدلات البطالة وانعدام المساواة المتواصل. فقد شهدت زمبابوي، التي كانت ذات يوم واحدة من أغنى الاقتصادات في جنوب أفريقيا، تدهورًا حادًا في الصناعة والزراعة خلال حقبة التسعينات. ومع تحرك موغابي للاستيلاء على الأراضي التي تمركزت في أيدي الأقلية البيضاء التي سيطرت على المستعمرة البريطانية السابقة، سحب المستثمرون أموالهم، ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم، وجعل البلد مُكبلًا بالديون.

يقول ستانلي هونغوي، الذي يبلغ من العمر 32 عامًا، ويدرس علم الاجتماع في جامعة زيمبابوي وهو واحد من بين العديد من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل، إن "منانغاغوا لا يُمثل مصالح الأغلبية السوداء هنا. انظروا كيف يُصور نفسه على أنه محبوب من الدول الغربية التي يُمثل مصالحها، بدلًا من مصالحنا نحن".

واشتكى تيرنس تشيواوا، البالغ من العمر 46 عامًا، وهو مدرس كان ينتظر سحب نقود من أحد البنوك في هراري، من وجود نقص مزمن في العملة في الآونة الأخيرة. وقال: "ظل منانغاغوا يزعم أن زيمبابوي أصبحت الآن أرضًا خصبة للأعمال التجارية، بل ويزعم أنه توسط في عقد صفقات استثمارية وقعها منذ وصوله إلى السلطة، لكننا لا نرى أي تغيير على أرض الواقع".

بينما يقول الخبير الاقتصادي البارز كيبسون غونداني، إنه من غير المرجح أن ينتعش الاقتصاد دون استقرارٍ انتخابي، وأضاف أن "ما ازداد سوءًا في زيمبابوي هو رغبة الحكومة في إنفاق الأموال. كما ازداد أيضًا الإقبال على الاستثمار في زيمبابوي، لكن المستثمرين يتطلعون إلى ما سيحدث في الانتخابات".

يبدو أن الزيمبابويين أقل اهتمامًا بالمؤامرات السياسية مما هم بارتفاع معدلات البطالة وانعدام المساواة المتواصل

ولا يزال من غير المعروف إلى الآن ما إذا كانت الأسواق ستشعر بالاطمئنان. فقد وافق منانغاغوا على السماح لمراقبي الانتخابات الدوليين بالمجيء إلى البلاد لمراقبة عملية الاقتراع، لكن تحالف المعارضة، الذي يهيمن عليه حزب حركة التغيير الديمقراطي، لا يزال يشكك في تلك الأفعال. وهناك مخاوف من تكرار ما حدث في انتخابات عام 2008، التي احتل فيها تسفانغيراي المرتبة الأولى، حاصلًا على ما يقرب من نصف الأصوات، ما أدى إلى إجراء جولة إعادة. وبعد اندلاع موجة من أحداث العنف، انسحب تسفانغيراي من الانتخابات.

وقد وحد حزب الاتحاد الوطني الأفريقي القوى على مدى عقود، ما جعل زيمبابوي تبدو بمظهر دولة الحزب الواحد الشبيهة بالنمط السوفيتي، والتي قد تصمد فترة أطول من موغابي البالغ من العمر الآن 94 عامًا.

وقد جمعت الحكومة مجموعة واسعة من البيانات الشخصية عن المواطنين، واتُهمت بإساءة استخدام تلك البيانات من خلال إعطاء الأولوية لمؤيدي الحزب في الحصول على المعونات الغذائية وغيرها من المزايا. وأنشأت نظام إحصاء حيوي لتسجيل الناخبين.

تقول جستينا مكوكو، المديرة التنفيذية لمشروع السلام في زيمبابوي، وهي منظمة لحقوق الإنسان، إن التقنية الجديدة التي تشمل فحص بصمات الأصابع والتعرف على الوجوه، عرضة لإساءة الاستخدام.

وأضافت أن "القرويين يتعرضون للترهيب باستخدام تقنية نظام الإحصاء الحيوي في تسجيل الناخبين، وهي الأداة التي استُخدمت لتجميع قائمة الناخبين لتُستخدم في انتخابات 2018. إذ يُقال للمواطنين إن هذه التقنية هي في الواقع أداة رصد يمكنها كشف من يصوتون ضد الحزب الحاكم".

وحتى الآن، يقول المراقبون الدوليون إنهم يعتقدون بأن لجنة الانتخابات في البلاد ملتزمة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

قال مارك ستيفنز، نائب رئيس بعثة المراقبة الانتخابية التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي يُتوقع أن تنشر 140 مراقبًا من الدول الـ 28 التابعة للاتحاد، "إنها مهمة كبيرة للغاية، وشديدة الصعوبة، لكنهم يقولون إنهم مستعدون ويتحركون نحو طباعة بطاقات الاقتراع في وقت قصير للغاية، فضلًا عن تعيين الموظفين وتدريبهم".

غير أن هناك منظمتين أمريكيتين، هما معهد الأبحاث الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني، قد أعربا عن المخاوف إزاء التدخل في العملية الانتخابية.

وقد بين لاري جاربر، المدير المشارك لمنظمات بعثة المراقبة الانتخابية الدولية في زيمبابوي: "لقد وردتنا تقارير عن وجودٍ عسكري في المناطق الريفية في زيمبابوي من مختلف الأطراف الفاعلة، وقد طلبنا من مراقبينا العاملين على المدى الطويل التحقق من هذه المزاعم خلال الأسابيع القليلة المقبلة".

ورد المتحدث باسم قوات الدفاع الزيمبابوية، أوفرسون موغويسي، قائلًا إن الجيش "ليس له دور مباشر" في الانتخابات، ونفى أن يكون الجيش مساعدًا للحزب الحاكم، وأضاف: "نشعر بالانزعاج من التقارير الكاذبة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تزعم أن قوات الدفاع الزيمبابوية تم نشرها في حملات لصالح حزب الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي".

من جانبه، قال المحلل السياسي أوستالوس سيزيبا إن منانغاغوا يسعى جاهدًا لتوطيد علاقته بالجيش وبنائبه، قسطنطينو تشيوينغا، الجنرال المتقاعد والقائد السابق للقوات المسلحة. وانتقد العديد من العسكريين القدامى الذين شاركوا في النضال من أجل نيل الاستقلال الذي أدى إلى إقامة حكم الأغلبية السوداء في دولة زيمبابوي المستقلة الجديدة في عام 1980، موغابي ومنانغاغوا، قائلين إن الاثنين يحافظان على بقاء الدولة البوليسية القمعية التي ورثاها من فترة حكم الأقلية البيضاء التي دامت بين عامي 1965 و1979.

وبين نغوني توماس شيتورو، وهو ممثل عن العسكريين القدامى، "أن التغيير الذي حدث عندما تخلت الأقلية البيضاء عن السلطة كان في لون البشرة فحسب، لكن نظام عسكرة الدولة بقي قائمًا، وهو ما نراه حتى اليوم في ظل حكومة منانغاغوا".

اقرأ/ي أيضًا: استقالات القادة والحكام.. رمال متحركة تنذر بالربيع الأفريقي

يسعى مرشح المعارضة الرئيسي، نيلسون تشاميسا، جاهدًا إلى إثبات اسمه. فقد كان نيلسون شاميسا، الذي تلقى تدريبًا يؤهله للعمل في مهنة المحاماة، زعيمًا لجناح الشباب في حركة التغيير الديمقراطي، وشغل فيما بعد منصب وزير من عام 2009 إلى عام 2013، في حكومة وحدة ضمت كلًا من موغابي وتسفانغيراي. لكن نيلسون تشاميسا جاهد لإبقاء صفوف المعارضة موحدة: في الوقت الذي انشقت فيه ثوكوزاني خوبي، وهي عضوة قيادية بارزة في التحالف، لإدارة فصيل منافس مع جويس موجورو، وهي نائبة سابقة للرئيس، أطاح بها موغابي في عام 2014، بعد اتهامها بالتآمر لإحداث انقلاب.

التغيير الذي حدث عندما تخلت الأقلية البيضاء عن السلطة في زيمبابوي كان في لون البشرة فحسب

وقال ملوندولوزي ندلوفو، وهو محلل سياسي مستقل، إنه يخشى أن تكون استراتيجية "فرق تسد" التي يتبعها موغابي كانت فعالة في إثارة الانقسامات داخل تحالف المعارضة.

كما يعاني حزب الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي من الانقسامات أيضًا؛ فقد تسبب فصيل مرتبط بغريس، زوجة موغابي، بالكثير من المتاعب لمنانغاغوا، كما أعلن عضو في الفصيل، وهو جوناثان مويو، وزير سابق للتعليم العالي منفي حاليًا، عن دعمه لنيلسون تشاميسا.

وأوضح شيتورو أن الانقسامات داخل كل من حزب الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي وتحالف المعارضة، تعكس الطبيعة الناشئة لديموقراطية زيمبابوي.

وأضاف قائلًا إننا "تجاوزنا سبعة وثلاثين عامًا من حكم موغابي، والأفكار التي كان يُمثلها. لذا نحن بحاجة إلى إعادة تثقيف أنفسنا، وأن نتمتع بفكر جديد. إذ إن الفكر القائم على المركز الواحد للسلطة لن يؤتي ثماره بعد الآن، لأنك لن تستطيع أن تعرف كل شيء".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدانة راتكو ملاديتش.. استثناء لقاعدة إفلات مجرمي الحرب من العقاب!

الجبناء والتاريخ.. نظرات حول الحروب ودوافعها